رئيس المجلس النيابي الأميركي المنتخب حديثاً مايك جونسون (أ ب)

رئيس المجلس النيابي الأميركي المنتخب حديثاً مايك جونسون (أ ب)

انتخب الجمهوريّون الأربعاء رئيساً لمجلس النوّاب، بعد عدد كبير من المحاولات، على جري عادتهم مؤخّراً. إنّه مايك جونسون، نائب عن لويزيانا يبلغ من العمر 51 عاماً، وهو محافظ من الجناح الجمهوريّ المشكّك بنتائج انتخابات 2020.

آنذاك، كتب جونسون على موقع “تويتر” (“إكس” حالياً) رسالة دعم للرئيس السابق دونالد ترامب طالباً منه أن “يبقى قوياً ويواصل القتال”.  إلى جانب 126 نائباً آخر عريضة إلى المحكمة العليا للنظر في “تعسّف” عدد من الولايات باستخدام حقّها في تخفيف القيود الانتخابيّة بسبب “كورونا”. بالتالي، لم تكن مفاجِئة مسارعة ترامب إلى تهنئة جونسون: “أعتقد أنّه سيكون رئيساً مذهلاً لمجلس النوّاب”.

حظي جونسون أيضاً بتهنئة من الرئيس جو بايدن الذي أعرب عن الحاجة إلى “المضيّ قدماً بسرعة” و”العمل بمسؤوليّة”. إذا كان للماضي القريب أن يشكّل أيّ دليل للمستقبل، يمكن القول إنّ احتمالات تحقّق طموحات بايدن ليست هائلة.

جاء انتخاب جونسون بعد نحو ثلاثة أسابيع من الفراغ عقب مساهمة ثمانية نوّاب من الجمهوريّين المتشدّدين في عزل الرئيس السابق للمجلس كيفين مكارثي. أطاح الجناح المتشدّد مكارثي لأنّ الأخير توصّل إلى اتّفاق موقّت مع الديموقراطيّين بشأن الموازنة لتجنّب إغلاق حكوميّ من دون خفض لنسبة الإنفاق. يقول رئيس هذا الجناح مات غايتز إنّه يجب عدم استمرار هذه الاتّفاقات الموقّتة والعودة إلى تشريع سنويّ للإنفاق. مع ذلك، ربّما كانت قدرة مكارثي على التفاهم مع الديموقراطيّين هي ما أغضب غايتز وفريقه. من جهته، يقول مكارثي إنّ السبب شخصيّ إلى حدّ بعيد، وهو تحقيق من لجنة الأخلاق في المجلس في مزاعم بشأن سلوك غير لائق لغايتز.

نجح جونسون في السباق إلى هذا المنصب بعد نيله 220 صوتاً مقابل 209 لمرشّح الديموقراطيّين حكيم جيفريز. وهو رابع جمهوريّ يترشّح إلى رئاسة مجلس النوّاب منذ إطاحة مكارثي، علماً أنّه لم يكن من الأسماء البارزة المتداولة.

عامل الخبرة

قال جونسون بعد انتخابه “إنّنا نريد من حلفائنا حول العالم أن يعلموا أنّ هذه الهيئة من المشرّعين تعود مجدّداً إلى أداء واجباتها”. تقول “رويترز” إنّ جونسون، الرئيس السادس والخمسين للمجلس النيابيّ، هو الشخص الأقلّ خبرة الذي يتولّى هذا المنصب منذ عقود.

انعدام الخبرة قد يؤثّر على حظوظ بقائه في المنصب. فهو يحتاج إلى الإبقاء على تماسك الفصائل المختلفة داخل الحزب الجمهوريّ، “وهو أمر، لغاية اليوم، لم يكن لديه خبرة في القيام به”،  أستاذ العلوم السياسيّة في الجامعة الغربيّة ماثيو ليبو.

موقفه من بعض القضايا الخارجيّة

كان جونسون من أشدّ الداعمين لأوكرانيا بعد الغزو الروسيّ في شباط (فبراير) 2022، حين دعا إلى فرض عقوبات “منهكة” على موسكو. لكنّه انتقل إلى الجناح المشكّك في هذا الدعم.  ضدّ تخصيص أموال إلى أوكرانيا قائلاً إنّ “دافعي الضرائب” الأميركيّين منحوا كييف أكثر من 100 مليار دولار وهم يستحقّون شفافيّة في ما يتعلّق بكيفيّة صرف هذه الأموال. في ما يخصّ دعم إسرائيل، يبدو جونسون مستعجلاً لتقديم الدعم العسكريّ، وهذا ما أعرب عنه مباشرة بعد انتخابه.

