من المرجح أن تنتهي الحرب الاسرائيلية على غزة إلى واقع شرق أوسطي مختلف، تعتمد معالمه على نتائج المعركة الحالية أوالحرب الشاملة التي قد تتدحرج إليها في حال استمرارها بهذه الوتيرة الوحشية، ووسط هذه الافتراضات، تبدو سوريا في قلب أي تغيير في الجغرافية أو في الأدوار.

ليس واضحا طبيعة المكان أو المكانة التي ستحظى بها سوريا، في الترتيبات المتوقعة، لكن من المحتمل أن يجري ترتيب وضع سوريا بدون سوريين، وهو أمر يمكن تلمس مقدماته، من الصوت السوري الخافت بشدة، وغير المهم ولا المؤثر نظاماً ومعارضة فيما يتصل بالحرب على غزة، خلافا لكل تاريخ سوريا في مسيرة القضية الفلسطينية.

هذا الغياب السوري، كان نتيجة متوقعة لحرب استهلكت كل الأطراف، وتبدو إيران المستفيد الأكبر المحتمل من تأثيرها في سوريا كما في لبنان والعراق واليمن كي يكون لها مقعد مناسب في إدارة الصراع أو في التسويات التي قد تليه، وبعد نحو شهر من الحرب فإن تقدير شكل نهاياتها وأفقها يبدو غير واضح، لكن الثابت الوحيد المعروف بعد كل الحروب أنها تقود إلى تسويات تناسب حجمها، وتتعلق بنتائجها، وتضمن مشاركة الأطراف المؤثرة والمشاركة، لتحدد مستقبل المنطقة وسكانها.

من هذه الزاوية، فقد نشهد نمطاً يشبه في شموليته مؤتمر مدريد 1991 يحضره كل المؤثرين إقليميا ودوليا، لكنه على الأغلب لن يدعو بشار الأسد المعزول دولياً، ولا معارضيه الذي ما زالوا خارج شرعية التمثيل الرسمي المعترف به دوليا، وهنا ستكون سوريا وهي أكثر دول المشرق العربي مركزية وأهمية، عرضة للتجاذبات والتسويات وعمليات المساومة وربما الابتزاز.

وحتى ذلك الحين تتحول سوريا بشكل متسارع إلى ساحة لامتدادات الحرب الممكنة، وقد بدأت إرهاصات ذلك فعلاً بتعرض القوات الأميركية في قاعدتي التنف والشدادي لقصف بالصواريخ والطائرات المسيرة من قبل ميليشيات عراقية، لكن هذا القصف لم يبدأ  في حرب غزة، بل أنه يبدو في سياق هذه الحرب القاسية، تداخلا غير فعال، وغير مؤثر، ولن يتسبب على الأغلب برد أميركي فوري.

لكن أنماطا أخرى من الانخراط السوري في الحرب يمكن أن تكون اكثر خطورة وتأثيرا، وأعني بها تلك العمليات التي يمكن نظريا أن تقوم بها الميليشيات التابعة لايران انطلاقا من نقاط التماس مع الجولان المحتل، وهذه ستكون تحولا كبيرا في العلاقة بين نظام الأسد وإسرائيل، وهي علاقة ظلت ساكنة، ولم تتعد حالة القصف الإسرائيلي الجزئي، والرد الحكومي السوري اللفظي، وهو ما أبقى حالة الهدوء على الجهة السورية منذ 1973، كما منح نظام الأسد الأب والأبن أفضلية إسرائيلية وأميركية، وسمح له بان يمضي في قمع الثورة، والتحالف مع إيران وروسيا، لحمايته.

وتبدو احتمالية تحريك جبهة الجولان ضعيفة، رغم الحشود العسكرية الايرانية الكثيفة، لا سيما بعد خطاب زعيم حزب الله حسن نصر الله، وقراره إبقاء مواجهات الحزب مع إسرائيل في الحدود الراهنة ضمن قواعد الاشتباك المعروفة، مع “إبقاء كل الخيارات مفتوحة”، لكن هذه الاحتمالية الضعيفة تظل ممكنة ولا يمكن استبعادها في أي وقت تخرج فيه الأوضاع عن السيطرة، لا سيما بالنسبة لحزب الله.

وفضلا عن الميليشيات التابعة لايران، فإن أنباء تحدثت عن احتمال تجنيد مقاتلين من (وحدات حماية الشعب) الكردية المدعومة أميركيا للقتال إلى جانب إسرائيل، كما أن المسلحين المعارضين المنتشرين في مناطق شمال غرب سوريا ربما يكون لهم دور في مرحلة ما إذا ما توسعت الحرب بالفعل، لكنهم بدون ذلك، سيكتفون بانتظار ما تنتج عنه التسويات المرتقبة ومواقف دول داعمة لهم وأبرزها بالطبع تركيا.

وفي كل الأحوال فإن سوريا نظاما ومعارضة يبدوان اليوم خارج المدى والتأثير، حيث الأول مرهون لرعاته الروس والإيرانيين، وفي نفس الوقت محكوم بخطوط حمرمع إسرائيل قد يكون رأسه ثمنا لتجاوزها، أما المعارضة، فهي فضلا عن ضعفها السياسي المعهود وقلة حيلتها وانقسامها، فإنها تجد نفسها في منطقة رمادية صعبة، فهي تمثل شعبا مؤيدا بالفطرة والتاريخ لفلسطين ومقاومتها، لكنها أيضاً تعادي نظاما يحمل وحلفاؤه نفس الشعارات والمواقف، وهي بالقطع لا تريد ولايريد خصومها كذلك، الحضور في المركب ذاته، وكل منهما يطعن بمصداقية الثاني في الموقف من فلسطين..

هذه المعضلات وسواها لاتبقي لسوريا أرضا وشعبا سوى انتظار النتائج، وما ينتج عن حروب الآخرين من تداعيات وتسويات واتفاقات، وعليهم أن يقبلوا بذلك مهما كان للاسف الشديد.