Skip to content

السفينة

alsafina.net

Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Home
  • حكايا صيدنايا الجزء العشرون……نصار يحيى. المصدر. : صفحة الكاتب
  • مقالات رأي

حكايا صيدنايا الجزء العشرون……نصار يحيى. المصدر. : صفحة الكاتب

khalil المحرر يونيو 5, 2024

كان الوقتُ يرخي بظلاله:
كفرشاة رسام هجر الالوان نحو ضباب..
يبتعد
هل اختفى الالم؟
عرجتْ سقوف الجناح
الى خطوط اخرى
فجأة ..يظهر الرمادي مزمجراً
نحن في نهاية صيف 90.
خريف يزخرف قدومه عائما.
ينقلون إلى جناحنا الالف يمين، جماعة الحزب الملتزمين؛ كانوا في الطابق الثاني ج يسار..معهم مجموعة من الحزب الشيوعي / مكتب سياسي..وشخص وحيد من الاتحاد الاشتراكي (أبو خالد) كان من بداية اعتقاله مع شباب حزب العمل في سجن فرع أمن الدولة (كفرسوسة).
بات الجناحان (اليمين واليسار) مقتصرين على اليسار السوري:
نحن الستين قدامى الألف يمين، ملتزمي الحزب. مكتب سياسي. بعث ديمقراطي)..
علق أبو أرتين: الله يزيد ويبارك. رد عليه أبا يسار: لاتنسى أن هناك أكثر من مئتين في الطابق الثالث (اعتقالات 87-88) من حزب العمل.
هل عادت الحياة إلى طبيعتها، بين أفراد “العائلة” الخاصة بحزب العمل؟
هم توزعوا بمهاجع ستة. نحن توزعنا من جديد بالمهاجع الاربعة الباقية..
تأخذ العلاقة صيغة المجاورة الصامتة، مع تخلل بعض العلاقات ذات الصداقة ماقبل، الجدار الأخير يوم الاضراب إثر وفاة إحسان عزو.
تزامن ذلك بأخبار لم تكنْ بالحسبان: تحضير الجنازة لجدار برلين، انتهتْ مراسم الدفن..
تُركَ النعشَ عارياً كما ولدته أمه!!
سأل أحد المارة: أليس هناك من قماش أبيض، يكفنوه به؟!
آخر يتذكر: هل انتقل إلى مثواه الأخير؟؟
لم يعرْ أحد جواباً.
تدور نقاشات “مستعصية” بين صفوف الحزبيين، حول اعتقالات (87-88) وما تركته من أثر. خاصةً وأنها ضربة قاضية، شملت الرفيق والصديق وقارئ الجريدة ومن قال: “مرحبا” لأحد المنظمين..
لكن الآن:
” تسونامي” من هوية أخرى -إحدى أهم صدمات العصر- عنوانه: انهيار التجربة السوفييتية وملحقاتها بعد سبعين عاما.
يوم “رفرفت” راية البلاشفة الحمراء، وأعطت تسمية جديدة لما ألفتْ الأدبيات السياسية تسميته: سمة العصر، الانتقال إلى الاشتراكية..
هل سيمر مرور الكرام، على أفراد وأفكار وأحزاب، كانت على يقين من النجاح والاستمرار، ثم الاسترخاء؟
سيأتي أحدهم ويقول: نحن في حزب العمل وصنوف اليسار الجديد، عداك عن الحالة التروتسكية (الاممية الرابعة)، كان لدينا تحفظات وملاحظات هنا وهناك على تلك التجربة.
اي نعم كنا مقتنعين بما دُرج عليه من تسمية عصر الانتقال إلى الاشتراكية.
هنا ربما خاب أملنا..إنما منيف ومنظومته التروتسكية، سيقول : كنا الوحيدين من نبه وقرع جرس الإنذار..
ماعلينا يرد أصلان على بعض الذين، لم يشكل لهم ذلك إلا المزيد من التجاهل والانكار. يتابع: المهم كيف نفكر الآن؟
لسان حال بعضهم (فاتح):
فشل التجربة لا يعني أن النظرية على خطأ، الرهان كان على ضحالة التطبيق..لم تزل الماركسية هي المرشد والمنهج الصحيحين.
