مع أنه لم يتبق سوى عشرة أيام على إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية في إيران، لا يشغل الحدث المرتقب حيزاً واسعاً في وسائل الإعلام الرسمية، ولا يوليه الإيرانيون اهتماماً كبيراً أو جدياً.
وأظهرت استطلاعات رأي أن أكثر من 60% من الناخبين لم يقرروا بعد بشأن المشاركة في العملية الانتخابية. فهل سيظل الوضع على حاله أم أنه سيتغير في الأيام العشرة المقبلة الفاصلة عن فتح
صنادق الاقتراع؟
بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرته الشهر الماضي، كان يتعين وفقاً للدستور انتخاب رئيس جديد للبلاد خلال 50 يوماً كحد أقصى. هذا يعني أن فرصة التنافس السياسي ستكون محدودة جداً.
وربما يدفع هذا إلى تبرير موافقة مجلس صيانة الدستور على المرشح مسعود بزشكيان المعروف بصراحته وشجاعته في نقد السياسات الايرانية، سعياً إلى إضفاء بعض السخونة إلى الأجواء الانتخابية. ولا ننسى أنه في الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين لرئاسة الجمهورية والبرلمان عامي 2021 و2023، سجلت أدنى نسبة مشاركة سياسية منذ الثورة الإسلامية. وهنا يبرز التساؤل عما إذا كان مسعود بزشكيان سيتمكن من إحداث تغيير، وتعبئة عدد كبير من الناخبين وإخراجهم من حالة عدم اللامبالاة إلى حالة التفاعل والنشاط إزاء الانتخابات.
وإذ تتجه القاعدة الاجتماعية للإصلاحيين بأنظارها صوب بزشكيان وبدعم رسمي من الرئيس الأسبق محمد خاتمي، ومع انحسار الشكوك في قدرة الإصلاحيين وفاعليتهم في الساحة الانتخابية، إلا أن واقع الحال هذا لا يضمن تفاعلاً واسعاً حتى موعد الانتخابات.
وربما يكون أحد الأسباب هو عدم توافر الوقت الكافي للأحزاب ووسائل الإعلام لتهيئة المجتمع للدخول في المشهد الانتخابي، لكنّ السبب الأساسي هو أمر آخر، إذ يمكن تسجيل مستويين من المنافسة في إيران هذه الأيام: منافسة بين المرشحين وهو ما يحصل عبر وسائل الإعلام الرسمية، والتنافس الأهم والأعمق هو بين تيارين فكريين من الشعب ولا ينعكس في وسائل الإعلام، لكن يمكن رصده بشكل أكثر وضوحاً في شبكات التواصل الاجتماعي. ففي هذا المستوى يسعى هذان التياران لجذب الطبقات الاجتماعية الصامتة وغير النشطة في المجتمع للانتخابات.
يشمل التيار الأول الأفراد المعترضين على النظام السياسي بسبب أحداث عامي 2019 و2022، والذين يعتبرون أن مجرد المشاركة في الانتخابات هو إعلان موافقة ضمنية على سلوك الحكومة في التعامل مع المتظاهرين في تلك السنوات، ولذلك، فهم لا ينوون الاعتكاف فحسب، وإنما يدعون الآخرين أيضاً إلى مقاطعة الانتخابات.
أما التيار الثاني فهو الذي يعتقد أن التنحي جانباً ومقاطعة الانتخابات إنما سيكون في صالح الجماعات السياسية المتطرفة، وستكون النتيجة غير المرغوب فيها إغلاق الأفق الاجتماعي وتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد. ويعتقد هؤلاء أنه على الرغم من عدم وجود خيار جيد ومحبب بين المرشحين، فإنه منعاً من أن يفوز بالسلطة الخيار الأسوأ، فلا بد من التصويت للخيار السيئ. وبناء عليه، فإن المشهد السياسي في إيران خلال السنوات المقبلة سيكون رهناً بهذا القرار. فأيّ مجموعة ستكون قادرة على كسب ود المجتمع
الإيراني وترجيح كفتها؟
أسبوعان حاسمان للغاية، ولا يمكن التكهن بنتائج الانتخابات بشكل قاطع. لكنه يمكن القول إن مشاركة مسعود بزشكيان قد تحفز بعض المترددين، وإلا فالفوز سيكون حليفاً لمحمد باقر قاليباف.