صفقة الأجانب مقابل جرحى ومساعدات، يجري تنفيذها، هي الأولى منذ حرب غزة. خروج الأجانب وجرحى فلسطينيين عبر معبر رفح، مقابل دخول مساعدات، بالتزامن مع جهود لترتيب صفقة أخرى، تخص الأسرى من الأطفال والنساء.
وعلى وقع الحرب والنار، هناك ستة تطورات تجب متابعة تفاصيلها وتداعياتها في غزة واسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط:
أولاً، الصفقة: تتضمن “صفقة الأجانب” إطلاق 500 شخص يومياً يحملون جنسية أجنبية او مزدوجي الجنسية، من قطاع غزة (يبلغ عددهم الإجمالي 6-7 آلاف شخص)، مقابل إخراج 80 جريحا إلى المستشفى الميداني المصري قرب معبر رفح، ودخول حوالي مئة شاحنة مساعدات لمدة 12-15 يوماً، حسب الظروف الميدانية.
وتتضمن هذه الصفقة، هدناً أنسانية – مؤقتة، في جنوب غزة، مع استمرار الحرب والتوغلات والغارات في شمالها. ولم تتضمن حلا جديا لموضوع ادخال مشتقات النفط عبر معبر رفح إلى الآن.
تجري جهود لحل “عقدة المشتقات” بالتزامن مع اتصالات سرية لعقد صفقة تبادل أسرى أخرى. وهناك مقترحان: حل كامل، يتضمن إطلاق “حماس” لجميع الأسرى لديها ولدى باقي الفصائل، وعددهم حوالي 250 شخصا، مقابل إطلاق ستة آلاف أسير فلسطيني في سجون إسرائيل. تبادل جزئي، يتضمن إخراج “حماس” الأطفال والنساء، وهم حوالي نصف العدد الإجمالي، مقابل إطلاق نساء وأطفال من سجون إسرائيل.
يقوم الوسطاء والمعنيون، حاليا بإعداد المعايير والقوائم والتسلسل لعقد صفقة بين “حماس” وإسرائيل. الاعتقاد او الضغط الخارجي، يفيد أن صفقة أخرى ستحصل وسط لهيب النار.
ثانياً، الحرب والتهجير: دخل الجيش الإسرائيلي في المرحلة الثانية من الحرب في غزة عبر توغلات برية وقصف شديد أوقع الكثير من الضحايا المدنيين، يرمي إلى “تقطيع أوصال” قطاع غزة بين شمال وادي غزة وجنوبه، وتدمير البنية التحتية والطبية، واضطرار حوالي 1.4 مليون إلى النزوح.
سيزيد هذا عدد الضحايا الفلسطينيين، حيث اقترب من عشرة آلاف بينهم عدد كبير من الأطفال. كما سيزيد عدد قتلى الجيش الإسرائيلي وارتدادات ذلك في تل أبيب. قتل 16 عسكريا ليل الثلاثاء/ الأربعاء.
لكن تصعيد الحرب والقصف والدمار، يترك خيار تهجير فلسطينيين إلى سيناء مطروحاً. صحيح أن مصر ترفض بوضوح هذا السيناريو، وأن رفض التهجير سيكون بندا أساسيا على جدول القمة العربية الاستثنائية يوم 11 من الشهر الجاري، كما كان الحال مع قمة القاهرة قبل أسبوعين. لكن إسرائيل تدفع بقوة ميدانيا وتشكل تحالفات مع دول غربية لدعم سيناريو التهجير… ولو موقتاً
وقال مسؤول غربي كبير: “في حرب 2008- 2009، أدى تفجير الجدار مع سيناء إلى خروج حوالي 300 ألف فلسطيني لعدة أيام قبل عودتهم. وقد تحصل انفجارات أخرى لدفع الناس إلى الخروج من غزة نحو مصر”.
“في حال انفجرت الأوضاع، فإن المرحلة الأولى ستقابل بالتعاضد بين الفلسطينيين ومسؤولي السلطة و”فتح”، لكن المرحلة الثانية ستتضمن ظهور الخلافات، خصوصا مع تنامي سؤال خلافة رئيس السلطة محمود عباس”
مسؤول غربي
ثالثاً، الضفة الغربية: السؤال، بالنسبة إلى مسؤولين غربيين، ليس: هل ستنفجر أوضاع الضفة الغربية؟ بل متى سيحصل الانفجار؟. وحسب التقدير، أمام تدفق مشاهد القتل في غزة وضيق الأوضاع الاقتصادية بسبب الحصار الإسرائيلي وخنق مؤسسات السلطة، وتهديدات المستوطنين “المسلحين”، حيث وزع بعضهم منشورات تفيد أن “نكبة ثانية قادمة”، فإن الأوضاع تقترب من الانفجار في الضفة. قتل إلى الآن 130 واعتقل 2000 شخص وجرح مثلهم.
في حال انفجرت الأوضاع مع تراكم النيران، فإن المرحلة الأولى ستقابل بالتعاضد والوحدة بين الفلسطينيين ومسؤولي السلطة و”فتح”، لكن المرحلة الثانية ستتضمن ظهور الخلافات في السلطة وأجهزة الأمن و”فتح”، خصوصا مع تنامي سؤال خلافة رئيس السلطة محمود عباس، حسب تقدير مسؤول غربي.