هي وحدها الكفيلة بالانتصار على الإمبريالية.
تبقى مهماز الأمل للكادحين وقواعدها بين السطور، عداك عن البروليتاريا العالمية، التي ستنهض من جديد، حاملة راية الخلاص..
رستم: أشعر من هذا الكلام، وكأن مهدياً ننتظره كما هو عند بعض المؤمنين والمؤمنات!!
أبوعزة يدغدغ هذا الرأي:
لكن يا رفيق فاتح ليس لدينا ولي فقيه كما الخميني، ينتظر همسةً ما من “المهدي الغائب المخلص”؟؟
من خلال هذه الحوارات التي كانت تتسلل إلينا عبر “السمع ونقلا عن”. أن الانقسامات والشوشرات تزداد بين صفوف الحزبيين كما نحن التاركين، إنما عندهم أخذت منحىً أكثر وضوحا نحو الليبرالية السياسية، في حين عندنا (البعض) تسربلت الشغف بالتعرف – من الداخل- على الآخر الفلسفي و “صرعات” ما بعد الحداثة الأوربية.
ان استطعنا التوصيف عن تلك الحالة: نتروض في القراءة عن الممتنع و المخبوء..محاولة لسؤال العقل عن اليقينيات..
هل كان بالامكان التملص من الاوامر المطلقة حتى لا تنفرد بكم وتصبحون أداة طيعة؟
سأل السؤال طلال بعد لقاءاتنا الجديدة المتكررة؛ لم يواظب معنا على القراءة.
يجلس وفاضل زاوية المهجع التاسع، كنا نزورهما فادي وأنا، نحتسي بعض النبيذ “المعتق” بضعة أيام..
اقتصرت الزيارات على الحالة العامة، دون التمحيص والتدقيق بالرؤى السياسية والايديولوجية العامة..لكن طلال بلمحات ذكية، علق ذلك التعليق أثناء الغوص قليلا بهذه “الهرطقات”..
بعد مضي ساعات وأيام قليلة، ظهرت المحاولات لتجديد التواصل بيننا وبينهم..
// يعترض محدثي (سارد يسكنني): لماذا الكلام بصيغة نا الدالة على الفاعلين عنكم كتاركين؟!!
وهل كنتم كتلة متجانسة؟!
وعنهم بصيغة الضمير الغائب: هم؟؟!!
هم أيضاً قد يظهرون وكأنهم كتلة حزبية متراصة، لكن هناك بعض الاختلافات.
أجاوبه؟
النية سليمة والله أعلم.//
ذلك التواصل لم يكن عاماً؛ تركتْ آثارها تلك “القطيعة” تزامنا مع انفجار المكبوت، من كلا الطرفين: أصحاب الرؤوس الحامية.
سيتوجه قسم كبير من الحزبيين إلى البعث الديمقراطي، حيث التعارف والحوار بين حزبين..
نحن “جماعة” الحلقات في القراءة، سينضم إلينا البعض من الحزبيين: اسماعيل وجمال وفيصل، لكن الأكثر استمرار كان اسماعيل.
يلاحظ في الجناح أن هناك “عائلات” أكثر من أخ؟
عائلة ملحم بكبيرهم منيف وياسر ومنذر ونبيل.
عائلة القصير: أكرم، اسماعيل، أيمن
ولاننسى عائلتنا الأربعة: من خالين (علي، أنا). ابني أخت (علي، عادل).
كذلك في جناح البعث الديمقراطي: عائلة علي ديب (العم علي. والأخوين جابر وثائر)
علوش: سميح وفيصل.
آل حسون: وفيق ومنير.
آل العلي: محمود وبسام معنا في صيدنايا. فاروق بسجن تدمر. واختهم شفق بسجن دوما مع صبايا حزب العمل حيث وصل عددهن قرابة الأربعين بين سجن دوما والفروع الامنية.
عبد درويش بإحدى نهفاته: شو رأيكم نطلب من إدارة السجن، أن يجمعَ العائلات من الجناحين بمهجع واحد؟
رد عليه محمد عيسى: يمكن مهجع واحد مابيكفي..
بعد طول انتظار وإصرار من علي الكردي لصديقه غسان الجباعي، كي يكمل هذا الاخير مشروعه المسرحي: العنبر رقم 6 / تشيخوف؟
