تحيل كلمة تحالف غالباً إلى مجموعة من البشر أو الدول المختلفة، ارتأت أن تتحد مؤقتاً لتنفيذ غرض محدد، غالباً يكون معلناً، إلا إن كان هذا التحالف لمافيات أو لعصابات الجريمة المنظمة، أو للشركات الاحتكارية، فإنه يبقى تحالفاً سرّياً، دون علم من الجمهور ولا من الجهات القانونية التي يفترض بها أن تحارب تلك الأحلاف.

في التاريخ، نجد الكثير من التحالفات التي أعلن أصحابها، أفراد أو دول، أهدافها، التي ستبدو نبيلة حتى لو كانت غير ذلك، فليس من المعقول أن يعلن أحد أنه أنشأ تحالفاً لممارسة الشر أو الجريمة. ولنا في التاريخ القريب عديد من الأمثلة، وأهمها وأكثرها فاعلية كان التحالف الأوروبي الأميركي، لمواجهة ألمانيا النازية، ومناهضة خطط هتلر للسيطرة. طبعاً جميعاً نعلم أن الختام كان بسيطرة الدول المنتصرة على السياسات الدولية حتى يومنا هذا.

في التاريخ، نجد الكثير من التحالفات التي أعلن أصحابها، أفراد أو دول، أهدافها، التي ستبدو نبيلة حتى لو كانت غير ذلك

مع التقدم بالتاريخ، الذي من المفترض أنه يسير نحو الأمام، بمعنى أن يكون أكثر تحضراً وأخلاقاً، فإننا على العكس، نجد أن الوقاحة باتت هي سمة العديد من تلك التحالفات. قبل فترة، كنت أناقش مع صديق، موضوع تحالف الأقليات في الإقليم، وما جرّه على المنطقة من دمار وخراب، برعاية أممية معلنة. اعترض الصديق على التسمية، واستعاض عنها بتحالف الحثالات، طبعاً هو لم يقصد البشر والناس المنتمية لتلك الأقليات، وإنما عرّابي تلك الفكرة التي قادت إلى مجازر همجيّة، ارتكبتها أنظمة بدَت وظيفتها الأهم هي إنجاز كل ما تمَّ من الخراب الذي نعرف، وكان الصديق محقّاً.

لكن الأكثر خطورة في الأمر، وهو كارثي بالحقيقة، تلك التحالفات الأممية الشاملة، وهو ما تمثله اليوم الأمم المتحدة والهيئات المنبثقة عنها. الأمم المتحدة التي يمكن وصفها، شكلاً على الأقل، بأنها حكومة العالم. هي في حقيقة الأمر تحالف سلطات الدول. في جزء ليس قليل منها تتمثل بحكومات غير شرعية، إضافة طبعاً إلى حكومات لها أهداف ومصالح سيطرة، وعليه تبقى شعوب العالم في آخر سلم أولويات تلك المنظمة وهيئاتها. لذا لم يعد من المستغرب، خصوصاً خلال العقود الأخيرة، أن نجد ممثلي أعتى الدول الديكتاتورية أعضاء في قيادة هيئات حقوق الإنسان الدولية التابعة للأمم المتحدة!

حين تصمت تلك الهيئات الدولية، أو تنتقد بخجل، ودون أي فاعلية، ارتكابات أنظمة المجازر، كنظام الأسد، فإن هذا لن يختلف كثيراً بالنتيجة، عن احتفائها بتلك المجازر، ولا ضير حينها من أن تنتصر حتى لنصب مشانق المعارضين، بمن فيهم مناضلو حقوق الإنسان. حقوق الإنسان التعبير الأكثر تداولاً بين أعضاء تلك الهيئات التي ترفع رايتها في كل مناسبة. ليغدو الأمر وكأنه استهزاء صارخ بكل القيم التي تدّعي تلك الهيئات والمنظمات الدولية الدفاع عنها.

