يمكن فهم موقف طهران من المرشد الأعلى الذي حرص بعد ثلاثة أيام من “طوفان الأقصى” مؤكداً عدم تدخل إيران أو أن يكون لها أي دور في قرار “حماس” (رويترز)

في غمرة ما يشهده غزة من حرب مفتوحة تقوم بها إسرائيل على حركة “حماس” من جهة، وأهل القطاع من جهة أخرى، انتقاماً لما تعرضت له من انتكاسة قاسية نتيجة العملية العسكرية التي قامت بها “كتائب القسام” الجناح العسكري لـ”حماس”، قد يكون من المناسب التوقف ملياً أمام الرأي أو الكلام اللافت كثيراً حول حقيقة الموقف الإيراني أو “النظام الإسلامي” من إسرائيل ومستقبلها، الذي صدر عن كبير الباحثين في مركز دراسات الشرق الأوسط الإيراني محمد علي مهتدي الذي سبق أن عمل ملحقاً ثقافياً دبلوماسياً في السفارة الإيرانية لدى بيروت عام 1999.

بدايةً، لا بد من الإشارة إلى أن مركز دراسات الشرق الأوسط، الذي يترأسه حسين موسوي، هو من أقدم مراكز الدراسات الاستراتيجية التي أنشئت بعد انتصار الثورة الإيرانية، ورئيسه موسوي على علاقة مباشرة بمكتب المرشد الأعلى، ويعبر في كثير من الأحيان عما يدور من نقاشات وراء هذا المكتب، إضافة إلى علاقته الوثيقة والقريبة من المرشد نفسه، وقد ذكرت بعض التقارير الصحفية أن المركز يتلقى مساعدات من مكتب المرشد وعلى علاقة مباشرة ووثيقة بمراكز القرار والدولة العميقة والمؤسسة العسكرية، بخاصة حرس الثورة، وأكثر العاملين أو الباحثين فيه على علاقة بهذه المؤسسة بطرق ووسائط مختلفة، ويتصدرون المقاعد الأساسية في تمثيل إيران والنظام في المنتديات العلمية المحلية والدولية في الداخل والخارج.

وبعيداً من أي تدخل أو تفسير لما قاله كبير باحثي هذا المركز خلال الندوة التي أقامها مركز دراسات “إطلاعات” التابع لمؤسسة “إطلاعات” الإعلامية تحت عنوان “مصير حرب غزة والسيناريوهات المحتملة”، والتي شارك فيها إلى جانب الكاتب الصحافي المعارض والمتخصص في شؤون الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي أحمد زيد آبادي، يكشف في خلاصته عن سياسة النظام واستراتيجيته في التعامل مع إسرائيل وحقيقة الموقف الإيراني من هذا الكيان، والذي يشكل إشارة أولى واضحة عن هذه الحقيقة، والتي تكتسب أهميتها لكون مهتدي من المقربين من مركز القرار ويتولى مسؤولية رئاسة دورية “دراسات الشرق الأوسط” التي تصدر عن المركز، من ثم من المستبعد أن يكون كلامه رأياً شخصياً، بل تعبيراً عن موقف طالما لم تفصح عنه القيادات الإيرانية بهذا الوضوح.

ومهتدي في مداخلته في هذه الندوة لم يتكلم فقط عن الموقف الإيراني والنظام الإسلامي من الكيان الإسرائيلي، بل تحدث أيضاً عن موقف حزب الله  اللبناني الذي لا يختلف عن الموقف الإيراني، ولم ينس المرور على موقف المحور تلميحاً.