غسان كان متردداً لاعتبار، أن الحالة الصفرية في السجن لا تحفز ولا تشجع؛ سيظهر في كتابه، ان ما احتكم اليه وجعله لا يميل للمغامرة كما بدر زكريا، دراسته الاكاديمية التي تعلي من شروط العرض المسرحي، يكتب غسان: “لم استوعب في البدء كيف يمكن ان نصنع مسرحا في مثل هذه الظروف، كانت الأكاديمية تقيدني..سرعان ما اكتشفت ان على المخرج أن يرمي بشهادته من النافذة..”.(1).
ظهر السيناريو للنص، وتوجها به علي وغسان إلى بسام صياغة، كي يكتب أكثر من نسخة -خطه كان جملاً- ليتم توزيعها “للفريق” الذي أبدى حماساً للتمثيل على خشبة مسرح أحد المهاجع في الألف يمين.
اكتملت الورشة للعمل: علي الكردي. عبد درويش، غياث عيون السود، أيمن قاروط، جفان حمصي، جمال سعيد، منصور منصور، عبدو مكارم، مازن ربيع. هؤلاء ممثلين..طلال أبو دان (فنان تشكيلي)..
يلعب الشخصيات: جفان (ايفان ديمتريش وعقدة الاضطهاد)
غياث (الدكتور أندريه أفيميتش).
أيمن (الحارس الجلاد نيكيتا).
عبد الكريم (مساعد الطبيب)
جمال (مريض على يمين ايفان)
عبدو (الطاهي)
علي (موظف في البريد)
منصور (مريض)
مازن (مريض)
هيثم قطريب موسيقي ويعطى دور مويسيكا (من أصول يهودية) وهو الوحيد المسموح له الخروج من العنبر بتواطؤ مع الحارس الجلاد نيكيتا، لأن بخروجه يقوم بالتسول، وعندما يعود يقوم نيكيتا بتجريده من كل تلك “الغنائم” مع الضرب “الناعم”..
غسان يعمل على تعديل شخصية مويسيكا: يحمل أداة موسيقية ويغني كلمات غير مترابطة..
الكلمات من تأليف علي الخطيب (أبو نسرين):
“كان عندي عصفور أخضر
كان يتعشبق ع شبابيك الورد
ويغني
كانت عصفورة جارتنا الحلوة
تجي لعندو
صار يحبها ..
صار ياخذها ع الغابة..
والعصفورة بتحبو أكتر
مرقوا الصيادين خطفوا العصفور
والعصفورة..(2).
-تلك الكلمات على بساطتها، اشتغل عليها هيثم من خلال بعض الارشادات المسرحية من قبل غسان؛
وربما تتناسب مع شخصية مويسيكا، والذي لا يهدأ حتى عندما يكون داخل المهجع..هي إضافة واجتهاد من غسان على العنبر رقم 6.
انتبه غسان ان هيثم قد ينجح بهذا الدور؟
هيثم يبوح لاكرم صديقه: انا مابحب التمثيل، غسان اعطاني دور مويسيكا وبصعوبة جداً أحاول..كنت متوقع أن أشارك فقط بمعزوفة موسيقية..
داخل المهجع تتم (البروفات) حيث البدايات مع بروفات الطاولة.
عندما خرجوا من البروفة ، كنا نمشي في الممر، مجموعة من “الحاسدين” لهؤلاء وهم يتأهلون لهذا النشاط المميز.
أحدنا (اسماعيل) سأل علي:
كيف البروفات؟
تقصد بروفات الطاولة، لقد تحولت إلى ورشة ثقافية، تحاول غور الشخصيات نحو داخلها، خاصة شخصية إيفان.
تدخل هنا جفان:
أعتقد ذلك، يا اسماعيل أخذت دور ايفان المثقف، الذي يعاني من عقدة الاضطهاد لدي بعض الخوف، لكن غسان وبقية الشباب يشجعوني؛ وكما تعرف لاول مرة بحياتي العب دوراً مسرحياً..
عاد علي ليؤكد، شعرَ كأنه نسي أمراً مهماً:
اقترح غسان حلولا إخراجية مدهشة، تتناسب وهذا “القحط” السجني.
قاطعه وفيق: كيف يعني؟
جسد الممثل هو الأساس وبديلا عن قطع الديكور..
