انتاب الشارع الأردني نشوة كبيرة بعد وصول أخبار عملية “طوفان الأقصى” العسكرية لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، التي رافقها تداول فيديو وتعليقات ساخرة عن هروب واسر أعداد كبيرة من الإسرائيليين الفارين من المستوطنات، وتسجيل ارتفاع غير مسبوق في أعداد القتلى والأسرى الإسرائيليين، لم تشهده إسرائيل طيلة تاريخ حروبها مع حركات المقاومة الفلسطينية. انعكست خالة النشوة الأردنية في شكل احتفالات في الشوارع العامة، وترديد هتافات لفلسطين وقيادة كتائب عز الدين القسام في حركة حماس.
من الاحتفال إلى الاحتجاج
بعد استيعاب الصدمة، خرج رئيس الحكومة الإسرائيلي نتنياهو معلنًا أن ، وقام بتشكيل ، أعلنت نيتها الانتقام والرد العنيف على حماس في غزة، عبر عملية عسكرية أطلقت عليها اسم ، راح ضحيتها . الأمر الذي أثار مشاعر الشارع الأردني الذي بدأ ينظم في المدن، تحولت لاحقا إلى مظاهرات، شارك فيها، توجهت نحو السفارة الإسرائيلية في عمّان، في محاولة لدخولها بداخلها لولا تصدي رجال الأمن الأردني.
تحولات في الموقف الشعبي
لدى حماس، فقد كانت مكاتبها في عمّان، ومن أجلها كاد الملك الحسين بن طلال أن بين الأردن وإسرائيل بعد محاولة الأخيرة اغتيال خالد مشعل خلال تواجده في الأردن. يعتبر مشعل أحد مؤسسي الحركة وقد شغل في وقت سابق منصب رئيس المكتب السياسي للحركة، والآن يرأس مكتبها السياسي في الخارج. وكان لديه حضور وتأثير في الشارع الأردني، إلا أن مشعل والحركة بشكل عام،بشكل كبير بسبب الشأن السياسي الإقليمي على حساب دورها الأول المتمثل في المقاومة، وزادت الفجوة بين الحركة والشارع الأردني بعد التقارب الصريح مع السوري قبل سنوات. إلا أن الحركة أعادت تجديد نفسها بشكل كبير في الأردن بعد هجمات 7 أكتوبر /تشرين الأول.
نادت الاحتجاجات الأخيرة في عَمّان الذراع العسكري لحركة حماس، تحديدًا محمد الضيف القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، والناطق الرسمي باسم الحركة أبو عبيدة، ويحيى السنوار رئيس حركة حماس في غزة، في حين غابت عن الاحتجاجات أسماء شهيرة مثل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، وخالد مشعل رئيس مكتبها الخارجي أو الدولي. وفي ذلك مساران من التحول: الأول أن الجماهير الأردنية المناصرة للقضية الفلسطينية تفضل المواجهة العسكرية المسلحة على المواجهة السياسية، والثاني أن ضعف السلطة الفلسطينية الذي أحدثته حركة فتح والحركات اليسارية والحزبية تنتقل إلى صفوف حركة حماس، التي لم تعد مجرد حركة، بل تكرست في الذهنية الأردنية والعربية كأيديولوجية.
النزعة العشائرية الأردنية وهوية المقاومة
تمثل العشائر في الأردن إحدى ركائز النظام الاجتماعي والسياسي والأمني في البلاد، ولدى العشائر يساند الفلسطينيين منذ نكبة 1948، وخلال فترة وحدة الضفتين في الحروب ضد الجيش الإسرائيلي. الجديد في مؤخرًا في أحداث غزة كان لحماس بشكل عام، ولكن مع تخصيص وتأييد واضح لشخصية محمد الضيف الذي تردد اسمه كثيرًا في الخطاب الاحتجاجي ، منذ بدء الحرب بين غزة وإسرائيل.
الموقف الرسمي الأردني ولهجة الحرب
بقي الموقف الأردني تجاه الحرب في غزة في مرحلة على الأحداث الجارية، خصوصًا مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي والرئيس بايدن الذي. من بين التحولات الأخرى المتعلقة بالموقف الأردني الرسمي، في خط الخطاب السياسي، والذي اتخذ موقفًا حادًا من الممارسات الإسرائيلية بحق المدنيين في غزة. كما قام ب الاشراف على قوافل المساعدات التي قدمها الأردن إلى غزة عبر معبر رفح المصري.
بينما بذل وزير الخارجية أيمن الصفدي جهود كبيرة في الأمم المتحدة، انتهت إلى تبني صوتت له 120 دولة لوقف يدعو إلى “هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية”، وإلى قف إطلاق النار بين إسرائيل و حركة حماس، إلا أنه يبقى قرار غير ملزم ، إلا أن هجمات الجيش الإسرائيلي على المدنيين في غزة تزداد دون توقف. ومؤخرا، اتخذ الأردن خطوة مهمة سفير الأردن في إسرائيل.
وعلى ما يبدو، تتعامل السياسة الخارجية الأردنية مع ملف الحرب على أنه مرحلة استباقية لمرحلة توسع في رقعة الحرب من غزة إلى الضفة الغربية، وقد يحدث ذلك في أي لحظة. وقد عملت الحرب الدائرة في غزة على استشعار الأردن بخطورة التغيير في المعركة، خصوصًا وأن إسرائيل التي تمتلك الضوء الأخضر والدعم الأمريكي لوجستيًا وسياسيًا، تقوم بممارسة رد الفعل المتسرع الذي قد يعمل على تدويل الأزمة ويضع الشرق الأوسط في حالة توتر مفتوح لا يمكن السيطرة عليها بسبب تعدد أطرافها وخصوصية جغرافيتها السياسية. وهذا هو الهاجس الأهم بالنسبة للأردن، ويبدو أن هناك تنسيقًا وتقاسمًا للأدوار بين الأردن ومصر، بحيث تكون غزة شأنًا مصريًا بالدرجة الأولى، وتكون الضفة كذلك بالنسبة للأردن الذي يخشى من سيناريو “الترانسفير” الذي يعتبره تعديًا على الأمن القومي ونهاية فكرة فلسطين. وهنا نجد خطابًا جديدًا غير مسبوق بالنسبة للأردن الذي إلى خطابه المتعلق بالقضية الفلسطينية.
تغيرت اللهجة السياسية الأردنية بشكل حاد تجاه إسرائيل، التي تعيش واحدة من أسوأ علاقاتها مع الأردن. ومن الواضح أن الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين تساهم بشكل متسارع في تكريس “أيديولوجية حماس” في ذهنية الفلسطيني أولاً، ثم في ذهنية الأردني والعربي. وهذا ما يضع مستقبل الأمن والاستقرار المدني في إسرائيل على المحك، خصوصًا مع التغيرات الجديدة في الخريطة السياسية للمنطقة العربية والشرق الأوسط، وما يرافقها من تحالفات جديدة، بداية بن تكتل “، وقرب تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، ومن جهة أخرى تزايد الحضور الإيراني في المنطقة العربية.
عبدالله الجبور، هو باحث في معهد السياسة والمجتمع، درس العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية بجامعة الحسين بن طلال، تتركز أبحاثه على قضايا الهوية والمواطنة، والدولة والتحول الديموقراطي. لمتابعته على “أكس”
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.