اسم إدغار كايس يشكل علامة مثيرة في تاريخ أميركا المعاصر (مؤسسة إدغار كايس)

من هو هذا الأميركي الذي يعيد الأميركيون في حاضرات أيامنا قراءة أوراقه، لخطورة ما جاء فيها، وسواء كان موصولاً بالولايات المتحدة، أم بروسيا الاتحادية، أو بقية العالم؟

لقد بات اسم إدغار كايس يشكل علامة مثيرة في التاريخ المعاصر، وبخاصة في ظل تناوله أحداثاً مثيرة كانت غائبة وربما غائمة عن الأعين في الماضي، عطفاً على أحداث أكثر إثارة عن المستقبل، وقد يكون الأخير هو ما يشغل الأميركيين على نحو خاص لارتباطه بأحداث وتطورات سياسية واقتصادية، اجتماعية وثقافية، في هذه الأيام التي تمر فيها الولايات المتحدة بتغيرات ذهنية وفكرية تدعو لرصدها والاهتمام بتفسيرها.

إنه أكثر المتنبئين إدهاشاً في القرن العشرين، وظاهرة لا تزال لغزاً للجميع حتى بعد وفاته بنحو ثمانية عقود.

يتساءل الأميركيون اليوم: كيف صدقت غالبية تنبؤات كايس على هذا النحو المخيف، وهل ستمتد التوقعات إلى ما هو أبعد من ذلك، فتصدق على سبيل المثال رؤاه الخاصة بأحوال الكوكب الازرق من ناحية المناخ، أو عن الظواهر الطبيعية المخيفة التي يمكن أن تصيب الكرة الأرضية لا سيما الزلازل، ناهيك عن توقعاته السياسية لجهة روسيا بنوع خاص، حيث يعلق عليها آمالاً عريضة لجهة استنقاذ العالم أخلاقياً وروحياً؟

من هو كايس أول الأمر، ومن أين بدأت قصته، وإلى أين تمضي في المدى المنظور؟

في كنتاكي كانت البدايات

في الثامن عشر من مارس (آذار) عام 1877 ولد إدغار أحد ستة أطفال لأبوين مزارعين، ليزلي وكاري، وقد تزوج في سن العشرين من جيرترود إيفانز، وذلك في 13 مارس (آذار) 1897، وأنجبا ثلاثة أبناء.

في طفولته جرت المقادير بأشياء عجيبة في حياة الصبي إدغار، فقد أصيب في عموده الفقري، وحين عاده الطبيب وقد كان في حالة شبه واعية، قام بإملاء وصفة علاجه على الطبيب.

في اليوم التالي حين استيقظ، لم يكن متذكراً أي شيء مما وصفه للطبيب، وكما فعل مع نفسه، هكذا صنع في حياته مع الآلاف الآخرين، منقذاً حيواتهم ومقدماً لهم العلاجات والأدوية اللازمة.

على أن بدايته العلنية ارتبطت بفقدانه للنطق في سن الثالثة والعشرين، وعودته للكلام مرة أخرى بعد علاجه عبر التنويم المغناطيسي وبخاصة أن الطب التقليدي فشل في أن يعيده إلى سيرته الأولى.

مراجعة بعض السطور في حياة كايس التي يخبرنا فيها عن ذاته وعن خبراته وما الذي يجرى معه تصيبنا بنوع من الدهشة، إذ لم يكن يسعى للرؤى كما يسميها بل بحسب تصريحاته هي التي كانت تأتيه وقتما تشاء وليس عندما يشاء هو، ففي لحظات عادية كان كايس يصاب بالشرود المباغت، وتنقلب عيناه داخل محجريهما على نحو عجيب ويدخل في ما يشبه الغيبوبة وخلالها يلقى نبوءته أو سمها إن شئت قراءته للمستقبل، والأكثر عجباً أنه لدى استفاقته من تلك الحالة العجيبة، لا يعود يتذكر أي شيء مما قاله.

