الفنان المبدع الأستاذ خليل حم سورك “حرق على الخشب”
حرقٌ على الخشب!!!
لا..لا..إنّه اشتعالُ الإشتعالِ!
بأناملكَ السحرية رحتَ،وبعد أنْ أقنعتَ الخشبَ الحنونَ بأنّكَ تريدُ أنْ تبسطَ احلامكَ على سرير روحه…روح الخشب!
لقد استجابَ الخشبُ ورقَّ ولانَ ،وتركتَ اشتعالكَ وأنتَ تتلمّسُ بحنوٍّصدرَهُ الخفّاق حرصاً منكَ أنْ تجرحَ خدَّهُ العتيقَ العابقَ بالحبِّ والحنانِ …
أنتَ تصرُّأيها الفنانُ المبدعُ أن تُطفئ اشتعالَ جنون روحكَ اللهيبَ بالدمعِ الذي باتَ ليلهُ على السريرِ ذاكَ أيضاً
سريرٌ؟!أم بساطُ ريحٍ؟!..أم سفينةُ أحلامٍ ؟!
إنّهُ كلُّ ذلك…
كانَ اللهُ في عونكَ أيها الفنان..وما هو سرُّاللحظةِ التي جسّدتَ فيهاأحلام العائلةِ الريفيةِ المتعبةِ،والحالمة؟
مؤكدٌ بأنَّ حفيفَ الخشبِ ذاكَ قدْاختلطَ علينا وأنتَ تنحتُ على جدارِ قلبكَ ..
وكيفَ رسمتَ أحلامَهم وتأمّلاتِهم؟…ذاك هو السرُّ..الإبداع!
لابدَّ وأنَّ الزوجَ قدْ أنهى صلاةَ حبِّهِ وتهجّدهِ، وراحَ يعيدُ إحصاءَ غلَّتهِ من حصادِ الأرضِ،وكيفَ سيزيدُ عددَ دجاجاتهِ لتلكَ الديوكِ الراكضةِ في فلاةِ أحلامهِ!
لله..درّك أيهاالفنان المبدع..
إنَّكَ تؤكدُ لنا بأنَّ هذهِ اللوحة ليست خيالاً..لكنَّها مقدمةٌ لخيالِ القصيدةِ الأخرى..!لأنكَ ببساطة كنتَ تأخذُ ذاكَ الحنانَ الفيّاضَ،وتنثرهُ على خشب اللوحة فيتعتَّق حناناَ على حنانٍ،وتذوبُ روحكَ راسمةً أحلامَ القطّة وكأنّها نامت بعد مواءٍ طويلٍ،ولم تكترث حتى للديك!/المنبِّهُ الوحيدُ لهذا الصباحِ الجميلِ/….يا لها منْ إلفةٍ..!!وأيَّة إلفة؟
إنَّهاروحُكَ أيها الفنان ،وهي تأخذُنا في فضاءِ اللوحةِ العجيبِ إلى مداراتٍ بعيدةٍ يفلتُ فيها الخيالُ داشراً كقصصِ الأطفالِ
وهدهداتِ الأمهاتِ..!
لقد تفاهمْتَ معَ خشبكَ اللين الحنون،وتهامسْتَ ليلكَ الطويلَ لتظهرَ لنا نظرةَ الديكِ ذاك..لقد أحسستُ بأنّهُ يريدُ أنْ يبدأَ
صياحَهُ لكنَّهُ كانَ متردٍّداً بذلك خشيةً منهُ أنْ يقفلَ على أحلامِهم الجميلةِ ..فتريّثَ…صباحٌ آخر راحَ يتعالى ضحاهُ من النافذةِ /اللوحة…ولكنَّهُ بزقزقةٍ خفيفةٍ من عصفورين صغيرين كانا يتهامسان أيضاً ومتردِّدان بتعاليَ زقزقاتهما…
فغداً يوم عطلةِ الأولاد…سيرتاحون من مسير خمسة كيلومترات للوصول إلى المدرسة في ذاك العراء البارد/كلَّمَ العصفوران نفسيهما،وقرّرا منحَ الأولادِ وقتاً آخر كي تكملَ أحلامُهم دورتَها الأخيرة/
لقد استطعتَ أنْ تضعنا أيها الفنان المبدع داخلَ الزمنِ الذي تريد وهي مقدرةٌ عالية في الحساسية ..ولا أقصد الضوء ..إنما الحالة المركبة في اللوحة..!