 

يقول مهتدي كما جاء في النص الذي نقلته صحيفة “هم ميهن” الإصلاحية المعتدلة في عددها الصادر في 29 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في تقريرها عن هذه الندوة، والذي سأنقله من دون أي تدخل:

“لم يقل أحد إننا نريد أن نقضي على إسرائيل، فإذا أرادت الجمهورية الإسلامية إزالة إسرائيل، لكانت وضعت خططاً لذلك منذ بداية الثورة، كل صدام حصل مع إسرائيل، كان عملاً دفاعياً قامت به الدول. لقد احتلت إسرائيل لبنان، واللبنانيون قاوموا وأخرجوا إسرائيل عام 2000، ولبنان حتى اليوم في حالة الدفاع عن النفس، ولم يقل يوماً إنه يريد القضاء أو إزالة إسرائيل، والأمر نفسه بالنسبة إلى العراق…، نحن نقول إذا دخل (حزب الله) في الصراع فسيقضي على إسرائيل، لكن لم نقل إن (حزب الله) يريد القضاء على إسرائيل، من الذي قال إننا نريد القضاء على إسرائيل، إذا ما كانت إيران قد ساعدت (حزب الله)، كان الهدف أن تساعدهم في الدفاع عن أنفسهم، (حزب الله) يعمل بشكل عقلاني، ولديه غرفة عمليات، والعقدة التي يمكنه حلها بالأصابع لا داعي لكي يستخدم الأسنان. الاشتباك اليوم على الحدود، وإذا قامت إسرائيل بتوسيع دائرة المعركة، فإن (حزب الله) سيعمد إلى توسيع دائرة الحرب. هذه القوات لا تخضع لأوامر إيران، و(حزب الله) هو الذي يملك القرار. طوال هذه السنوات لم أطلب مساعدة من (حزب الله) سوى مرة واحدة، وكانت تتعلق بموضوع الدبلوماسيين الأربعة (المختطفين في لبنان منذ عام 1982)، ولم يستطع الحزب القيام بأي عمل، عندما قامت إيران بمساعدة (حزب الله)، لم يكن لديها استراتيجية خلق قوة تابعة لها، وقامت بمساعدة الشيعة اللبنانيين بناءً على أوامر رسول الله. أما ما يتعلق بإمكانية زوال إسرائيل أو عناصر الحفاظ على هذا الكيان، فهو بحث علمي، ولكن لا إيران ولا الحزب يملكان حتى الآن استراتيجية للقضاء على إسرائيل”.

انطلاقاً من هذه القراءة التي يقدمها الباحث والدبلوماسي الإيراني لموقف إيران من القضية الفلسطينية وإسرائيل، يمكن فهم المواقف التي أطلقتها القيادات الإيرانية الرسمية، من المرشد الأعلى للنظام الذي حرص بعد ثلاثة أيام من عملية “طوفان الأقصى”، وأكد، بشكل قاطع، عدم تدخل إيران، أو أن يكون لها أي دور في القرار الذي اتخذته حركة “حماس”، ثم في خطاب آخر، حاول تقديم نصيحة للإدارة الأميركية وتحذيرها، في الوقت نفسه، من مغبة استمرار عمليات القصف الإسرائيلي للمدنيين في غزة، والخطاب للإدارة الأميركية جاء بناءً على قناعة المرشد بأن إدارة الحرب انتقلت إلى اليد الأميركية، لذلك حاول إيصال رسالة لها من تداعيات أي تطوير للأمور نحو التصعيد المفتوح، لأن ذلك سيؤدي إلى تفجير الأوضاع، وقد تخرج الشعوب والقوى المعنية بالتطورات في غزة وفلسطين، عن السيطرة، وهذا لن يكون في صالح الجهود المبذولة للحفاظ على الكيان الإسرائيلي.

هذا التحذير يصب في سياق ما كشف عنه الدبلوماسي والباحث مهتدي، وأن إيران حريصة على استمرارية هذا الكيان، وعدم تجاوزه الخطوط الحمراء التي قد تخلط كل الأوراق، وقد تجبر إيران على الذهاب إلى خيارات لا تريدها أو ترغب فيها، بخاصة أن فرض وقف لإطلاق النار سيكون على حساب إسرائيل وحساب مشروعها الإقليمي ويشكل هزيمة غير مكتملة لها، من ثم هذا ما تريده إيران التي تسعى إلى الحد من الطموحات الإسرائيلية التي تهدد الطموحات الإيرانية في الإقليم الشرق أوسطي.