مع بداية العقد الثاني من القرن العشرين تضاعف اهتمام الأميركيين فجأة بالتنبؤات والمتنبئين، وعادوا ينبشون المكتبات وكتب التاريخ بحثاً عن مشاهير المتنبئين القدامى، كما انتشرت ظاهرة عجيبة لإثبات صحة التنبؤات القديمة وتأكيد حتمية التنبؤات المقبلة أو المستقبلية.

والثابت أنه في مناخ كهذا من الطبيعي أن ينتشر الدجل والخداع، وأن يظهر العشرات من الذين يدعون قدرتهم على كشف الغيب والتنبؤ بالأحداث المستقبلية، بخاصة أن أحداً لا يمكنه معرفة ما سيحدث في المستقبل، ما يجعل الاعتراض على ما يقوله أي منهم أمراً عسيراً للغاية.

في وسط هذا كله ظهر إدغار كايس. كان شاباً هادئاً على عكس الآخرين، لا يميل إلى الاستعراض والتباهي، ويحمر وجهه خجلاً إذا ما وجه إليه أحدهم عبارة استحسان، أو كلمات إعجاب وتقدير، أو حتى جملة شكر أنيقة.

وعلى عكس الآخرين أيضاً لم يكن كايس من ذلك النوع الذي يمكن أن تلقي عليه سؤالاً عن أحداث مستقبلية، فيخرج الجواب بأسلوب مسرحي مثير، ولأن ذلك الزمن كان يميل إلى المسرحة والاستعراض تأخر كايس عن أقرانه ولم يحظ بشهرتهم أو بالأموال الوفيرة مثلهم.

نوستراداموس الأميركي الجديد

هل نحن إزاء طبعة أميركية من العراف الفرنسي الأشهر نوستر  والذي قلب الجميع صفحات كتبه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001؟

ما هو معروف عن كايس وبحسب ما هو متاح في الموسوعة البريطانية على نحو خاص أنه كان شاباً هادئاً على عكس الآخرين، لا يميل إلى الاستعراض والتباهي، أي أنه لم يكن يسعي للشهرة ولا للمال، بمعنى أنه لم يكن عرافاً نموذجياً من الساعين وراء الضجيج المدوي أو قوة السلطة، لاستغلالها على نحو أو آخر.

لم تبدأ شهرة “كايس” مثل نوستراداموس مبكراً، بل ظهرت لاحقاً عليه، وفي الفترة الأخيرة من حياته، وتميزت قدراته على تشخيص الأمراض وعلاجها عن طريق الدخول في حالة الخلسة أو التنويم المغناطيسي الذاتي ومن ثم قراءة الموقف.

ولعل ما يحير الباحثين في شأن “المتنبئ النائم” إدغار كايس هو إنه كان مسيحياً ملتزماً، ما يعني أنه كان بعيداً كل البعد عن دائرة الأعمال الشيطانية، أو السحر الأسود الذى عرفه كثير من الأشخاص وخبرته حضارات وأمم كثيرة.

توزعت مقدرة كايس المثيرة بين قراءاته المستقبلية، ومقدرته على تشخيص وربما معالجة بعض الأمراض المستعصية والتي لم يكن للطب التقليدي عليها دالة، وقد مارس نوعاً من الشفاء على ابنه هيولين الذي أصيب بجروح خطيرة نتيجة انفجار وقع في الغرفة المظلمة التي كان يستخدمها لتحميض الأفلام، وقال الطبيب المحلي أنه لا أمل في الشفاء، ولربما يستدعى الأمر استئصال إحدى عينيه، غير أن كايس وعبر قدراته الخاصة استطاع أن يعيد لابنه البصر خلال ستة أسابيع، ما جعله حديث أميركا برمتها وقتها.