حين تصمت تلك الهيئات الدولية، أو تنتقد بخجل، ودون أي فاعلية، ارتكابات أنظمة المجازر، كنظام الأسد، فإن هذا لن يختلف كثيراً بالنتيجة، عن احتفائها بتلك المجازر

لكم أن تتخيلوا معي أن الأمم المتحدة يمكن أن تقيم حفل تأبين لوفاة واحد من أهم منتهكي حقوق الإنسان في بلده، كالرئيس الإيراني الراحل مثلاً! حسناً لا تتخيلوا، هي حقاً ستفعل. فقد قررت أهم منظمة دولية، وأعلنت في برنامج فعالياتها، أن حفلاً تذكارياً للرئيس الإيراني السابق سيتم خلال انعقاد الجمعية العامة للمنظمة في الثلاثين من الشهر الجاري، أي هذا اليوم الخميس، فيما لو نشرت هذه المادة في موعدها المعتاد.

تصوروا حال مناضلي حقوق الإنسان والمدافعين عن الحريّات في بلادهم وهم يرون لسان الأمم المتحدة يمتد في وجوههم، ساخراً من كل ما فعلوه لعقود. لتقول لهم إننا نحتفي بجزّاريكم، كما لو أنه من دعاة حقوق الإنسان والحريّة والسلم الدولي. والحال على ما هو عليه، كيف لنا أن نستغرب من تمادي الطغاة والقتلة والمنتهكين في أي منطقة من العالم؟ طبعاً تعلمون أن الأمم المتحدة كانت قد نكّست علمها على مقرها يوم وفاته! وكأني بالمسؤولين الإيرانيين قد وجدوا أن موت رئيسي كان بركةً على نظامهم، فحشد حولهم هذا التحالف العاطفي الأممي.

غير بعيد عنّاً، وفي الحقل ذاته، لكن في قطاع غزّة. رغم الانتقادات التي نسمعها هنا وهناك من بعض الدول (الرائدة عالمياً) في مجال حقوق الإنسان، انتقادات وملاحظات لا بد منها حتى لتغدو وكأنها جزء من عدّة الشغل، حول استهداف المدنيين في القطاع، إلا أن التحالف الدولي العميق ما زال يؤيد الحكومة الإسرائيلية المتطرفة في تماديها بارتكاب المجازر. وما خلا استثناءات نادرة أوروبياً، فإن الآلة الإعلامية مُسخّرة لدعم القتلة، طبعاً إضافة إلى التصريحات الوقحة لمسؤولي تلك الدول، وسلوك قوات الشرطة تجاه مناهضي إبادة المدنيين.

تصوروا حال مناضلي حقوق الإنسان والمدافعين عن الحريّات في بلادهم وهم يرون لسان الأمم المتحدة يمتد في وجوههم، ساخراً من كل ما فعلوه لعقود

في التاريخ المعاصر، ثمانينيات القرن الماضي، هناك ما عُرف باسم “الحرب القذرة” في الأرجنتين. وهي عمليات إرهابية ضد المعارضين قامت بها إضافة إلى الحكومة العسكرية الأرجنتينية، حكومات دول أخرى من أميركا اللاتينية هي تشيلي وبارغوي وبوليفيا والأرغواي والبرازيل. قادت تلك الدول، بتنسيق مشترك وبدعم من الولايات المتحدة الأميركية، ما سوف يعرف بعملية “كوندور” التي حصدت عشرات آلاف الضحايا (الرقم الأكثر تداولاً 60 ألف ضحية) جلّهم كانوا من المدنيين الأبرياء، إضافة إلى المعارضين السياسيين الذين كانوا الهدف الأساس للعملية.

ما يدعو للخيبة، أننا نستطيع، إلى حدٍّ بعيد، اعتبار الأمم المتحدة، ضمن موازين القوى القائمة اليوم، تخوض نوعاً من حربٍ قذرة ضد شعوب العالم. ولن يغيّر من هذه الحقيقة، لا تصريحات أمينها العام، ولا اعتراض بعض الحكومات المشاركة، والتي غالباً ما تنأى بنفسها، دون أي دور فعّال لإيقاف تلك الحرب. كنت سابقاً وصفتُ منظمة الأمم المتحدة بأنها جثّة. يبدو لي اليوم أن عليَّ التراجع، لصالح أنها الإهاب الذي يخبئ في داخله الوحش العالمي.