
تشهد العلاقات الاقتصادية بين دولة الإمارات العربية المُتحدة وإقليم كردستان العراق نمواً متسارعاً في مختلف المجالات، في ظلّ توافق سياسي ورؤية مشتركة تجمع الطرفين تجاه القضايا الإقليمية.
الاجتماع الاقتصادي والتنموي الموسّع الأخير الذي عُقد في أبو ظبي بين الفريق الاقتصادي في إقليم كردستان، برئاسة رئيس هيئة الاستثمار في الإقليم الدكتور محمد شكري، والهيئات النظيرة في دولة الإمارات، برئاسة وزير الاقتصاد عبدالله بين طوق المري، استعرض مختلف ملفات التعاون الاقتصادي بين الجانبين، وسمح لوفد الإقليم بالاطلاع على “النموذج والتجربة الاقتصادية في دولة الإمارات”، وفق مصدر من هيئة الاستثمار في الإقليم، تحدث لـ”النهار العربي”.
انفتاح الإقليم على خيارات أوسع
كان إقليم كردستان قد اتخذ قراراً بتأسيس “مجالس مشتركة لرجال الأعمال”، بينه وبين دولٍ أخرى، مستفيداً من تجربة الإمارات في ذلك الإطار، لإيجاد حيوية في مجالات التعاون المشترك، خصوصاً بين شركات القطاع الخاص ورواد الأعمال. كذلك يسعى الإقليم لزيادة نسبة الملكية للمستثمرين الأجانب، وتقديم تسهيلات إدارية وخدماتية للقطاع الاستثماري، وتقديم العديد من الحوافز القانونية والاقتصادية. فارتفاع أعداد الشركات العاملة في دولة الإمارات إلى أكثر من 550 ألف شركة، كان نتيجة قرارات وسياسات استراتيجية ذات رؤية، خلقت هذا التراكم طوال ثلاثة عقود متتالية، وهو ما يرغب الإقليم في الاستفادة منه.
الاجتماعات الثنائية تحوّلت إلى ورشة عمل مطوّلة في مقر وزارة الاقتصاد الإماراتية، تبعتها سلسلة من الزيارات لوفد الإقليم إلى المؤسسات المعرفية والحكومية والاستثمارية والمناطق الحرّة. كذلك راجع الطرفان بنود وآلية تنفيذ “الشراكة الاستراتيجية في التحديث الحكومي”، والتي توافق عليها الطرفان أثناء أعمال القمّة العالمية للحكومات عام 2022، والتي عُقدت في الإمارات العام الماضي.
تعزيز التعاون الزراعي
شهدت الشهور الماضية زيادة استثنائية في مجال التعاون الزراعي، فعدد من الشركات الإماراتية الرائدة على مستوى العالم بدأت أعمالها الاستثمارية في الإقليم، خصوصاً في مجال زراعة أشجار الزيتون والمشمش. وبينما أعلنت وزارة الزراعة في كردستان العراق البدء بتصدير البطاطا المنتَجة في الإقليم إلى دولة الإمارات، بمعدل 500 طن أسبوعياً، ولصالح سلسلة مطاعم الوجبات السريعة العاملة في الإمارات، تأمل حكومة الإقليم بتصدير البطاطا إلى مختلف دول الخليج العربي، عن طريق دولة الإمارات، فالإنتاج المحلي لكردستان العراق من محصول البطاطا يزيد عن 600 ألف طن سنوياً، ستُضاف إلى 2000 طن من الرمان المحلي، صدّره الإقليم إلى الإمارات، وكميات ضخمة من العسل المحلي، باعتبار أنّ الإمارات سوق عالمية لتصدير العسل.
الباحث في الاقتصاد السياسي جمعة هسواني شرح في حديث لـ”النهار العربي” كيف أنّ التناغم السياسي والتوافق في الرؤية لمستقبل المنطقة بين الطرفين هو ما يفتح الآفاق والمجالات المشتركة بينهما، وقال: “في المحصّلة ثمة تياران سياسيان واضحان في المنطقة، واحد يضمّ الدول والجهات التي تعقد وتصرّ على أنّ منطقتنا يجب ومن المفترض أن تصبح جزءاً من التنمية والتطور في اقتصاد العالم، ومحاولة تحييد الخلافات السياسية والإيديولوجية والتاريخية قدر المستطاع، ليعمل الاقتصاد على جبر الهوة بين المتنازعين، وهو ما تشكّل دولة الإمارات مركزاً له، ويسعى إقليم كردستان لأن يصبح جزءاً من هذا التوجّه. وفي المقابل ثمة مجموعة من الدول والأنظمة التي تعمل على إثارة أجواء صراع على الدوام، وتحويل القوة والأدوات الحربية والعسكرية أداة وحيدة للتوافق السياسي”.
COP28 باب لفرص كبيرة
ووجّهت دولة الإمارات دعوات رسمية إلى رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني ورئيس الوزراء مسرور بارزاني، للمشاركة في القمّة العالمية للمناخ COP28، التي ستُعقد يومي 1 و2 من شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل في “إكسبو دبي”، وتتزامن مع اليوم الوطني لدولة الإمارات.
تُعتبر دولة الإمارات من أكثر الجهات دعماً لمشروع “القناة الجافة” التنموي، الذي يسعى للربط بين ميناء البصرة البحري ومعبر “إبراهيم خليل” الحدودي بين العراق وتركيا، وذلك لنقل كميات ضخمة من البضائع بين دول الخليج العربي وباقي المناطق الآسيوية وإلى القارة الأوروبية، وبالعكس. لكن ذلك يشهد حساسية سياسية داخل العراق، فإقليم كردستان يعتقد أنّ الحكومة المركزية العراقية، أو بعض الأطراف السياسية المؤثرة علبها، تسعى لاستبعاد الإقليم من هذا المشروع، لإضعافه اقتصادياً، وهو ما يدفع الإقليم لأن يستعين ببعض الجهات الرئيسية القائمة على المشروع، مثل دولة الإمارات.
ووفق الأرقام الرسمية، فإنّ حجم التبادل الاقتصادي بين دولة الإمارات وإقليم كردستان العراق يتجاوز 7 مليارات دولار، وثمة توافق مبدئي بين الطرفين على مضاعفة الرقم خلال 5 سنوات، خصوصاً من خلال الفريق الاقتصادي الذي شكّله رئيس وزراء الإقليم، المكلّف بتهيئة الظروف وتقديم التسهيلات لتصدير منتجات إقليم كردستان إلى دولة الإمارات.