هل كان لكايس علاقة بتناسخ الأرواح ومن هنا استغل هذا الفكر في معالجة الكثير من الأمراض الجسدية والنفسية لآلاف الأميركيين؟

الثابت أن كايس اعتقد في أن النفس البشرية كانت موجودة منذ اليوم الأول لوجود عالمنا، وأن هناك قانوناً ربانياً يتحكم في حياة جميع الناس، وهو لا ينتهك مبدأ الإرادة الحرة للإنسان، ولكنه يفرض عليه المسؤولية في كل ما يقوم به.

التناسخ أو إعادة الميلاد، وفقاً لكايس، هو وسيلة للروح لخلق نفسها بمفردها، بعد أن يولد الشخص في جسد جديد، يجب أن يحاول استخدام الخبرة المكتسبة في التجسيد الماضي.

هل كان هذا الفكر يقاوم حقيقة وجود الإله حول الكون؟

على رغم أن الكنيسة كانت ولا تزال ترفض فكرة تناسخ الأرواح، التي اعتقد فيها وآمن بها كايس، إلا أن ذلك لم يحل دون حديثه مراراً وتكراراً عن الله، فضلاً عن أهمية الصلاة والتطهير الروحي.

كان كايس مؤمناً يتلو الصلوات اليومية وينصح مرضاه بذلك، بل كان على يقين من أن الله تعالى يرى أعمال كل شخص، ولا يتركه أبداً بل يوجهه إلى الطريق الصحيح، كما أن الإله وضع في نفوس الناس المعرفة التي ستنزل لهم التطور الروحي، وعليهم أن يجتهدوا في معرفة الله، وتطهير أرواحهم من ناحية أخرى، وأن الوحدة الحقيقية لن ينالها الشخص إلا بعد انتهاء دورة التناسخ، عندما يكون مستحقاً لها.

 

الرائي لمستقبل الولايات المتحدة

لعل ما يزعج الأميركيين اليوم تجاه تنبؤات كايس، هو صدق قراءاته لحال ومآل الولايات المتحدة في نهاية ثلاثينيات القرن المنصرم.

في ذلك الوقت كانت أميركا تمر بما عرف بـ”الكساد الاقتصادي العظيم”، وقد توقع الجميع من الرجل أن يقرأ أو يستقرئ قادمات الأيام من وجهة نظر اقتصادية، لكنهم دهشوا من أنه ذهب في طريق آخر زاد من قلقهم وأصاب الكثيرين منهم بالإحباط والتوتر، إذ كشف لهم عن حتمية دخول أميركا الحرب الكونية التي كانت دائرة في ذلك الوقت في العالم القديم، أي أوروبا وآسيا وأفريقيا. في تلك الآونة قال كايس: “إن واشنطن ستجد ذاتها مرغمة على دخول تلك الحرب”، بل أبعد من ذلك تحدث عن احتمال كان يبدو بعيداً جداً من ناظري مستمعيه ومعاصريه، وهو “سقوط روسيا وبشكل جزئي في قبضة النازيين قبل أن تنهض لتهزمهم شر هزيمة”.

حديث كايس كان لا يصدق، فروسيا تاريخياً كانت عصية على دخول أي قوات أوروبية إليها، وتجربة نابليون باقية في الأذهان، كما أن أميركا المتحصنة بين محيطين الأطلسي من الشرق والهادئ من الغرب، لم يكن هناك ما يجبرها على الدخول في حرب عالمية قائمة بعيداً كل البعد من مدارها الجغرافي.

لكن الأحداث المستقبلية القريبة وقتها أرغمت الأميركيين على خوض تلك الحرب، لا سيما بعدما قصف اليابانيون ميناء بيرل، واجتاح النازيون روسيا، وإن اندحروا لاحقاً على أبواب موسكو، حين انتصر عليهم الجنرال الأبيض “الثلج”، قبل أن تحطمهم دبابات ستالين، وهنا كانت البدايات لنهاية النازية.

