يشغلني موضوع الاغتيال شخصيا، لأسباب مركبة: مبدأية يجب التصريح بها، متعلقة بالحق في التفكير. وأخرى شخصية موكلة إلى المؤسسات المختصة. بما فيه الاغتيال المعنوي الذي تخلف عنه للأسف علم الإجرام حتى سنة 2011. و يجب على القوانين أن تستدركه وتعدل مفهوم الإفتراء إلى عملية اغتيال. عموما هنا مقطع من فقرة ” شجرة عائلة القتلة” من الدراسة والباقي في الرابط أدناه:
ارتبط مفهوم الاغتيال تنظيميًّا بجماعة الدعوة الجديدة الإسماعيليّة المعروفة باسم «الحشّاشين» في القرن الـحادي عشر، والتي تحصّنت في قلعة آلموت (عشّ النسر) في إيران. تحوَّلت هذه الجماعة إلى تعبير قاموسيٍّ مرادف لكلمة القاتل في عدّة لغاتٍ أوربيّة، وظهر اسمُها في النشيد الرابع عشر من الجحيم لدانتي (la perfido assassinto أي الحشّاش الخائن)، ونقلتها مصادر مختلفة قبل الرحالة ماركو بولو الذي زار قلعة آلموت وسرد عنها ما فهمه عنها عبر الترجمات.[i] فتعمّمت وترسّخت أسطورة القتَلة الفدائيّين في المخيلة الأوروبية، وترادف القتل في عبارة الاغتيال (assassinate) المستمَدّة من التسمية العربيّة لنبتة الحشيش (hashashin). أو ربّما من الفهم الخاطئ لدى بعض المترجمين حينذاك لكلمة assassin على أنها تشير إلى أتباع الحسن، أي السيّد حسن بن الصباح (١١٢٤-١٠٣٤)، مؤسّس حركة الحشاشين الإسماعيلية النزارية، والذي تأتي الإشارة إليه كتفسير لعمق انثروبولوجيّ يُضفي بصمته الثقيلة على واقع الإجرام اليوم.
لُقِّبَ حسن بن الصباح بـ«شيخ الجبل» وبـ «السيد حسن». كان على إلمام بفلسفة فيثاغورس وبالعلوم الشرعية، وخطيبًا ماكرًا ينوّم مريديه بالعهود والاحتيال على الانفعالات، محوّلاً معمار القلعة إلى تدرّجٍ في المكانة وفقًا للولاء الأعمى. وتوارى في خلوَته التي استمرّت مدة ٣٥ سنة حتى وافته المنية داخل القلعة، وبات حضوره ما فوق الحسي[ii] أساسًا لتعويم حضورِه الرمزيّ بالفتك. وكانت صفوَة مريديه نخبة القتلةَ، صدّقوا ما وعدهم «شيخ الجبل» به من ملذّات تُشترى بالولاء المطلق. فتمكّن من تفريغ ذات المريد المهيّأ لتلقّي إيعازات التنظيم وكأنّها تأتيه من داخله، فيُطيع دون أن يفكِّر. وبما أنَّ التنظيم والسيّد كانا واحدًا وبما أن هذا الأخير كان وسيطهم بين الدنيا والآخرة، لم يكن هؤلاء القتلة يأبهون بالعلاقات الإنسانية. فكان نظام الملك -وزير لدى السلاجقة -، وهو صديق السيِّد، من أوّل ضحايا: إذ تعاهد «شيخ الجبل» وصديقاه الشاعر عمر الخيام ونظام الملك على المساندة بمجرَّد أن يتسنّم أحدُهم منصبًا ما، غير أنَّ الوزير خاف من طموح صديقه فجرّده ممّا منحه إيّاه، ليهرب «شيخ الجبل» إلى القاهرة ويعودَ لاحقًا بالرعب المنظّم لحركة الحشاشين.
سنة ١١٦٤، تسلَّم قائد آخر قيادة الجماعة، وكان اسمه أيضًا حسن.[iii] انتشرت الحركة في بلاد الشام وانتهت كتنظيم على يد المغول، لتتغلغل كركن من أركان السلطة في المنطقة. وأُدمِج القتلُ في استراتيجيّات السلطة في عهد السلاطين العثمانيين الذي ابتكروا قانون «قتل الأخوة» حرصًا على العرش.[iv] ثم صدر قانون «القتل سياسة» الذي كانت أولى تطبيقاته قيام السلطان يلدرم بايزيد بقتل شقيقه، ومن ثمَّ قيام السلطان سليمان القانوني بقتل ولديه،[v] استطرادًا للممارسة المنحدرة من «شيخ الجبل» الذي لم يَتوانَ عن قتل أولاده طلبًا للطاعة المطلقة.[vi]