كل هذا سيشكل تهديدا إضافيا على الأردن، خصوصا مع وجود برنامج واضح لدى أعضاء في الحكومة الإسرائيلية الحالية القائمة على التهجير وقتل أسس أي هيكل فلسطيني، او حل الدولتين والتسوية، حيث يجد بعض أعضائها “فرصة تاريخية” في تحقيق برنامجه اليميني الاقصائي.
رابعاً، الوضع الإسرائيلي الداخلي: هناك الكثير من الانقسامات الاسرائيلية، تفاقمت بعض الاصلاحات القضائية. بعد 7 أكتوبر، ظهرت بعض الأصوات والانتقادات، لكن الوحدة لا تزال قائمة أمام “الخطر الوجودي”. غير أن انفجار أوضاع الضفة واستمرار حرب غزة والتشدد اليميني، ستدفع إلى وضع جديد لفلسطينيي إسرائيل الذين يشكلون 20 في المئة.
وهناك تذكير بما حصل في مايو/أيار 2021 عندما تحرك كثيرون بالتزامن مع الحرب في غزة، مع توقع باتساع التحرك والاشتباكات الميدانية الدامية. هناك عنصر مهم يتعلق ببنامين نتنياهو، الذي علق مصيره على “اختراق 7 اكتوبر” والمحاكمات. وقال مسؤول غربي: “ألتقيت نتنياهو مرات عديدة وطويلة. انه شخص مستعد للقيام بأي شيء للبقاء”.
هناك توقعات بأن يتبنى “حزب الله” خطاب “انتصار” وخطوات عملية حذرة: توسيع دائرة الاشتباكات في جنوب لبنان والقول بأن هجوم 7 أكتوبر تحوّل تاريخي، من دون الوصول إلى حرب شاملة
خامساً، البعد الإقليمي: رغم الهجمات التي شنتها تنظيمات تابعة لإيران، في/من سوريا والعراق واليمن ولبنان، على مصالح أميركية أو إسرائيلية، فإن التقييم القياسي، أنه قرار طهران باظهار الأوراق على الطاولة مع أميركا وبعض الخطوات لحفظ ماء الوجه والرغبة بعدم خسارة المضلع السني – “حماس” في “محور الممانعة” بقيادة ايران.
حاملة الطائرات الأميركية “يو اس اس جيرالد آر فورد” التي وصلت الى البحر المتوسط قبالة شواطيء لبنان واسرائيل وسوريا
لكن لاقرار جدياً بفتح “حرب شاملة” من جنوب لبنان. الأسباب هي، تدخل وسطاء كثر بنقل رسائل-تحذيرات إلى طهران و”حزب الله”. كما أن أميركا أرسلت قطعا عسكرية ضخمة قبالة سواحل لبنان، وردت باستهداف تنظيمات إيرانية في سوريا التي قصفت فيها إسرائيل مطاري دمشق وحلب عدة مرات، إضافة إلى الوضع الداخلي والمصاعب الاقتصادية في سوريا ولبنان. وهناك توقعات بأن يتبنى “حزب الله” معادلة تجمع بين “خطاب النصر” وخطوات عملية عسكرية حذرة: توسيع دائرة الاشتباكات في جنوب لبنان والقول بأن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول تحوّل تاريخي، من دون الوصول إلى حافة الحرب الشاملة.
“بمجرد انتهاء مفاوضات تبادل الرهائن والأسرى، سيكون الخطاب مختلفا وستكون هناك قائمة اغتيالات خارج حدود القطاع”.
مسؤول غربي
سادساً، اليوم التالي: هناك كثير من المقترحات والأفكار لما سيحصل في المرحلة التالية لحرب غزة. سيناريوهات لما بعد حكم “حماس” في غزة. هناك افتراض بأن الحركة، الحاكمة منذ 2007، ستهزم عسكرياً وستفكك تنظيمياً، ويجري طرح أفكار تخص إعمار القطاع ونشر قوات شرطة أو مراقبة عربية وتشكيل إدارة لحكم القطاع قد تساهم بها السلطة الفلسطينية أو سياسيون قريبون من “حماس”.
كما طرح بعض المسؤولين الأميركيين فكرة إبعاد قادة “حماس” في الداخل، العسكرية والسياسية من غزة وابعاد قيادة الخارج من الدوحة. وقال مسؤول غربي: “بمجرد انتهاء مفاوضات تبادل الرهائن والأسرى، سيكون الخطاب مختلفا وستكون هناك قائمة اغتيالات خارج حدود القطاع”.
ستة تطورات تستحق المتابعة. متداخلة ومتشابكة الى حد كبير. ولا أحد من اللاعبين المحليين في غزة أو اسرائيل والخارجيين في المنطقة أو خارجها، لديه مقود القيادة للسيطرة على جميع عناصر القرار ما يجعلها اتجاهاتها مفتوحة على احتمالات متناقضة ومتشابكة تصاعدياً.