يوماً تلو الآخر تبين للأميركيين أن كايس لم يكن عرافاً، بل رائياً، ففي عام 1939، أي قبل وفاته بنحو ست سنوات، تنبأ بأن رئيسين أميركيين سوف يتوفيان من دون إكمال عملهما حتى النهاية، وهو ما حدث بالفعل، حيث تحقق الجزء الأول من نبوءته بعد ست سنوات، عندما توفي فرانكلين روزفلت، فيما النبوءة الثانية كانت من نصيب الرئيس جون كيندي الذي اغتيل عام 1963.

ترك كايس تراثاً مرعباً للأميركيين، فقد كتب ذات مرة يقول: “إن هناك العديد من التغيرات الجيوفيزيائية بدرجة أكبر أو أقل ستغير من طبيعة الولايات المتحدة، حيث ستؤدي ظواهر طبيعية لتدمير نيويورك على الساحل الشرقي للبلاد، وكذلك ستتحطم لوس أنجليس وسان فرانسيسكو”.

وبحسب كايس فإن مناطق الساحل الشرقي بالقرب من نيويورك، وربما نيويورك نفسها، ستختفي عملياً من على وجه الأرض، أما الأجزاء الجنوبية من ولايتي كارولينا وجورجيا، فستختفي تماماً.

 هل للأمر علاقة ما بقضية التغيرات المناخية التي توقف عندها كايس في رؤاه الاستشرافية؟

ربما يكون ذلك كذلك بالفعل، لكن يبقى التساؤل الجذري: من أين لكايس هذه الرؤى الاستشرافية التي تحققت غالبيتها في الزمان والمكان المحددان من قبله؟

 سفينة فضاء ورؤية لمستقبل الأحداث

كثيراً جداً استمع الأميركيون والعالم لقصص عن بشر تم خطفهم من قبل سفن فضائية، وكائنات فضائية، والسفر بهم لمسافات بعيدة جداً، خارج كوكب الأرض.

اعتبرت معظم تلك القصص ضرباً من نسج الخيال، لا سيما أن مدعوها لم يقدموا شيئاً جديداً أو مثيراً، ولم يكتبوا تاريخاً مغايراً مثل الذي كتبه كايس.

غير أن للرائي الأميركي هذا قصة غاية في الإثارة وربما كانت منطلقاً لفهم قراءاته المستقبلية، والتي يتحلق العالم من حولها حتى الساعة.

يقص كايس أنه عشية العام الجديد 1902، استقل قرص سفينة فضاء متلألئاً ضخماً، أي طبق فضائي، بلغة العصر الحاضر… ما الذي حدث فوق سطح هذا القرص الفضائي؟

الكلام مثير وخطير ويتسق مع فكرة التناسخ، إذ يقر بأن هناك ست نسخ حية بالضبط منه، كانت على سطح تلك المركبة الفضائية، وأن تلك النسخ الست أو “التوائم” بحسب تسميته، أظهروا له الكرة الأرضية الجميلة المسالمة من الفضاء من زوايا مختلفة.

غير أنه ومن فوق سطح هذا القرص الفضائي، دخل في ما يمكن أن نسميه “آلة الزمن”، التي سمحت له برؤية مستقبل البشرية في منتصف القرن الحادي والعشرين، أي بعد 150 سنة وقتها، حيث ظهرت صورة مرعبة لأرض مختلفة تماماً أمام أعين إدغار من منظور عين الطائر.

رأى كايس ما أطلق عليه “الأطلال الصلبة” لمدن عالمية صدمت خياله، فقد شاهد بقايا اليابان، وشمال أوروبا، ولوس أنجليس وسان فرانسيسكو ولندن.