ابو عزيز: والله انا مثل الاطرش بالزفة ما فهمت شي.. علي: طول بالك مع ضحكة طويلة:
مثلاً اتكاء جسد الممثل على الجدار، بديلاً عن فراش النوم..
جَدلنا حبال من الخيطان، قمنا بتثبيتها بالسقف والارضية على شكل قضبان زنزانة..(3).
بصوت هامس يعلق غياث -الذي سيلعب دور الدكتور ايفان- ادعمونا يا شباب أن “تظبط” معنا، المزاح غير الجد، أشعر وكأنني شخصاً آخر، بعد هذا التعب بالبروفات والتحضير..
باسل: أتوقع انك ستنجح يا غياث..لديكَ حضور خاص ومميز حتى بسردكَ العادي.
ما تنسوا يا شباب -علي يتابع- رسومات طلال ابودان التي تحاكي المظهر الخارجي للشخصيات وتصميم الملابس.
ركض غسان مهرولاً: ماتركت شي يا ابا العلى من مفاجآت الانتظار. ثم توجه لنا نحن الذين نهوى الشغب في الإكثار من الاسئلة.
أراكم مستعجلين، طولوا بالكم علينا، بعدنا بالبدايات..
صديقنا غسان ممكن نسألك سؤال: لماذا العنبر رقم 6؟
-انطلق السؤال من معظم متابعي هذه الدردشة-
أنتم تميلون للجانب النفسي في قراءة المسرحية.
فادي: نعم وما الخطأ في ذلك، يكمل:
مثلما تعرف يا غسان، نمط شخصية إيفان، وكيف استطاع تشيخوف بوقت مبكر، قبل ظهور التحليل النفسي الفرويدي، أن يرسم ملامحها المثقلة بالشعور بالذنب ، لدرجة ان ايفان صار يشعر وكأنه مسؤول عن أية جريمة قتل تحصل. فرويد سيدرس الحالة نفسها في كتابه التأسيسي في التحليل النفسي (تفسير الاحلام الصادر عام 1900).
في حين تشيخوف كتب عنبر رقم 6 بين عامي 1890-1892.
غسان: من خلال دراستي هناك في “بلاد السوفييت”، ومن خلال الأثر الذي تركته تلك السنوات، بعد اغتيال القيصر اسكندر الثاني: هيمنت على الذهنية الروسية حالة من العدمية.. تشيخوف كان مستبطناً لهذه الذهنية، وجدَ أحلامه الإصلاحية و التغييرية تنهار..ثم خيبات الأمل..
اعتقد هنا “مربط الفرس” يتابع غسان..
انظروا إلى حالتنا العامة نحن اليساريين بشكل عام: هي صدمة ما بعد انهيار جدار برلين الذي زعزع اليقين وأزاح الستار عن خلف الجدار.
كان عماد (أبو سعيد) يمشي وحيداً في الممر، لفت انتباهه:
جمهرة صغيرة هي من (كادر مسرحية العنبر رقم 6) ونحن التائهين بين هضاب “اللقش” الذي لاينتهي!!
وقف ثم أدلى بدلوه: من فترة قصيرة أعدتُ قراءة نص تشيخوف عنبر رقم 6. قبل اي كلام انا معجب بالمخاطرة التي يقوم بها غسان للعمل على إخراجها.
هي ضرورية ومهمة جداً، وأعتقد يمكن قراءتها بأكثر من زاوية: اللحظة الاجتماعية السياسية التي كانت تسود روسيا، و من زاوية أخرى، العمق في سبر غور الشخصية الانسانية خاصة شخصية إيفان.
يعود بنا أبا سعيد للقراءة التي تجمع بين القراءة النفسية والتحليل الاجتماعي، ربما كما فعل الكاتب الإيطالي ألبرتو مورافيا. أو بشكل أدق محاولات أريك فروم للجمع بين النقيضين (المادية التاريخية والتحليل النفسي).
كان ذلك تعليقي.
وهم في هذا الشغل الممتع، كنا نحن “الجمهور الذي يترقب وينتظر عرض مسرحي يبصبص على بعض نوافذ الحياة. تطرح نفسها بقوة تداعيات حضور المسرح هناك، في عالم بات بعيدا عن مفرداتنا..سنحضر بصفتنا ذكور والممثلون ذكور و “لله الحمد”، ومعه حراس السجن ونوافذ التفقد والتنفس من ارتفاعات الاجنحة..تتداخل التداعيات:
