ولدت هولاند في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 1948، وحصلت على جوائز عديدة أعوام: 2001،2008، 2011، 2012، 2019، 2021 من بولندا، أوكرانيا، وسلوفاكيا).
قبل أيامٍ من عرض الفيلم في مهرجان فينيسيا في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، شنّ وزير العدل البولندي، زبيغنيف زيبرو، هجومًا لاذعًا على الفيلم، الذي يتناول أزمة المهاجرين العالقين على الحدود البولندية ـ البيلاروسية، ووصل الأمر بالوزير إلى مقارنة الفيلم بالبروباغندا النازية.
في ردّها على تصريحات الوزير، أشارت المخرجة إلى أنّ الوزير علّق على الفيلم من دون أن يشاهده، ووصفت كلماته بـ”الكاذبة”، و”المعيبة”. كما أشارت إلى أنّ الإهانة التي تتسبب بها هذه المقارنات تصبح مضاعفة عند أخذ تاريخ بولندا، وتاريخ عائلتها بالذات، بعين الاعتبار. تعتقد المخرجة أنّ معالجة السلطات لمشكلة الهجرة في بولندا كانت معالجة قاصرة، وتسعى بالدرجة الأولى إلى إخافة المجتمع، وأنّ وصف البروباغندا ينطبق على سياسة الحكومة البولندية وحدها. لم تكتف المخرجة بدحض مزاعم الوزير، بل أعلنت أنّها تنوي رفع دعوى قذف وافتراء، إن لم يقدّم اعتذارًا، وطالبته بدفع مبلغ 50 ألف زلوتي بولندي كتعويضٍ عن الإهانة.
حصل الفيلم على جائزة مهرجان فينيسيا الخاصّة للأفلام الناطقة بلغةٍ أجنبية. وعلى الرغم من ذلك، يرى كثير من الخبراء والنقاد أنّ محاولة الفيلم إسماع من به صممٌ في دوائر السلطات محاولة عقيمة.
طوال شهرٍ كامل، لم تهدأ الضجة التي ترافقت مع بداية عرض الفيلم، وأصبح موضوع الهجرة الجماعية، والانتقادات التي تضمنها الفيلم لتصرفات السلطات خلال الأزمة الإنسانية على الحدود البيلاروسية ـ البولندية، مادةً دسمة في الحملات الانتخابية البولندية الأخيرة، خاصّة أنّ الفيلم يتّهم السلطات وسلوكها خلال الأزمة بأنه يسيء إلى سمعة البلاد.
في مقابلةٍ أجرتها معها صحيفة “وول ستريت جورنال”، تحدثت المخرجة عن الأسباب التي دفعتها إلى إخراج الفيلم، وعن الأهداف التي سعت إلى تحقيقها من خلال الفيلم، فقالت: “بمجرد أن أدركت أنّ السلطات قد قررت إنشاء مختبرٍ للقسوة والأكاذيب على الحدود، قررت أن أصنع الفيلم بهدف معرفة إلى أيّ مدى يمكن للمجتمع أن يدعم كلّ هذه الانتهاكات في حقّ القانون، وأن يتجاهل القيود التي فرضتها السلطات على الحريات”. وأضافت هولاند أنّها تتطلع إلى أن يفهم الجمهور ما ترمي إليه. وذكّرت بالمقولة: الناس تعتاد على الأنظمة الديكتاتورية، وهذا: “أسوأ شيءٍ في الأنظمة الاستبدادية؛ أن يعتاد عليها الناس ويألفوها، وبالتالي أن يتوقفوا عن الإعراب عن استيائهم منها”.
عرض فيلم “الحدود الخضراء” في البرنامج الرئيسي لمهرجان فينيسيا الثمانين، وحصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصّة، وكان موضوع أحاديث كثير من النقاد. تدور أحداث الفيلم حول عائلةٍ من اللاجئين السوريين، ولاجئ أفغاني كان يعمل في بلاده مدرّسًا لّلغة الإنكليزية. تمكّن مؤلفو الفيلم، كما لاحظ النقاد، من إظهار مأساة اللاجئين بشكلٍ موضوعيّ مقنع، وهم الذين كانت الحكومة البيلاروسية قد وعدتهم بفرصة الوصول إلى دول أوروبا، وها هي بولندا ترفض قبولهم!