إنّهُ الزمنُ الذي يسبقُ صياحَ الديكِ بلحظاتٍ..
الإستيقاظُ ،والدهشةُ،ومساحةُ الحلمِ المتروكةِ للخيالِ الداشرِ..!
وما عصافيركَ على اللوحةِ/النافذة…إلاّإصراركَ على الأملِ والحلمِ والصباحاتِ الجميلةِ الحالمة….
إنّكَ لاتحرق على الخشبَ أيها الفنان ..إنكَ تحرقُ بروحكَ الشفّافةِ ،لتفتحَ الصباحَ بحنانِ ذاك الخشب،وتعلنُ جهجهةَ ضوءكَ في خفوتِ الظلالِ الحالمةِ بصمتِ الحيطانِ…..
خشبٌ على خشبٍ…وحنانٌ على حنانٍ…وأصابعٌ تُطفئ أحتراقها بالدمع!!
ياااااه….أية لوحةٍ..؟وأي سحر بيان؟
لقدْ كنتَ توحي لنابأن نقرأ تعويذاتهم على الجدار..ولكننا فوجئنا بروزنامة أوراقٍ كثيرة..فيها مواعيد الحراثة والبذاروالحصاد..وموعد ولادة النعجة..وفيها شهادة تقدير مدرسيّة لتفوّق أحد الأولاد في مادة الرسم لأنه رسم قمراً اخضراًيبتسم.!وفيها ثناء آخر للطفلة في مادة الموسيقا لأنها عزفت على الناي ببحة أبكت المعلم الوحيد في المدرسة
..لقد سمعت مادندنتْ به الطفلةُ الأخرى وهي تحلمُ وأنا أستنطقُ اللوحة..ويبدو أنها كانتْ في نهاية حلمها:/عم يلعبو
الولاد …عم يلعبو…تحت السما الزرقا../
الله…الله..كيف استطاعت روحُكَ أنْ تحتملَ مااحتمله ذاك السرير الخشبي..لقد انحنى حبَّاً لا ثقلاً كما أردت أنْ تبوحَ لنا ..
بوحٌ على الخشبِ …قصيدةٌ إلى اللهِ..ودعاءٌ في الحبِ والمصيرِ..!
ياله من غطاءِ أحلام جميل أيها الفنان!
الأمُ الحالمة وهي تبتسم كأنّها تطرّز ألوان الله على فساتين أولادها..وقد أنهت /العجنة/الأخيرة منتظرةً اشتعال تنورها بذاك الصحو الأخّاذ…رواية أخرى زقزقتها عصافير الدار..! يالها من أرغفة!!/سمعتها تهمس في حلمها !!/
أطفال حالمون..كأنهم يركضون إلى مستقبل أخضر…!لا بل يتقاذفون الكرة/الطابة/ في براري الروح وهي تفتح لهم صدرها المدى!
رغم المعاناة..وتلمع في ذاكرتي ما قاله الأديب المسرحي الراحل سعد الله ونّوس/نحن محكومون بالأمل/
..بربك أيها الفنان قلْ لي كيف راحت أصابعك ترسم تلك المظلّة ..مظلّة الأحلام فوق رؤوسهم..؟
نعم أردت أن تقول لنا تعالوا لأريكم مخزن أسرار العائلة الفقيرة هذه..وهي تغادر كلّ صباح بعد ان تمتلئ بالأحلام لتصعد سمائها العاشرة..آخذة معها رذاذ المطر وما لوّحت به اشجار السرو وما نفخ به تنور البيت من اشتعال..!ولكنها في الوقت ذاته تنثر ما تبقّى من ظلال ابتساماتهم على قبة السماء ظلّاً آخر للحياة والحب..وفصلاً جديداً في الأمل..!
