لا تزال قضية “داتا” اللاجئين السوريين في لبنان محور تجاذبات بين المفوضية العليا للاجئين ولبنان التي فوضت المديرية العامة للأمن العام الحصول عليها، وعلى رغم انتهاء المهلة التي منحتها الحكومة اللبنانية حتى نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لم تسلم المفوضية الجهات اللبنانية البيانات المطلوبة
إلا أن مصادر في المفوضية تؤكد أنها ستسلم المدير العام للأمن العام اللواء إلياس البيسري البيانات المتعلقة بالنازحين السوريين على الأراضي اللبنانية قبل الـ15 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وهي تتعلق بالنازحين الذين يستفيدون من تقديمات المفوضية وعددهم نحو 850 ألف شخص، إضافة إلى نحو 650 ألفاً آخرين يستفيدون من مساعدات عبر برامج أممية مختلفة.
ويشير مصدر في المفوضية إلى أنه من حق المفوضية عدم تسليم “الداتا” إلى الدولة اللبنانية، إلا أنها ستسلمها انطلاقاً من الاتفاق الحاصل مع الحكومة في شأن تبادل البيانات في الثامن من أغسطس (آب) الماضي، ولتتفادى إشكالاً دبلوماسياً مع لبنان، مشدداً على أن الاتفاقية تمت بما يتوافق ومعايير الحماية الدولية والمعايير الدولية لحماية البيانات وخصوصيتها، وقد قدمت المفوضية آلية لنقل البيانات، بعد أن تشكلت لجنة تقنية مهمتها الأساس العمل على “احترام المبادئ الدولية لحماية البيانات”.
التسريب
وبرزت الإشكالية في تسليم “الداتا” انطلاقاً من مخاوف تعتبرها المفوضية مشروعة، إذ يمكن أن يتم تسريب تلك البيانات لصالح النظام في سوريا أو حزب الله ” في لبنان، وبالتالي تعريض بعض اللاجئين لأخطار عديدة منها القتل والخطف والمضايقات والابتزاز.
ووفق المصادر فإن المفوضية حصلت على ضمانات من الحكومة اللبنانية بموجب اتفاق موقع معها على حماية البيانات وتحمل مسؤولية أي تسريب أو تعريض أي معارض لأخطار محتملة نتيجة تسليم معلومات وبيانات شخصية لجهات غير رسمية.
وبرأيها، كان على الدولة اللبنانية أن يكون لديها بيانات عن جميع الأشخاص الذين دخلوا إلى البلاد، وأن التقصير بعدم امتلاكها تلك المعلومات هو بسبب غياب الجدية بمعالجة الملف وتسييسه، وعدم التعامل معه كملف إنساني له معايير وضوابط قانونية محلية وأخرى مرتبطة بالقانون الدولي.
كشف البيانات السرية
ويوضح رئيس منظمة “لايف” الحقوقية المحامي نبيل الحلبي أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تتمسك بمبدأ سلامة اللاجئين وحماية بياناتهم ومعلوماتهم الشخصية التي من المفترض أن تكون بالغة السرية، كونها تتضمن معلومات عن سبب هروبهم من سوريا والأخطار التي يتعرضون إليها، إضافة إلى معلومات حساسة تتعلق بقضايا سياسية وأمنية قد واجهتهم من قبل النظام السوري.
ولفت إلى أنه في حال كانت الحكومة اللبنانية جدية في مراجعة اللجوء السوري في لبنان والتدقيق فيه من أجل التمييز بين من هو لاجئ سياسي ملاحق أمنياً في بلده، ومن هو مهاجر اقتصادي ليس له إشكالات مع النظام السوري، فإن ذلك يفترض للحكومة أن تطلب تلك “الداتا” من حكومة النظام في سوريا، ومن ضمنها بيانات السوريين الذين شاركوا في انتخاب الرئيس بشار الأسد في السفارة السورية في لبنان.
وأضاف أنه “على الحكومة اللبنانية أن تحصل من الأمن العام اللبناني على بيانات السوريين المقيمين في لبنان الذين يتجولون بين سوريا ولبنان عبر المعابر النظامية الحدودية، وليس عبر المفوضية، إلا إذا كان هناك من نية للحصول على البيانات السرية الخاصة وتمريرها للنظام السوري وبالتالي تعريض سلامة اللاجئين للخطر”.