يتسابق المعتقلون في الصباح عند موعد الزيارات، يشتمّون رائحة النساء “الاهل” من بعيد..يتخيلون صهوة احذيتهم، على الرغم ان معظم الزائرين يرتدون أحذية بدون كعب يدندن بصوته..
يركضون للوقوف على النافذة المطلة الى الطريق البعيد حيث يسيرون..
لا اعرف لماذا هذا الاقتباس يداعبني يا مازن..كانت جلسة قبل المساء. نقرأ نصاً لجان جينيه / شعائر الجنازة: “إن شهوة التفرد وجاذبية المحرم عملتا على تسليمي إلى الشر..الشر كالخير يتم بلوغه تدريجياً، بمعية بصيرة ملهمة تجعلكَ تنزلق لولبياً بعيداً عن الكائنات البشرية..”..كنا نجلس على عتبة المهجع الخامس؛ موقعنا الجديد
، صوت أم كلثوم: رباعيات الخيام يصدحُ بصوت “الراديو الصغير”، يحتضنه (غياث) وبجانبه كأس شاي معتق من الصباح، يمسك سيجارته الحمراء، يقف عند بعض المقاطع ويدندن:
القلب قد أضناه عشق الجمال
والصدر قد ضاق بما لا يقال..
أطفئ لظى القلب بشهد الرضاب..
لبستُ ثوب العيش لم أُستشرْ..
لبسنا ثوب السجن ونوافذه الضيقة ولم نستشر. رستم يتدخل؛ كان يزورنا ساعة مساء.
تداعى الوسن ظامئاً الخروج صوب الحنين:
تارةً ترنو قناديلٌ جناح السجن
وتارةً تجنحُ فراشاتٍ هديل اليمام
تغفو القضبان قليلاً
تهمسُ تلك التي ابتعدتْ:
جسدي لم يزلْ يسافرُ هناك
يرقصُ رقصةَ الشهوة الأخيرة..
عاد النهار في الاشهر الاخيرة من خريف عام 90، يحملُ أخباراً مقلقة ومفرحة في آن:
تمَ استدعاء شباب الحزب الى باحة السجن. يلتقي بهم أحد ضباط الامن..يقول لهم بالعربي الفصيح:
اليوم سيتحدد مصيركم بين البقاء هنا او الخروج الى الحياة..يضيف جملة معترضة: ألم تشتاقوا للحياة كما خارج هذا السجن؟
وقف طلال وسأله: ماذا تقصد..إن كنتَ تلوح لاخلاء السبيل، أنتم لستم محل ثقة. هناك الكثيرون من رفاقنا تركوا الحزب من زمن طويل وهم بيننا -يقصدنا عمنا طلال- لم تفرجوا عنهم!!
يعود الضابط:هذه المرة قرار من “فوق”؛ فوق بأعرافنا نحن السوريين حكاما ومواطنين وصغار كسبة، أنها من “الحاكم الاعلى بأمره أحياناً وأخرى بأمر الله”.
المطلوب منكم فقط رفع الأيدي: أنكم تركتم الحزب..
تجرأ طلال ورفع يديه ثم جمال وعدد آخر قليل جداً..
عادوا وهم مكفهرين، حكوا لنا ماجرى إنما باقتضاب..البعض انزعج من موقف طلال والآخر تفهم..
صارت شوشرة بالجناح..هناك امل لاول مرة بالخروج من هذا الجدار..
عندما تناقشنا بين بعضنا، كنتُ من المتشائمين، وان اللحظة لم تحنْ بعد..
لماذا حصلت هذه المبادرة من الأمن؟
كان سؤال الجميع للجميع حزبيين وتاركين وما بينهم من غير المغضوب عليهم والضالين..
على مشارف عام 91 تغيرت ملامح الأوضاع العالمية بعد احتلال الكويت من نظام صدام (العراق)..الان هناك تحضير وحشود جيوش عالمية امريكية وغيرها لتحرير الكويت..الحالة السورية كانت تحاول الاستفادة من هذا الضخ والضجيج، مما يستدعي تخفيف القبضة الأمنية ذات الشدة، عالية الامبير ومشتقاته، بهذا المعنى بات ممكنا بعض الافراجات عن المعتقلين..هذا الرأي كان للبعض في الحزب.