هل كان ذلك معناه أن حرباً عالمية ثالثة لا بد لها من أن تحدث ومن خلالها سيصل العالم إلى هذا الخراب؟

لم يوفر معاصروه سؤاله عن الحرب العالمية الثالثة، وما إذا كانت ستجري بها المقادير بالفعل، غير أن إجاباته في جميع الأوقات كانت تذهب إلى أن الحرب العالمية الثانية، هي الحرب الكونية الأخيرة، وأن البشرية لن تعرف حرباً مماثلة أخرى، كما أن الحرب مع ألمانيا ستكون آخر حرب كبرى في عالمنا، وللبشرية أن تفرح بحياة سلمية في المستقبل.

لكن كايس فتح باباً مخيفاً لتطورات أخرى، لها تبعات أكثر هولاً من الحروب، وذلك عبر الحديث عن التغيرات التي ستحدث في أقطاب الأرض مغناطيسياً، وأحوال المناخ فوق الكوكب الأزرق.

يتساءل المؤرخون وكتّاب سيرة كايس، عن قدراته الفريدة وسفره عقلياً أو فلكياً عبر الزمن، وهل هناك كائنات كونية عليا أكثر تقدماً وهبته تلك القدرات؟

مهما يكن من أمر الجواب، يبقى من الواضح جداً أن كايس أتيحت له الفرصة أكثر من مرة لاستخدام الفكرة التي تبدو خيالية اليوم، فكرة “آلة الزمن”، ومن ثم الانتقال عبر الجسم النجمي، وليس الجسم البشري، إلى نقاط مختلفة في الكون، واستطاع أن يوجد في نقطة “الزمكان”، سواء في الماضي أو المستقبل، حيث كان عليه حل المشكلة.

عن أقطاب الأرض والتغيرات المناخية

حكماً لا يوجد صوت في حاضرات أيامنا يعلو على صوت أزمة المناخ والتطورات التي تتعرض لها الكرة الأرضية، غير أن صوت كايس يجيء من بعيد بوصفه أحد الرائين الذين استشرفوا حال ومآل الكرة الأرضية قبل نحو مئة عام وأزيد، وتحدث مطولاً عن مستقبل الإنسان فوق سطح الأرض.

كان كايس من أوائل الأصوات التي تكلمت عن تغير أوضاع أقطاب الأرض المغناطيسية، وهو ما بدأ العلماء في تناوله في السنوات الأخيرة، كظاهرة طبيعية تحدث بالفعل كل بضع مئات آلاف السنين، ومنذ وجدت الكرة الأرضية قبل ملايين السنين.

بالقدر نفسه تحدث كايس عن فكرة ذوبان الأقطاب الجليدية، وارتفاع منسوب المياه فوق سطح الكرة الأرضية، وعنده أن اليابان ستغرق في المياه، وسيتحول شمال أوروبا في غمضة عين.

أكد كايس كذلك أن الكرة الأرضية سوف تنكسر في أماكن كثيرة، لا سيما في الساحل الغربي لأميركا، كما ستكون هناك مياه مفتوحة في شمال غرينلاند، وأراض جديدة في منطقة البحر الكاريبي.

أما عن قارة أميركا الجنوبية، فيشير إلى أنها ستهتز من الأعلى إلى الأسفل، وفي القارة القطبية الجنوبية، بالقرب من منطقة “تييرا ديل فويغو”، ستكون هناك أرض ومضيق به مياه مستعرة.

كان كايس أول من تحدث عن سلسلة الزلازل التي ستضرب الكرة الأرضية بدءاً من عام 2001، ومن ثم حدوث التغيرات المناخية المخيفة.

لم يكن تعبير “الاحتباس الحراري”، أو “الغليان” قد وجد في وقت كايس، ومع ذلك فإن حديثه عن المياه التي ستطمر الأرض على هذا النحو، هو النتاج الطبيعي لارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية، وذوبان الأقطاب الجليدية.

هل ترك كايس خرائط جغرافية بعينها تقودنا إلى تصور ما سيصيب الكوكب الأزرق من تغيرات مناخية؟

غالب الظن أنه فعل ذلك، وأن تلك الخرائط موجودة بالفعل في أرشيفه الذي يبلغ نحو 140 ألف صفحة، وتحتفظ به الحكومات الأميركية المتعاقبة لما فيه من أسرار وتنبؤات، تخيفهم هم أول الأمر، وبقية العالم تالياً.

