لا حدود لانحياز الغرب إلى اسرايل بعد “طوفان الأقصى” وحرب غزة وقبلهما، فهو لا يرى في موقفه انحيازاً لأنه يعتبر إسرائيل جزءاً منه كما تعتبر هي نفسها في الغرب، وإن صارت دولة شرقية أصولية
وهي ليست في حاجة إلى “رخصة للقتل” من الغرب لأنها تأسست بالقتل والتهجير وعاشت على القتل والتهجير وتوسيع الاحتلال، فلا التوحش في قصف المدنيين في غزة ممارسة جديدة عليها، ولا مشروع “الترانسفير” من غزة سوى حلقة في مسلسل بدأ في حرب 1948، وأريد له أن يشمل الفلسطينيين الذين ظلوا في أرضهم داخل الخط الأخضر، ثم أهل الضفة الغربية لتصبح كلها مستوطنات في مستوطنة كبيرة اسمها إسرائيل “دولة الشعب اليهودي فقط”.
وليس أمراً عادياً أن تبدو حرب غزة بعد “طوفان الأقصى” نقيض نظرية كلاوزفيتر، فالاستراتيجي البروسي قال إن “الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى”، وهي حرب بلا سياسة، حرب إنهاء السياسة.
حكومة بنيامين نتنياهو الأكثر تطرفاً وحكوماته التي سبقتها على مدى أعوام خاضت حروباً وانتخابات ضد التسوية و”حل الدولتين”. “حماس” ضد التسوية لأن برنامجها هو التحرير من البحر إلى النهر لاستعادة الحق التاريخي للشعب الفلسطيني. وحتى من يتحدث من الطرفين عن تسوية فإنه يصر على الذهاب إلى التفاوض على التسوية بذهنية المنتصر الذي يريد الحصول على كل شيء أو أقله كل ما يريد. وهذه ليست سياسة ولا تسوية ولا مفاوضات لا بد منها بعد أي حرب.
حتى الإصرار، عن حق، بواجب التحرير فإن على قواه أن تطرح على النفس مجموعة أسئلة، وتجد لها أجوبة وتعمل لكي تكون الأجوبة عملية وممكنة. ما هي خطة التحرير؟ أين عناصر القدرة على تحرير الأرض، ولو في جيل كامل، بعدما قدمت أجيال من الفلسطينيين التضحيات من أجل ذلك وبقي التحرير بعيداً؟ ما هي حسابات المواجهة مع داعمي إسرائيل الكبار، وقد اصطدم العرب بهم في الحروب والتسويات منذ البداية؟ أما الكلام في طهران عن القدرة على “محو إسرائيل من الوجود خلال سبع دقائق ونصف”، فإنه كلام في العالم الافتراضي.
لكن من المستحيل منع مجريات الحرب من أن تقود إلى السياسة. وما فعلته حرب غزة حتى الآن ليس مجرد تعاظم موجات التضامن مع الشعب الفلسطيني بل أيضاً وفوق ذلك، ارتفاع الأصوات الرسمية في روسيا والصين والدول العربية، وحتى في أميركا وأوروبا الداعمتين لإسرائيل، داعية إلى “أفق سياسي” مفتوح وتفاوض على حل الدولتين.
والكل يسأل عن سيناريو ما بعد نهاية الحرب وسط الأخذ والرد حول سيناريوهات الحرب، وما أكثر الذين استغربوا اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارة لإسرائيل بدا فيها على يمين الرئيس الأميركي جو بايدن “توسيع نطاق التحالف الدولي الذي يحارب داعش في العراق وسوريا ليشمل حماس في غزة”.
ومقابل الذين يطالبون بوقف النار فوراً ويرون مثل الأردن أنه “لا معنى لفعل أي شيء قبل وقف الحرب”، تصر أميركا على ربط كل شيء بنهاية الحرب البرية، فبايدن يقول “لا عودة للوضع الذي كان قائماً في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) بين إسرائيل والفلسطينيين”.
وزير الخارجية الإيراني حسين أمين عبداللهيان يرى أن “المعادلة ستكون بيد المقاومة في هذه الحرب”، ولا ترجمة عملية لكلام بايدن إلا أن تضغط أميركا جدياً للتفاوض بعد الحرب على حل الدولتين. أما إسرائيل، فإنها حائرة في جدل حول الحرب البرية ثم حول ما بعدها وما هو الحل العملي إذا احتلت غزة.
“ذا إيكونوميست”، “تتصور أن أميركا وحدها تستطيع إعادة الشرق الأوسط من الحافة”، وهي تشدد على ما يجب أن يقوم به بايدن، لكنها تحذر من أن فشله إذا حدث هو “ربح لإيران وروسيا والصين وكارثة لأميركا”.