أما نحن فكان لدى الاكثرية تفاؤل كبير، ارتبط أيضاً بمذكرة تم تسليمها لأحد القياديين في الحزب الشيوعي السوري جناح يوسف فيصل..هذا القيادي والد وجدي مصطفى المعتقل معنا، بتهمة اخرى (اتحاد النضال الشيوعي)..
سيخبره بزيارة لاحقة أن الرسالة (المذكرة) تم تسليمها لقيادة الجبهة التقدمية حيث حزبهم أحد المكونات. قال له أيضاً: نعتقد كحزب أن الامر سيبت به لصالحكم..
انتهى الصخب وعادت الحياة لمجاريها، والأهم أن خشبة مسرح العنبر رقم 6، أُعيدت لنصابها في المهجع الثاني..
في غضون هذا الهدوء النسبي، يخبرنا وائل أنّ لديه نص جديد، قصة قصيرة بعنوان الرهان. (4).
يتمنى أن يقرأها على مسامع من يرغب..
وجه الدعوة لعدد كبير من المهاجع حزبيين وشتات التاركين.
كان الحضور قرابة العشرين.
جلس وائل في الصدر من المهجع. على كرسي من صناعتنا “رفوف من كراتين البيض” بعضها حمراء وبعضها بيضاء، امتزجتْ بألوان جديدة، وانصهرت مع تعرق الأجساد التي تتبادلها بأدوار من تعب.
وائل يتلو علينا قصته. بجانبه منصور: ما أجمل هذا الخط يا نادر؛ نادر قام بنسخها بخطه المميز.
ثلاثة شخصيات هم : اسامة (السارد)، خلدون، رامي..جمعتهم المصادفة في غرفة واحدة معتمة..هناك إضاءة لكن لا أحد يفكر بإشعال الضوء.الباب يفتحْ..لكنهم لا يجرؤون على الخروج..
ارتبطوا بلعبة الزمن. يتساءلون: كيف اتفق لنا نحن الثلاثة أن نبدأ هذه اللعبة..: “سبعة أيام أو سبع سنوات..غداً ستبدأ لعبتنا يومها الثامن أو عامها الثامن..”
بعد قليل سنجد إشارة لوجود طيور سنونو..يسأل رامي: أين تطير هذه الطيور؟
إلى المناطق الدافئة في الجنوب..
-كذلك إشارة لعصفورين بمحاذاة النافذة: يزقزقان بصوت مرتفع (عاشق ومعشوق.
تتوتر الأجواء بينهم..يبادر اسامة بفتح الباب: هوذا الباب..هل تريد الخروج يا رامي..رامي يرفض..أغلقوا الباب..
تظهر شخصية أخرى تحمل اسم علاء..علاء أتى مثقلاً بفكرة تغيير العالم..
علاء يرفض هذه الفكرة..لم يكن من دعاة اليقين والايمان..
تنتهي القصة بفراغ الشك واللاجدوى..
استرخى الحضور..تفاجأ البعض هناك حالة مختلفة بكتابة وائل. ذلك كان لسان بعض “ما بعد الحداثيين”.
كان رأي -أنا السارد ولكم الحكم- أن هناك محاكاة ما لهذا الوضع العبثي الذي يسكننا، لطالما كنا نردد -صباحَ مساء- عبارة نيكوس كازنتزاكيس في روايته الشهيرة المسيح يصلب من جديد: لا جدوى يا يسوع..
هل قاربت نهاية القصة (الرهان) هذا العبث؟
يتدخل وفيق:
يبقى السؤال الأخير: هل الرهان أن اللعبة تستمر لأجل غير مسمى؟
كان لمنصور رأي آخر: اعتقد ان حالة الرهان كما في انتظار غودو؟
لم نبحث عن الإجابات. وائل ايضا حاول ترك الاسئلة مفتوحة..
اليوم رأس السنة 91-90.. المهاجع تحتفظ نبيذها وبعض العرق من تلك (الكلكة) المحلية..بدأت مراسم الاحتفال الساعة الثانية عشر ظهرا..قبل السهرة؛ تتم بعد اغلاق الابواب الساعة السابعة بتوقيت مدير السجن ومساعديه..
