تناول مقال الأسبوع الماضي (25/10/2023) موقف إيران من عملية طوفان الأقصى التي نفّذتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يوم 7 الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول). وأشار إلى أن أغلب التقديرات تذهب إلى أن إيران لم يكن لها دور في العملية، وأنها، شأن الجميع، فوجئت بها، لا بل حاولت أن تنأى بنفسها عنها خوفًا من تحميلها مسؤوليتها، رغم أنها أثنت عليها. نضيف هنا أن “طوفان الأقصى” مثلت بالنسبة لإيران فرصة حاولت استثمارها، من جهة، لتأكيد نفوذها في المنطقة. وسعت، من جهة ثانية، لتقديم نفسها جزءا من الحلّ عبر عرض وساطتها لحل قضية الأجانب المحتجزين لدى “حماس”. لكن عملية 7 أكتوبر مثلت أيضا اختبارا جدّيا لموثوقية إيران حليفا، ذلك أنه كان يتوقع منها أن تفعل شيئًا أبعد من مجرّد إلقاء الخطب الرنانة أو إصدار التهديدات الكلامية تنفيذا لاستراتيجية “وحدة الساحات” المتفق عليها بين أعضاء “محور المقاومة”.
بالمثل، جاءت عملية طوفان الأقصى بنتائج متفاوتة بالنسبة لإيران، فهي من جهة أوقفت، أو جمّدت على الأقل، مسار مداولات التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وكان هذا هدفا رئيسًا لإيران في المرحلة الماضية، وهو الذي دفعها أخيرا، على الأرجح، إلى التقارب مع السعودية، برعاية صينية، على أمل قطع الطريق على اتفاق سعودي- أميركي- إسرائيلي. لكن العملية العسكرية لحماس أوقفت، من جهة ثانية، مسار التقارب الإيراني – الأميركي، أو جمّدته، فيما كان يمكن المضي به بعد صفقة تبادل السجناء والإفراج عن ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمّدة في كوريا الجنوبية. وكانت تقارير تحدّثت عن اجتماع مرتقب بين كبير المفاوضين في ملفّ إيران النووي، محمد باقري كني، ومسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، بريت ماغورك، في سلطنة عُمان لمتابعة المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي.
أجهضت عملية 7 اكتوبر هذا المسار، ورفعت مستوى التوتّر في العلاقة مع الولايات المتحدة بعد سلسلة من الهجمات (23 هجوم بين 17 – 30 أكتوبر/ تشرين الأول) شنّتها جماعات محسوبة على إيران على مواقع أميركية في سورية والعراق، ردّت عليها واشنطن برسالةٍ بعث بها الرئيس بايدن إلى المرشد الإيراني، يحذّره فيها من استمرار تلك الهجمات، وبأن واشنطن سوف تردّ بقوة أكبر على أي استهداف لقواتها في المنطقة. دفعت العملية أيضا إدارة بايدن، الواقعة تحت ضغوط داخلية شديدة، واتهامات بأن مقاربتها للعلاقة مع إيران شجعت الأخيرة على تحدّي المصالح الأميركية في المنطقة، إلى تعزيز نظام العقوبات على طهران. ويناقش مجلس النواب الأميركي حاليا مشروع قانون يهدف إلى التضييق على صادرات النفط الإيرانية إلى الصين، والتي كانت تتغاضى عنها واشنطن لأسباب عديدة، منها تحقيق الاستقرار في أسواق النفط في ظل تشدّد السياسة النفطية للسعودية واستمرار التزامها باتفاق “أوبك بلس” مع روسيا، والقاضي بتخفيض الإنتاج لرفع الأسعار. وكانت صادرات إيران من النفط إلى الصين ارتفعت من 340 ألف برميل عام 2020 إلى مليون ونصف برميل عام 2023. وسوف يتغيّر هذا الوضع. وهناك أخبار عن مصادرة البحرية الأميركية ناقلة نفط إيرانية تحمل 800 ألف برميل، تصل قيمتها إلى 60 مليون دولار. ويخطّط النواب الجمهوريون لتشريع قانون يسمح باستخدام أموال إيران المجمّدة لتمويل صندوق تعويضات لضحايا هجمات إيرانية من الأميركيين.
فوق ذلك، وضعت الحرب الإسرائيلية على غزّة إيران أمام خياراتٍ صعبة، فإن هي أشاحت بنظرها عنها، فهذا يعني ترك “حماس” تواجه مصيرها وحدها في مواجهة آلة عسكرية إسرائيلية غاشمة، ما يعني أن إيران تخاطر بخسارة حليفٍ مهم من جهة، وقد يشجّع ذلك إسرائيل على الاستفراد بحزب الله لاحقا، كما استفردت بحركة حماس، من جهة ثانية. أما إذا دفعت إيران حزب الله إلى التدخل لمساعدة “حماس”، فهذا يعني أنها تخاطر بتوجيه ضربة له، في ظل دعم أميركي كامل لإسرائيل، من دون أن يكون لديها القدرة على فعل الكثير لمساعدته. وهذا يعني عمليا أن إيران تصبح مكشوفة، في نهاية المطاف، بعد ضرب حلفائها، فضلا عن فقدان مصداقيتها كحليف، بعد أن خذلت حلفاءها، وحاولت أن تنجو بنفسها… كيف تخرُج إيران من هذه الورطة من دون خسائر كبيرة؟ سؤال تصعب الإجابة عنه.