كان بايدن قد طالب الكونغرس بتخصيص أكثر من مئة مليار دولار لدعم كييف وتل أبيب، إضافة إلى تايوان، وفرض الأمن على الحدود الجنوبيّة. رفض جمهوريّون ربط المساعدات لإسرائيل بأخرى موجّهة إلى أوكرانيا. كيف سيستجيب مجلس النوّاب لطلب بايدن رهن بالأسابيع المقبلة. من غير المتوقّع أن يعود المشرّعون إلى عملهم التشريعيّ قبل الأوّل من تشرين الثاني (نوفمبر). وطريقة تقسيم المخصّصات الماليّة يمكن أن تثير انقسامات أيضاً بين الجمهوريّين، إذ سيعود القسم الأكبر منها (60 مليار دولار) إلى أوكرانيا و14.3 مليار دولار إلى إسرائيل. لكن للجمهوريّين مشكلات أكثر تعقيداً من قضايا السياسة الخارجيّة.

الأمل قد تبدّد

بعد انتخابه رئيساً للمجلس النيابيّ، ورداً على سؤال بشأن “الدراما” التي أحاطت بالانتخابات، قال السيناتور الجمهوريّ عن ولاية كارولاينا الجنوبيّة والمرشّح إلى رئاسة الجمهوريّة تيم سكوت: “دعونا نصلّي لمجلس النواب. رجاءً أوقفوا إحراج الحزب، باسم يسوع، آمين”. أثارت كلمات سكوت الموجودين في القاعة.

لكنّ الضحك قد لا يدوم طويلاً. الصحف المحسوبة على الليبيراليّين لم تكن مسرورة بانتخاب جونسون. صحيفة “لوس أنجلوس تايمس” كتبت في افتتاحيّتها أنّه إذا كان هناك “من أمل بأنّ الجمهوريّين سيتّجهون نحو التعقّل ويبعدون أنفسهم من أن يكونوا عرضاً جانبياً لترامب فذلك الأمل قد تبدّد”.

حتى الصحف التي تميل إلى اليمين التقليديّ لم تكن مسرورة بما حدث، لكنّ ذلك لم يمنعها من رؤية نافذة صغيرة محتملة لعودة الأمور إلى نصابها.

تطرّقت “” إلى ما سمّته “قضيّة متفائلة” حيث إنّ جونسون، وباعتباره مقرّباً من ترامب، قد يتمتّع بالصدقيّة بين اليمين كي يدفع المجموعة الجمهوريّة المعرقلة إلى القبول بانتصار جزئيّ. لكنّ الصحيفة لا تذهب بعيداً في تفاؤلها. “الحقيقة الصعبة هيّ أنّه… إذا أراد المحرّضون أن ينجح رئيس مجلس النوّاب جونسون، وأن يبقيهم الناخبون في السلطة، فسوف يقضون الأيّام المقبلة في العمل على تمويل الحكومة ويجمعون مكاسب محافظة تدريجيّة. إذا لم يفعلوا ذلك، فهم يستحقّون الخسارة، وعلى الأرجح سيفعلون ذلك”.

هذا ما قد يحصل فعلاً

لن يكون أمام جونسون هامش كبير للتحرّك قبل موعد الإغلاق الحكوميّ المحتمل في 17 تشرين الثاني. أحد المحلّلين من شركة “بتيغ” للخدمات الاستشاريّة الماليّة توقّع حصول هذا الإغلاق، حيث إنّ “الأحداث الأخيرة تعزّز هذا الاعتقاد”. كان لبنك “غولدمان ساكس” أيضاً ترجيح مشابه لإغلاق حكومي قد يمتدّ ما بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع على الأقلّ.

بهذا المعنى، يمكن أن يكون سكوت محقاً في حاجة الجمهوريّين، إن لم يكن الأميركيّون ككلّ، إلى الصلاة. إلّا إذا كان الديموقراطيّون مسرورين بالفوضى الجمهوريّة على أبواب الانتخابات.