لأول مرة بتاريخ هذه السجنة، التي مضى عليها الآن قرابة التسعة سنوات، وللبعض أكثر من العشرة ونيف. حصل شيء يشبه الكرنفال أو قل يشبه الاحتفالات الكنائسية، حيث المناسبة -رأس السنة- لكنها استوقفت مع بعضا مما يشبه الجمعة العظيمة (الحزينة):
على غفلة من الجناحين، أراد أبو نسرين وبعض الشباب، مفاجأتنا بطقس “باباوي”..
يستعير عباءة فاضل السوداء، من أيمن يأخذ ما يشبه المبخرة للبخور..على رأسه تاج من الكرتون من جميل، صولجانا من عادل..
يرافقه مجموعة من الشباب: مهاجرون وأنصار (قساوسة وكهنة). حيث هو البطرك.(5).
يحمل “إنجيله” ويردد بعض الصلوات: أبانا الذي في السماء، ليتقدس اسمك..أعطنا خبزنا كفافَ يومنا..
عند كل مهجع يقف، يستقبلونه وصحبه بأكاليل من “حبات الدروبس”، والبعض يرشرش حبيبات برغل معتقة..
بينما عند المهجع العاشر من الالف يمين، كان تادروس (أبو شادي) ينتظر الموكب على أحرٍ من تراتيل سريانية، مختزنة من ذاكرته الطفلية: انتهى هنا “المشهد الكرنفالي”، تماهى تادروس مع أبي نسرين، كلاهما يرددان التراتيل، وكأنك ترى وتسمع فيروز وهي ترنمْ: “اليوم عُلقَ على خشبة الذي علق الأرض على المياه إكليل من شوك..
نسجدْ لآلامكَ أيها المسيح فأرنا قيامتكَ المجيدة..”
/ في مهجعنا وأثناء مرور “القافلة” عادت بنا الذكريات للطفولة، عندما كان المطر يبخل علينا بقطراته والتي تدوم اشهراً، وأحيانا سنوات (العجاف) كان لدينا تقليد يطلقون عليه أجدادنا “أهازيج الاستسقاء).
الآن أخي علي -أكبرنا- يقودنا: يالله الغيث ويالله الغيث بجاه محمد وأهل البيت ..يا غيمة غيمنا اسقي الزرع واسقينا..ثم نمر على البيوت ليقدموا لنا تلك الحبيبات القليلة من الحنطة؛ كما كانت تختزن ذاكرتنا الطفلية.
لم نخرجَ من المهجع: كان المرور على العوازل، لربما تحتفي بابتهالاتنا، توزع علينا بعض الحنين لدفء باتَ مستعصياً../
عشرون مهجع والكرنفال الاحتفالي يسير..
كان نهارٌ غير مألوف الجناحين. عرضٌ “سجنيٌ دون سابق تحضير..
أُغلقتْ الأبواب..فرشنا ماعندنا..سهرنا على نغم “العرق” السجني من صناعة علي و(ابو عزيز).
هزهزَ الرأس أكتافه..نشبتْ الذكرياتْ أظفارها..عاد كل إلى “مخدعه”..نحتضنْ وسائدنا الفارغة..
رمى بنفسه طيفٌ:
الحبيبات -اللواتي بعدهن ينتظرنَ- يسهرنَ بين صمت البيوت و “هسهسة” الأجساد الخاوية:
إلى متى؟؟
………………………………………………………………………….1- من كتاب الصديق المرحوم غسان الجباعي: المسرح في حضرة العتمة Ghassan M Jebai.
2-ارسل لي الكلمات الصديق هيثم القطريب. Haithamkatreb Cvb
3-شهادة الصديق علي الكردي-بتصرف- من كتاب غسان المسرح في حضرة العتمة Ali Alkurdi
4-قصة الرهان كتبت في سجن صيدنايا..احتفظ بها الصديق وائل وارسلها لي-خط حبر ناشف ناشف، قلم الصديق نادر الضحاك..
في النص اعلاه حوار مستقى من القصة..Wael Sawah
5-عن هذا الكرنفال، صديقنا المرحوم عبدو مكارم، كان قد كتب بعضا منها على صفحته الفيسبوكية قبل وفاته بوقت قصير..
استعرت المقدمة منها..لربما حاولت إعادة الحالة في سياق يخدم هذا الجزء من الحكايا..

