الهجرة السورية عبر الغيوم (خدمة المعرض)

في معرض الرسام  السوري محمد خياطة يمكننا التحليق بحرية والاشتباك مع خيالاتنا وأحلامنا الصغيرة. في هذه اللوحات نرى أشخاص محمد خياطة يحلقون بين السحب، ورجالأ ونساء وحتى صغاراً يحلمون بأوطان تحتويهم. يهاجر أشخاص محمد خياطة بعيداً، لا يعبرون البحر عبر  أو قوارب الموت  يغامرون بالسفر واقتحام الحدود، بل يشقون الغمام حاملين أحلامهم في حقائب سفرهم. المراكب والسحب وحقائب السفر هي عناصر تتكرر في هذه اللوحات، وهي عناصر توحي بالترحال والاغتراب، كما تشي بالحلم الذي يسكن قلوب هؤلاء الأشخاص الباحثين عن الأمان في عالم بالغ القسوة

يقام المعرض في غاليري آزاد في القاهرة تحت عنوان “المشيمة”، ويضم مجموعة متنوعة من أعمال خياطة التي يجمع فيها بين التصوير والرسم، إلى جانب أعمال أخرى يوظف خلالها أعماله المرسومة داخل مشاهد فوتوغرافية.

تتميز الأعمال التي يعرضها محمد خياطة بأجوائها الحالمة وألوانها المبهجة، فالشخصيات تتحرك وسط فراغ مخملي، بينما تشغل أوراق الشجر والأزهار والسحب الجانب الأكبر من مساحة اللوحة. ولكن رغم هذه البهجة التي ترمز لها عناصر اللوحات، فثمة شعور جارف بالأسى والحنين يسيطران على ملامح الشخصيات المرسومة. تتفرد شخصيات الفنان السوري محمد خياطة بهيئتها الخاصة، فالمبالغة سمة رئيسية في تكوينها، يتفاوت مقدار هذه المبالغات من شخصية إلى أخرى بحسب الدلالة التي يريد الفنان التعبير عنها. قد تستطيل الأذرع وتمتد كي تساعد صاحبها على التحليق أو تحَمُل ثقل الأشياء، كما يستديرالجسد ويتعاظم حجم الرأس إذا ما أراد التعبيرعن مشاعر الأشخاص وانعكاس أحلامهم أو ربما خيبات الحياة وقسوتها على ملامحهم.

يرسم خياطة رجلاً لا يظهر منه سوى نصف الوجه، بينما يمتلىء الرأس بحقائب السفر وتتوزع نتف من السحب البيضاء في الخلفية أو تتسلل لتداري جانباً من الملامح المرهقة للوجه. تتكرر هذه الرموز والمعاني في لوحات خياطة التي يقدمها في هذا المعرض لتشي بأسلوبه الذي تخيم عليه الرغبة في الحكي وإعادة صوغ الروايات.

يستعيد خياطة جانباً من الموروث والمعتقدات الشعبية الشامية ويعيد صوغها في بعض لوحاته. في واحدة من هذه اللوحات تطالعنا فتاة ذات وجه مستدير وجسد شبه عار، بينما يطل جسد لرضيع من تحت ملابسها، ففي الموروث الشامي حين تتأخرالمرأة في الإنجاب يأتون بطفل رضيع ويخبئونه أسفل ملابس المرأة، كإيهام بالولادة وتبشير بها. أما المشيمة التي اتخذها الفنان عنواناً لمعرضه فهي تشي بالدفء والرغبة في الاحتماء والحاجة إلى الإحتواء.

تشعرنا لوحات محمد خياطة أن هناك طرفاً مفقوداً أو غير حاضر، ربما يتمثّل هذا الغياب في حبيب أو ذكرى أو مشاعر الحنين إلى الوطن. وإذا ما تأملنا أعمال خياطة على هذا النحو، نجد مسوغاً لتقبل مشاعر الفقد والحنين التي تخيم على العديد من أعماله، فالمشهد هنا ملىء بالأسى دائماً رغم هذه الأجواء الحالمة.

 

يقول خياطة إن أعماله تسلط الضوء على تعقيدات الحياة وتوجهاتنا المتعددة، سواء كانت تتعلق بنهاية لقاء أو علاقة أو حلم. وهو يرى أن حياتنا عبارة عن سلسلة مستمرة من التجارب واللحظات والصدمات والتفاعلات. من خلال فنه، يتعمق خياطة في العلاقات المعقدة بين الأجيال المختلفة، مستفيداً من تجربته الشخصية في فقدان والدته أثناء اغترابه. يجسد خياطة في أعماله المعروضة كما يقول، المشاعر المعقدة التي تصاحب مثل هذه الخسارة ويلقي الضوء على رواسب هذه الصدمات وتأثيرها.

ولد محمد خياطة في دمشق عام  1985 وتخرج في معهد الفنون الجميلة في جامعة دمشق. تتعدد وسائط التعبير عند محمد خياطة، من الرسم إلى التصوير والنحت وحتى الموسيقى، وغالباً ما يجمع بين أكثر من وسيط ليقدم لمتابعيه استكشافاً متعدد الطبقات لمفاهيم الهوية والاغتراب. عرض خياطة أعماله في معارض فردية وجماعية في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط، وهو يعيش ويعمل متنقلاً بين بيروت ودمشق.