حمل وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه الذي زار لبنان يوم أمس خريطة الى لبنان تبرز فيها نقاط الاستهداف الإسرائيلية في اطار حرب “المشاغلة” التي يخوضها “حزب الله” منذ يوم الثامن من تشرين الاول (أكتوبر) الماضي. ومع ان المواجهة بدت خلال أكثر من سبعة أشهر محدودة في العنف والعمق، فقد لاحظ المراقبون انها بدأت في الأيام القليلة الأخيرة تتصاعد في حدتها وكثافتها، لاسيما من جانب “حزب الله” الذي رفع من وتيرة الضربات الصاروخية التي وجهها صوب مواقع عسكرية إسرائيلية، فضلاً عن بعض البلدات والمستعمرات الإسرائيلية الصغيرة الحجم المحاذية للحدود التي كانت أخليت قبل أشهر من سكانها. وقد بدا أخيراً ان حجم الدمار فيها كبير جداً ويوازي في مكان حجم الدمار في القرى والبلدات اللبنانية الحدودية التي يقصفها الجيش الاسرائيلي بشكل منهجي منذ اكثر من 200 يوم.

وعلى الرغم من ارتفاع منسوب التفاؤل بقرب الوصول الى صفقة في غزة بين إسرائيل وحركة “حماس” تؤدي الى هدنة طويلة نسبيا، فقد زادت المخاوف الدولية من ان ينتقل الثقل العسكري الكبير من غزة الى لبنان، مع إصرار “حزب الله” على ربط لبنان بغزة، في اطار “وحدة الساحات”، في مقابل إصرار إسرائيل على تنفيذ القرار 1701 بدءاً من البند الذي ينص على اخلاء منطقة عمليات القوات الدولية “اليونيفيل” في الجنوب من أي وجود عسكري ومسلح ما خلا الجيش اللبناني و”اليونيفيل”. بما يعنيه ذلك من خروج “حزب الله” من الجنوب كليا، على ان يسبق ذلك وقف كل العمليات العسكرية من الجانبين. والحال ان وزير الخارجية الفرنسي حمل معه حزمة من المقترحات تتضمن في ما تتضمن حوافز مادية للجيش اللبناني الذي يحتاج الى دعم على الصعد كافة بصفته سيكون مدعوا الى توسيع نطاق مسؤولياته الأمنية في منطقة الجنوب اللبناني الحساسة.

طبعا “حزب الله” غير مستعجل على صفقة تنهي حرب “المشاغلة” قبل انتهاء حرب غزة نهائياً. كما انه يتمسك حتى الآن بموقف متشدد من مسألة خروجه من الجنوب اللبناني بذريعة أن مقاتليه هم أبناء المنطقة. مع ان المطروح ليس اخراج المقاتلين من أبناء المنطقة انما سحب السلاح وتسليم البنى التحتية العسكرية للحزب المذكور في المنطقة المعنية الى الجيش اللبناني، ومنع دخول أي سلاح او مسلح بعد الاتفاق.

ويقول الفرنسيون ان خطر نشوب حرب واسعة حقيقي للغاية، خصوصاً بعد عملية “طوفان الأقصى” التي يعتبر الإسرائيليون ان “حزب الله” مؤهل عسكرياً كي ينفذ هجوماً مماثلا لها على الشمال الإسرائيلي ان لم يكن اكثر خطورة بأشواط. هذه هي المعضلة الأمنية الكبيرة التي يواجهها لبنان العالق بين استراتيجية “وحدة الساحات” التي يمثلها سلوك “حزب الله” في لبنان، والقراءة الأمنية الإسرائيلية التي لن تبقى حكرا على الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية، بل ان أي حكومة إسرائيلية مقبلة، ستكون مدعوة الى وضع مسألة التهديد القادم من لبنان في صلب أهدافها الاستراتيجية على المدى الطويل الى ان ينتهي الخطر الذي يمثله وجود فصيل إيراني يتمتع بقوة عسكرية وازنة على حدودها الشمالية.

ان زيارة وزير الخارجية الفرنسي لبيروت وتل أبيب تهدف الى نزع فتيل حرب تبدو على المدى القريب والمتوسط محتومة، إلا اذا حصل تحول دبلوماسي كبير على جبهة المفاوضات في غزة، او على صعيد القرار الإيراني الاستراتيجي في المنطقة. لكن لبنان سيبقى أسير “وحدة الساحات” و السلاح من خارج الشرعية الذي يواصل قضم منطق الدولة وفكرتها، وفي طريقه يكمل أكثر من أي وقت مضى تدمير العيش المشترك بين البيئات اللبنانية وتالياً تدمير ما تبقى من وحدة لبنان.