 

Continue Reading

Previous: صراعات القضاء وفشل الدولة في العراق  المصدر: النهار العربي ……..عقيل عباس
Next: من نهر البارد إلى واشنطن: فلسطين وقضيّتها في رواية شخصية…حازم صاغية……..المصدر: الفراتس

قصص ذات الصلة

  • مقالات رأي

الحرب على إيران في ظل التباعد الأميركي – الأوروبي……خطار أبودياب………المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 19, 2025
  • مقالات رأي

نذر مواجهة كبرى كون كوخلين………المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 19, 2025
  • مقالات رأي

هكذا هندست الاستخبارات الإسرائيلية “الضربة المفاجئة” لإيران تقرير تفصيلي عن عمل “الموساد” في الهجوم مايكل هوروفيتز…المصدر :المجلة

khalil المحرر يونيو 19, 2025

Recent Posts

  • الحرب على إيران في ظل التباعد الأميركي – الأوروبي……خطار أبودياب………المصدر : المجلة
  • نذر مواجهة كبرى كون كوخلين………المصدر : المجلة
  • هكذا هندست الاستخبارات الإسرائيلية “الضربة المفاجئة” لإيران تقرير تفصيلي عن عمل “الموساد” في الهجوم مايكل هوروفيتز…المصدر :المجلة
  • من يخلف خامنئي في حال سقوطه؟….باريس المصدر : الشرق الأوسط
  • نتنياهو عاجز عن تحقيق أهداف الحرب بدون ترامب وليد صافي*……المصدر : اساس ميديا

Recent Comments

لا توجد تعليقات للعرض.

Archives

  • يونيو 2025
  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • الحرب على إيران في ظل التباعد الأميركي – الأوروبي……خطار أبودياب………المصدر : المجلة
  • نذر مواجهة كبرى كون كوخلين………المصدر : المجلة
  • هكذا هندست الاستخبارات الإسرائيلية “الضربة المفاجئة” لإيران تقرير تفصيلي عن عمل “الموساد” في الهجوم مايكل هوروفيتز…المصدر :المجلة
  • من يخلف خامنئي في حال سقوطه؟….باريس المصدر : الشرق الأوسط
  • نتنياهو عاجز عن تحقيق أهداف الحرب بدون ترامب وليد صافي*……المصدر : اساس ميديا

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

منشورات سابقة

  • مقالات رأي

الحرب على إيران في ظل التباعد الأميركي – الأوروبي……خطار أبودياب………المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 19, 2025
  • مقالات رأي

نذر مواجهة كبرى كون كوخلين………المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 19, 2025
  • مقالات رأي

هكذا هندست الاستخبارات الإسرائيلية “الضربة المفاجئة” لإيران تقرير تفصيلي عن عمل “الموساد” في الهجوم مايكل هوروفيتز…المصدر :المجلة

khalil المحرر يونيو 19, 2025
  • الأخبار

من يخلف خامنئي في حال سقوطه؟….باريس المصدر : الشرق الأوسط

khalil المحرر يونيو 19, 2025

اتصل بنا

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.