إنك تصرُّ أيها المبدع بأن تتدلى ساقي الطفل وأبيه…إشارة منك بكشف الحقيقة المرّة../الجلد مرآة الأحاسيس..!فكيف بقدمين حافيتين طيلة النهار….إنهما يحملان المعاناة بما تشقّق منهما وجعاً…وبآن واحد يحملن همس الحقل وماباحت به الفراشات من ذاك الركض الطويل/….
وشككت للوهلة الأولى بأنّ الديك لن يصيحَ…وسوف يتهادى بمشيته حتى يصل تلك القدمين المتدلّيتين،ثم مايلبث أن يدغدغهما بحنان..فتبدأ الدهشة ….أيّ منبّه هذا؟؟!!
لا..لا..لقد ملت إلى شكّي الأخر..
الغطاء الجميل المليء بالدفء والأحلام غير كافٍ لتغطية اجسادهم…بل لا يمكن أن يغطي أحلامهم أيضاً ..
كيفَ لا…وهو الذي سيسافرُ مع السريرِ/بساط الريح إلى مداراتِ اللهِ البعيدةِ حينَ تتمايلُ السرواتُ من النافذةِ/اللوحة
ببدءِ صياح الديك!
يا لها من دهشةٍ..!حينَ يقودُكَ الحلمُ إلى الروعةِ والحساسيةِ والشفافيةِ باصرارِ الفنان المبدع وهو يضعُ قطعتي الفخارِ كقاعدةٍ للسريرِ وعليهما سرّ الكتابةِ الأولى!..لقد قرأْتُ منها:
//أحبّك يابلادي..
أحبٌّ مدرستي وكتبي ودفاتري ومارسمتُه على دفترِ الرسمِ
أحبُّ خبزَ تنورِها
أحبُّ ما اشتعلَ بموقدِ البيتِ من همسٍ وماترمّدَ من حكايا!
أحبُّ اللهَ وعينيها الواسعتين!//
وكتابةٌ أخرى بخطٍ ناعمٍ صغيرٍ بدَتْ لي لطفلٍ في الصفِ الخامسِ الإبتدائي
//لنْ تستطيعوا قراءةَ أحلامي..ولنْ تلملموا ماتبقّى منها في ضوءِ النهارِ..!
أريد أقلامي الملوّنة..سأعيد رسم صورتها..
نحن نحيا..وصياح الديك فاتحة للنهار…وحبل الغسيل دفتر احلامنا الملوّنة!
أحبّ بلادي…وسأظلُّ أحلمُ وأرسمُ…!!!//
سالتْ دمعتي ،وهي تحفرُ خدّي كذاكَ الحفر على الخشبِ الحنونِ قصيدةَ بوح غابتْ حروفُها في لهاثِ صدري …
أبتعدُ عن اللوحةِ ..أقتربُ منها..أقفُ يمينها ويسارها ..أنظرُ لها من الأعلى..وأميلُ برأسي..
بهاءٌ ذبّاحٌ في شفافيته وما أرادَ أن يقولَ…!!
وسادةً ينامُ عليها الأبُ ،وتلكَ القطّةُ التي شاركتْهُ أحلامَهُ..وسادة مليئة بالقشَ الذي حصدَهُ بيديهِ المنفطرتين ..وسادة الرؤى
والهموم وما حكى الدمعُ بسيلانهِ وهو يُبِّللُ خدَّها القشِ!
مرةً أخرى…لله..درّك أيها الفنان ..تأخذُ بأيدينا إلى صندوقكَ العجيب السحري/اللوحة وتفرشُ لنا أحلامَهمْ/أحلامكَ
لنركضَ ونضيع في حرارةِ وحنانِ خشبها..سِفْراً آخرَ في قراءةِ الذاتِ ..بلْ قراءة البوحِ الآخرِ لتلكَ القصيدةِ ونحن
نتلمّسُ بحنوٍّ دفءَ خشبكَ والذي باتَ يصرخُ في مخيّلتنا أنْ استعجلوا..استعجلوا..سيطيرُ بساطُ الريحِ ..ولنْ تسمعوا الهمسَ..استعجلوا..استعجلوا..وخذوا من الحبِّ ماشئتم ..واتركوا قلبي هنا..أنا الفنانُ المُعَذَّبْ!!!
