“إذا لم تستطع هايلي الفوز هنا فلن تستطيع الفوز في أيّ مكان”.
ما قصده المحلّل البارز في “مركز الأخلاقيّات والسياسة العامّة” هنري أولسن في مقال أواخر شباط بكلمة “هنا” كان الانتخابات التمهيديّة الجمهوريّة في العاصمة واشنطن. وهذا ما حدث. تمكّنت المرشّحة الجمهوريّة نيكي هايلي من تحقيق أوّل فوز لها في الانتخابات التمهيديّة، حاصدة نحو 63 في المئة من الأصوات مقابل 32 للرئيس السابق دونالد ترامب.
تعدّ العاصمة واشنطن معقلاً للديموقراطيّين. فاز بها الرئيس جو بايدن في الانتخابات الرئاسيّة الماضية حاصداً 92 في المئة من أصواتها. والقسم المتبقّي من الجمهوريين معتدل أو ليبراليّ إلى حدّ كبير. لهذا السبب، تمكّنت هايلي من الانتصار. وسنة 2016، فشل ترامب أيضاً في تصدّر النتائج. حينها، ذهب المركز الأوّل للسيناتور عن فلوريدا ماركو روبيو (37.3 في المئة) وحلّ حاكم أوهايو السابق جون كاسيتش بفارق ضئيل في المركز الثاني (35.5). ولم يحصل ترامب آنذاك إلّا على 13.8 في المئة من الأصوات.
سارعت حملة ترامب إلى التقليل من شأن النتائج باعتبار هايلي “ملكة المستنقع من جماعات الضغط والمنتمين للمؤسّسة في مقاطعة كولومبيا الذين يريدون حماية الستاتيكو الفاشل”. بالمقابل، قالت الناطقة باسم حملة هايلي أوليفيا بيريز-كوباس في بيان: “إنّه من غير المفاجئ أن يرفض الجمهوريّون الأقرب إلى الخلل الوظيفيّ في واشنطن دونالد ترامب وكلّ الفوضى” التي ترافقه. وأشارت إلى أنّ هايلي أصبحت أوّل امرأة تفوز بانتخابات تمهيديّة جمهوريّة على الإطلاق. ولأنّ هايلي فازت بأكثر من نصف الأصوات، حصلت على جميع المندوبين الـ19، رافعة بذلك نصيبها منهم إلى 43. وحصل ترامب حتى الآن على 247 وهي إشارة إلى تفوّقه الكاسح في الطريق إلى نيل بطاقة الترشيح الجمهوريّة.
يوم الثلثاء المعروف باسم الثلثاء الكبير، تتوجّه 15 ولاية إضافة إلى ساموا الأميركيّة لاختيار مرشّحيها. يشمل هذا اليوم وحده ما يفوق ثلث المندوبين الكبار (874 مندوباً) على طريق حصد التذكرة النهائيّة (1215 مندوباً). هناك 11 من أصل 15 ولاية تخوض انتخابات مفتوحة لجميع الناخبين المسجّلين أو على الأقلّ للناخبين المستقلّين المسجلّين. من “مركز الأخلاقيّات والسياسة العامّة” ، ثمّة ولايات تمنح هايلي أفضليّة نسبيّة لتحقيق أداء مقبول وربّما فوز مفاجئ. هذه أبرزها مع بيانات عن أحدث استطلاعات الرأي بشأنها:
مينيسوتا (39 مندوباً)
هي ولاية أخرى فاز بها روبيو سنة 2016 بـ36.5 في المئة من الأصوات، تلاه السيناتور عن تكساس تيد كروز بـ29 نقطة مئويّة ثمّ ترامب بـ21.3 نقاط. بحسب هذه الأرقام، ستكون مينيسوتا أصعب على هايلي، بما أنّ ناخبي كروز أقرب عادة إلى ناخبي ترامب. والاستطلاعات هناك تبيّن أنّ الأرقام بعيدة حتى عمّا كانت سنة 2016. ثمّة استطلاع في أواخر كانون الثاني (يناير) أظهر ترامب متفوّقاً على منافسته بـ62 نقطة مئويّة. صحيح أنّ الاستطلاع قديم نسبياً، لكنّ الفارق أكبر من إمكانيّة اجتيازه.