يعرض الفيلم لحظات عصيبة في الحياة السياسية البولندية، حيث كانت الانتخابات على الأبواب (جرت في 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2023)، وشكّلت الهجرة موضوعًا مركزيًا ملحًّا في برنامج ائتلاف الأحزاب اليمينية المتطرفة “ائتلاف الحرية والاستقلال”، الذي أراد من خلاله أن يحصد نقاطًا هامّة. كما حاول الحزب الحاكم كسب أصوات مؤيدي اليمين المتطرف من خلال استعراض تشدّده في مسألة الهجرة واللاجئين.
تناوب أفراد في القيادة السياسية الحاكمة على انتقاد الفيلم، ووجهوا انتقادات للمخرجة، متّهمين إياها بالنيل من سمعة البلاد. في هذا السياق، أدلى بدلوه وزير الدفاع البولندي، ماريوس بلاتشتشاك، واصفًا الفيلم بأنّه “غير محتشم”، وأنّه يشوّه سمعة الجيش البولندي الذي يحرس الحدود ويحافظ على سلامتها. كما وصف رئيس حزب القانون والعدالة، وأحد أكثر الساسة البولنديين نفوذًا، ياروسلاف كاتشينسكي، الفيلم بأنّه “مثير للاشمئزاز”. ووصل الأمر بوزير العدل زبيغنيو زيوبرو إلى اتهام هولاند بالتورط في “الدعاية للنازية”.
بدت المخرجة نفسها مندهشةٍ عندما رأت أن فيلمها في مركز ضجة سياسيةٍ وثقافية، فقالت في مقابلتها مع “وول ستريت جورنال”: “لم أتوقع مثل هذا الغضب. لقد صدمت من حجم الكراهية التي أظهرتها السلطات، ومن كثرة التهديدات التي وصلتني عبر الإنترنت”. وبالفعل، ترافقت بعض عروض الفيلم في بولندا مع احتجاجات في الشوارع، وأمام دور السينما، كما في مدينة كراكوف، التي نظم فيها نشطاء حركة الشباب البولنديين القومية احتجاجًا رافق عرض الفيلم، حيث وصفوه بأنّه دعاية تصبّ في صالح الهجرة. اجتمع أعضاءٌ من مجلس الأمن القومي البولندي، وتوصلوا إلى ضرورة القيام بنقاشٍ حول الفيلم الذي تدور أحداثه في قريةٍ بولندية قريبة من الحدود مع بيلاروسيا. وبالفعل، جرت مناقشاتٌ مطولة، أعلن وزير الدفاع بعدها للصحافيين عن قرارٍ اتخذه المجلس بدعم حرس الحدود دعمًا كاملًا.
تقول المخرجة إنّها لا تفهم تلك الاتهامات في حقها، من قبيل اتهامات وزير العدل لها بالدعاية للنازية: “لقد قتل كلّ أفراد عائلة والدي في فترة الهولوكوست. كما شاركت والدتي في انتفاضة وارسو”. ولكن هولاند، في الوقت نفسه، لا تفقد الأمل في أن يتفهم المشاهدون وجهة نظرها، فقررت المشاركة في افتتاح عرض خاصّ للفيلم في بياليستوك (المدينة القريبة من الحدود مع بيلاروسيا). بعد انتهاء العرض، جرى نقاش مع الجمهور، بحضور أربعة ضباطٍ من الأمن كانوا متواجدين تحسبًا لأيّ أمر طارئ. أجابت المخرجة فيه عن أسئلة الجمهور، التي جاءت متنوعة، واستمر النقاش حتى منتصف الليل. تساءل كثير من المشاهدين عن الرمزية في الفيلم، وعن دور سكان قرية ميشالوفو البولندية، وكذلك عن دور إحدى شخصيات الفيلم الرئيسة (حارس الحدود البولندي الذي يقوم بطرد المهاجرين غير الشرعيين وإعادتهم إلى الغابة، والذي تراوده الشكوك حول صحة تصرفاته). قالت المخرجة للجمهور في معرض ردّها: “الحارس شخصٌ جيد في واقع الأمر، وهو شابّ حسّاس. هناك على الحدود أشخاصٌ رائعون أيضًا”.