وأضاف بأنه إذا كان الهدف معرفة الأشخاص الذين دخلوا خلسة عبر المعابر غير الشرعية فإن بيانات هؤلاء ليست مع المفوضية بل مع “العصابات المسيطرة على الحدود”، مشدداً على ضرورة أن تعمل الدولة على ضبط الحدود البرية وتكافح أعمال التهريب، لا سيما أن من يسيطر على كلا الجانبين يرتبط بالنظام السوري و”حزب الله” الذي ينسق أمنياً مع أجهزة الدولة الرسمية.
وقال إنه “بدلاً من صرف جهود الدولة للضغط على المفوضية، لمعرفة بيانات من تبقى من معارضين وضباط وجنود سوريين منشقين في لبنان، لمشاركة هذه المعلومات مع الأجهزة الأمنية السورية وأمن (حزب الله)، فلتعمل المؤسسات الرسمية على إجراء مسح شامل للاجئين على الأراضي اللبنانية والتنسيق مع المفوضية على غربلة من يستوفي شروط اللجوء ومن لا يستوفيها”.
وأشار الحلبي إلى أنه “علينا ألا نغفل عشرات حالات الخطف التي وقعت في لبنان وراح ضحيتها لاجئون سوريون معارضون، ما زال مصيرهم مجهولاً حتى الساعة، الأمر الذي لا يعطي المنظمات الثقة بتسليم بيانات سرية للدولة”.
مزايدات وشعبوية
من جانبه أوضح المتخصص في السياسات العامة وشؤون اللجوء والهجرة زياد الصائغ، أنه “من اللافت مواكبة كل تعقيدات انتظار تسليم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بيانات النازحين إلى الدولة اللبنانية من خلال المديرية العامة للأمن العام، على أن هذه التعقيدات هي نتيجة التباس العلاقة بين المفوضية والدولة منذ بدء أزمة النزوح السوري في عام 2011 الذي تتحمل مسؤوليته المنظومة السياسية الحاكمة منذ ذلك الوقت، إذ رفضت لأهداف شعبوية وديماغوجية القبول بفكرة توقيع بروتوكول تعاون مع المفوضية”، مضيفاً أنه ومنذ عام 2015 قررت الدولة اللبنانية وقف تسجيل النازحين متخلية بذلك عن حقها السيادي، الأمر الذي “أدخل ملف اللاجئين السوريين بفوضى الوجود والوفود الذي نحن في مواجهة معضلاته”.
وتساءل “هل تسليم البيانات يؤدي إلى بدء حل أزمة النزوح والإعداد للعودة؟”، مضيفاً “هناك ارتجال ولا جدية وشراء للوقت، وتحذير للشعب اللبناني بشعارات لا علاقة لها بإنجاز حل لأزمة النزوح أساسها العودة”، مؤكداً أن “الداتا أساسية لكنها تتحول تفصيلاً غير مجد في يد من استقال من دوره في الحوكمة السليمة والدبلوماسية”، لافتاً إلى “أن الداتا عنوان عريض والغائب الأكبر رصانة في وقف الاستنزاف المقصود لأهداف خبيثة”.
نزوح جديد
وفي وقت يبدو أن التنسيق بين المفوضية العليا للاجئين والأمن العام اللبناني وضع في مساره الصحيح، يبدو أن الفوضى على هذا الملف ستعود مجدداً مع “النزوح” الجديد الذي يطال لبنانيين وسوريين من القرى الجنوبية ولا سيما المحاذية للحدود الإسرائيلية.
ووفق أرقام أولية قابلة للارتفاع في حال تفاقم النزاع بين “حزب الله” وإسرائيل وتوسع رقعة الاشتباكات، هناك 86 ألف سوري إضافة إلى 190 ألف لبناني مهددون بمغادرة أماكن سكنهم في الجنوب ومنهم نحو 100 ألف نزحوا باتجاه العمق اللبناني، ويصعب كشف أماكن اتجاه هؤلاء بسبب عدم توجه سوى قلة منهم نحو مراكز الإيواء التي استحدثت أخيراً، إذ بعضهم بات يقيم عند أقارب أو استأجر منزلاً موقتاً أو اعتمد على الفنادق في الأرياف.
ووفق المعلومات هناك اقتراحات بإنشاء مخيمات جديدة كمراكز إيواء للاجئين السوريين تكون قرب الحدود السورية سواء في الشمال أو البقاع، تكون قادرة على استيعاب نحو 500 ألف نازح في حال دخل لبنان حرباً شاملة مع إسرائيل، إذ تصبح رقعة الحرب تشمل معظم المناطق اللبنانية.