كولورادو (37 مندوباً)
تعدّ ولاية معتدلة وتحتضن نسبة كبيرة من المتعلّمين (61 في المئة حصلوا على شهادة جامعيّة). سنة 2016، فاز كروز بالانتخابات. يمكن أن يصوّت الديموقراطيّون والمستقلّون في تلك الولاية. ثمّة استطلاع شباط (فبراير) يظهر أنّ 76 في المئة من جمهوريّي الولاية ينظرون بإيجابيّة إلى ترامب مقابل 23 في المئة ينظرون إليه بسلبيّة. لكنّ هذه العيّنة تمثّل نحو ربع إجماليّ الناخبين الجمهوريّين. بالمقابل، قال ثلثا الناخبين المسجّلين إنّهم ينظرون بسلبيّة إلى ترامب. حتى على المستوى العام، ومع انخفاض شعبيّة بايدن، على ترامب بنسبة 49 إلى 41 في المئة. هل تحقّق هايلي المفاجأة هنا، حتى عبر الحلول في المركز الثاني بفارق عن الرئيس السابق؟
يوتا (40 مندوباً)
هي ولاية ذات ثقل مورمونيّ وولاية المرشّح السابق إلى الرئاسة ميت رومني (خسر أمام أوباما سنة 2012). يعدّ رومني من أشدّ مناهضي ترامب وأعلن مؤخّراً أنّه لن يصوّت له إذا كان المرشّح النهائيّ للحزب. كما في مينيسوتا والعاصمة واشنطن، حلّ ترامب سنة 2016 ثالثاً في مؤتمرات الولاية مع 14 نقطة. لكن مجدّداً حلّ تيد كروز في المرتبة الأولى مع أكثر من 60 في المئة من الأصوات. وهذا يعني نظرياً أنّ معظم الأصوات ستؤول إلى ترامب حالياً. يتأكّد ذلك من خلال صادر في كانون الثاني مع تقدّم لترامب بـ27 نقطة مئوية. لكن ذهبت أيضاً نسبة 13 في المئة إلى رون ديسانتيس و17% لم تحسم خيارها. يعني ذلك أنّ نتائج يوتا قد تكون قريبة من كولورادو على مستوى تحقيق ترامب فوزاً غير كبير على منافسته.
فرجينيا (48 مندوباً)
يبدو أنّ فيرجينيا مرشّحة كي تحمل نبأً ساراً لهايلي. استطلاع لمعهد السياسة وأبحاث الرأي التابع لجامعة رونوكه، تفوّق ترامب على منافسته بـ8 نقاط فقط، بالرغم من تفوّقه الكبير بين الجمهوريّين (60 نقطة). كالعادة، تتفوّق هايلي بين المستقلّين والجمهوريّين المعتدلين ولا تتمتّع الولاية بتسجيل حزبيّ. في فرجينيا أيضاً، يتمتّع بايدن بتفوّق على ترامب بتسع نقاط مئويّة. سنة 2016، حلّ روبيو ثانياً أمام ترامب بفارق ضئيل لم يتجاوز 3 نقاط.
ماساشوستس (40 مندوباً)
حصد ترامب حينها 49 في المئة من أصوات الناخبين سنة 2016، لكنّ كاسيتش وروبيو اللذين حلّا تباعاً في المركزين الثاني والثالث حصدا ما مجموعه 36 في المئة من الأصوات. يرجّح ذلك أن يكون أداء هايلي قوياً في الولاية من دون أن يقرّبها ذلك من الفوز. يحوز ترامب تأييد 65 في المئة من جمهوريي الولاية مقابل 22 لهايلي. لكن على مستوى عموم الناخبين يتقلّص تقدّم ترامب إلى نحو 17 نقطة بحسب جامعة سوفولك، وهو لا يزال فارقاً كبيراً جداً لتخطّيه.
(الرئيس السابق دونالد ترامب – أب)
وهنالك أيضاً فيرمونت (17 مندوباً) لكنّ هايلي تتخلّف هناك عن ترامب بنحو 30 نقطة وفق استطلاع صدر أواسط الشهر الماضي، وولاية ماين حيث تتخلّف بنحو 58 نقطة . في فيرمونت، ربّما تراهن هايلي على حضور قويّ للمستقلّين حيث بنسبة 82 في المئة، لكنّ جميع المستقلّين يمثّلون فقط 24 في المئة من إجمالي ناخبي الولاية.
“انهيار ثلجيّ”
باستثناء مفاجأة في فرجينيا وربّما في ماساشوستس، من المرجّح أن تنتهي هايلي بخسارة جميع انتخابات الثلثاء الكبير. تتوقّع ترمب حصد قرابة 773 مندوباً في الثلثاء الكبير وبطاقة الترشيح بحلول نهاية الشهر الحاليّ. شبّه ستيف كورناكي، خبير انتخابيّ في شبكة ان بي سي ” أصوات الجمهوريّين في تلك الولاية بـ”انهيار ثلجيّ” سوف “يطمر” هايلي. تشبيه منطقيّ مع الأخذ بالاعتبار أنّ الولايتين الكبريين المحسومتين لترامب، كاليفورنيا وتكساس، أكثر من 320 مندوباً. سيبقي ذلك السفيرة السابقة بعيدة من كسب خمس ولايات على الأقلّ للتوصّل مع ترامب إلى “اتفاق سلام متفاوض عليه” بدلاً من “استسلام غير مشروط” بحسب أولسن.
لكن على الأقلّ، سيمنحها انتصار واشنطن أملاً ليومين إضافيّين.