ولكن رنينَ الدن/الموقد في لوحتك السحر راح يُطفئ حرارة عطشنا في صيف الهجيرة..ويُدفِّئ أجسادهم النحيلة المتعبة وأرواحهم الجميلة!ويرسل ساق الشجرة لتتعالى مخترقةً سماء وسقف الغرفة إلى سموات بعيدة فاتحةً أبواب الله بأغصانها الخضراء المليئة عذوبةً..ناثرةً ماء الدنِّ صرحاً آخر لجدائلها!…لقد أخفى الفنان تلك الأغصان لحيائها وهي تغني صعودها السماء…!
دنّ/موقد..إنّه التضادُ العجيبُ في الحبِ!،ولكنَّهُ في الوقتِ نفسه يلملمُ ما تبقّى وتناثرَ منْ همسِ ليلة البارحةِ ويعيدُ دورانَهُ في الماءِ والفخّارِ..!
أيها الفنانُ المبدع ..أيها الحالمُ مع صمتِ خشبكَ..لقد تركتَ لنا المدى مفتوحاً كعينيها،وكأنّكَ تتركُ للناظرِ كلَّ الحرية غرفة..نافذة/لوحة ..سرير/بساط ريح،وبساط أحلام..روزنامة…ديك،وقطّة..عصافير وسرو ..دن/موقد،ومظلّة..
وأحلامٌ داشراتٌ في ذاكَ الفضاءِ الخشبي الحنونِ ..سريرُ أحلام سافرَ كطائرةِ الورقِ التي فلتَتْ من يدِ الطفلِ حين نادته أمّه:تعالْ وخذْ رغيفكَ الحارَ من التنّورِ.
الفنانُ المبدعُ الأستاذ خليل حم سورك:
لقد قلتَ لنا في لوحتكَ:
///اقرأوا ماشئتمْ…
قلبي تركتُهُ هناكَ على السريرِ..
وظلُّ أصابعي لمّا يزلْ يحاكي ،ويهامسُ خشبَ اللوحةِ..
خذوا كلَّ شيءٍّ …وانثروا احلامكم أيضاً واتركوا قلبي وحيداً..!
لا ستائرَ للغرفةِ إلاّ الظلالَ …خذوا خيالاتِكم معكم واتركوا تلكَ النافذة مفتوحةً إلى اللهِ وروحي..!
اختبأ البوحُ خجلاً من مواءِ القطةِ وصياح الديك ..وتلكَ الإلفةُ القاتلة!///
اقتربتُ من اللوحةِ وأنا أودّعها ،وسمعتُ خفقانَ قلبكَ أيها المبدعُ وباغتني صياح الديكِ..كأنّهُ يريدُ انْ يكلّمَني أيضاً..
///..تعالَ أيها الكاتب..تعالَ واسمعْ صياحي وبوحي…منْ يفضح الصباحَ غيري؟
تعالَ أيّها الكاتب..واسمعْ زقزقاتِ العصافيرَ وهي تنشدُ نشيدَها الأولَ ،وشاهدْ كيف يختلطُ الضوءُمع الهمسِ الشفيفِ،ويخفتُ حين وبكلّ هدوءٍ تنسلُّ أحلامهم من شروخِ ذاك الخشبِ الحنونِ///
أبدعتَ أيها الفنانُ،وأجدتَ،وحلّقتَ كعادتكَ،وفتحتَ لنا بأصابعكَ النحيلة والجميلة تلك الغرفة/اللوحة بمفتاحٍ خشبيٍّ حنونٍ أيضاً…لا…لا…لا..بل فتحتَها بروحكَ الشفافةِ!.
ن