يقطع كايس قبل مئة عام بأن كثيراً من البلدان سوف تغور تحت الماء، وهناك خرائط رسمها تتناول المزيد من التفاصيل حول فيضان كبير يغمر العالم، ربما يكون أشد قوة وسطوة من فيضان نوح الذي تحدثت عنه الأديان السماوية، وراجت أخباره في الكثير من الحضارات الشرقية القديمة.

كتب كايس كذلك الكثير عن البراكين والزلازل التي ستنفجر، وعن الكوارث الطبيعية التي سيتسبب فيها الإنسان للطبيعة، ولم تكن وقتها قضية المخاوف الإيكولوجية قد طفت فوق سطح الأرض، ولا عرفتها المؤسسات العلمية أو اهتم بها السياسيون حول العالم.

يعن لنا التساؤل: من أين لكايس كل هذه الرؤى، التي تقفز حكماً على الكثير من رباعيات نوستراداموس، تلك التي يمكن تحميلها على معنى أو آخر، والكثير منها غامض وكأنه شفرات بخلاف قراءات كايس الأكثر وضوحاً؟

كايس وظاهرة الباراسيكولوجي

كيف لنا بداية أن نفسر أو نفكر في ظاهرة إدغار كايس، وهل هي حقيقة أم خيال؟ هل هو شخص ذو قدرات روحية حقيقية أم أنه ساحر خادع قادر على التلاعب بالآخرين، وإيهامهم بشكل أو بآخر بقدراته المنحولة لا سيما على الشفاء أو التخاطب؟

لا أحد في واقع الحال قادراً على تقديم جواب شاف كاف على الأسئلة المتقدمة لا سيما في ما يتصل بقراءة المستقبل، فالغيب لا يعلمه إلا الله، أما بالنسبة للشفاء من الأمراض واستخدام القوى والطاقات الروحية، فهناك تجارب عدة ثبتت صحتها ولها وجود وعلاقة بالواقع فعلاً وقولاً، وإن لم يحسم أحد كذلك بالمدى الذي تمضي فيه بعيداً من الاستعانة بأدوات وعلوم الطب الكلاسيكي المعروفة للجميع.

في هذا الإطار، ربما يمكن فهم ظاهرة كايس في ضوء علم معروف هو “الباراسيكولوجي” أو “علم النفس”، ليكون المصطلح أقرب ما يكون للحفر حول “علم نفس الخوارق”… هل من تفسير واحد للباراسيكولوجي وامتلاك بعض الأشخاص لقدرات غير طبيعية تفوق الطبيعة؟

في واقع الأمر انقسم العلماء إلى مدرستين:

** المدرسة الأولى: تؤمن بأن المادة هي كل شيء وليس هناك شيء غير مادي وكل ما يظهر لنا أنه غير مادي فهو في الحقيقة مادي غير أن وسائلنا العلمية قاصرة عن إدراك جسيماته.

** المدرسة الثانية: تقول بأن هناك عنصراً لا مادياً وراء جميع هذه الظواهر وهو الذي يستطيع أن يخترق كل القوى العلمية ويفسر كل الغرائب والقدرات الخارقة للباراسيكولوجيين، هذا العنصر يسميه الكاتب الأميركي كولون ولسون “الروح أو الجسد الأثيري”، وهكذا نشأت عن تلك المدرسة الجمعيات الروحية في أوروبا وأميركا وحملت لواء الباراسيكولوجي مع أنها لم تستطع أن تعطي أي تفسير علمي مختبري للروح على رغم الادعاءات بتصوير الأرواح واستحضارها ومخاطبتها.

ترى لأي من هذه الاتجاهات ينتمي كايس؟ تساؤل مثير وما من جواب شاف واف له حتى الساعة؟