لا يكاد يمر يوم من دون هجمات متبادلة بين مختلف القوى الإقليمية والدولية، ساحتها الأراضي السورية التي تحوّلت إلى ميدان واسع لتبادل الرسائل أو لتصفية الحسابات، في ظل عجز واضح من النظام السوري الذي بات خارج حسابات هذه القوى، والتي قسّمت سورية إلى مناطق نفوذ، فيما تبدو حريصة على تفادي الصدام العسكري المباشر واسع النطاق.

وتشهد سورية منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ازدياداً في وتيرة الهجمات والقصف المتبادل بين مليشيات إيرانية من جهة، والقوات الأميركية من جهة أخرى في أقصى الشرق السوري.

قصف أميركي لأهداف إيرانية في دير الزور

وفي هذا الصدد، قالت وزارة الدفاع الأميركية، إن أول من أمس الأربعاء، مستودعات تابعة للحرس الثوري الإيراني لتخزين الأسلحة في دير الزور، مشيرة إلى أنها جاءت “رداً على سلسلة هجمات استهدفت أفراداً أميركيين في سورية والعراق”.

وأعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في بيان، أن “القوات العسكرية الأميركية نفذت ضربة دفاعاً عن النفس ضد منشأة شرقي سورية، يستخدمها الحرس الثوري الإيراني وجماعات تابعة له”، مشيراً إلى أن هذه الضربة نفذتها طائرتان أميركيتان من طراز إف-15 ضد منشأة لتخزين أسلحة.

من جهته قال “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، أمس الخميس، إن  بينهم 3 سوريين على الأقل من العاملين مع الإيرانيين” قتلوا الأربعاء، “جراء غارات جوية نفذها الطيران الحربي الأميركي على مقرات عسكرية ومستودع أسلحة في شارع بور سعيد جانب الفرن الآلي بمدينة دير الزور”.

ولفت إلى أن “عدد القتلى مرشح للارتفاع لوجود جرحى بعضهم في حالة خطرة، بالإضافة لوجود معلومات عن قتلى آخرين، كما تسبب القصف بتدمير سلاح وذخائر أيضاً”.

وتُعد هذه الضربة رسالة واضحة للجانب الإيراني الذي دأبت مليشيات تابعة له في سورية والعراق على مهاجمة القواعد الأميركية في شرقي سورية بالمسيّرات منذ نحو شهر، في سياق تناكف يبدو مضبوطاً بين طهران وواشنطن على ضوء ما يجري في غزة.

وتعتمد إيران على ما يسمّى بـ”المقاومة الإسلامية في العراق” لتوجيه الرسائل إلى الولايات المتحدة من خلال هجمات بطائرات مسيّرة طاولت العديد من القواعد الأميركية في سورية، سواء في شرقي نهر الفرات، أو قاعدة التنف في المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني.

قصف إسرائيلي على السويداء ودمشق

وفي جنوب سورية، شنّت طائرات إسرائيلية، مساء الأربعاء، غارات جوية استهدفت مناطق في جنوبي دمشق وفي السويداء، وذلك رداً على رشقات صاروخية تخرج بين وقت وآخر من الجنوب السوري إلى أماكن مكشوفة في الجولان السوري المحتل.

وذكرت شبكات إخبارية محلية أن القصف الإسرائيلي على السويداء استهدف منظومات رادار ونظام دفاع جوي تابعا لقوات النظام في منطقة تل قليب وتل المسيح بريف السويداء، حيث توجد منظومات للدفاع الجوي والإنذار المبكر.

كما استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية، مساء الأربعاء، عدة مواقع للمليشيات الإيرانية في المزارع الممتدة بين بلدتي عقربا والسيدة زينب، التي تعد المعقل الرئيسي للمليشيات الإيرانية.

وأفادت شبكة “صوت العاصمة”، التي تنقل أنباء دمشق وريفها، بأن “الطائرات الإسرائيلية استهدفت بناءين متجاورين في محيط بلدة السيدة زينب وبالقرب من مطار عقربا”، مشيرة إلى “أن الحرس الثوري الإيراني ومليشيات مرتبطة به تستخدم المبنيين كمستودعات لتخزين صواريخ متوسطة المدى وصواريخ دفاع جوي وطائرات مسيّرة إضافة لمعدات عسكرية”، وفق الشبكة.

ودأبت إسرائيل خلال السنوات الماضية على استهداف ما تقول إنها أهداف إيرانية، من قواعد أو مراكز بحوث علمية أو مطارات، أو مستودعات أسلحة وذخائر، من دون أي رد سواء من الجانب الإيراني أو النظام الذي يبدو أنه فَقَد القرار بشكل كامل في سورية لصالح الإيرانيين والروس، وتحوّل إلى مجرد متفرج خارج حسابات القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الشرق الأوسط، خصوصاً في سورية.

تواصل القصف التركي شمال شرقي سورية

وفضلاً عن القصف الأميركي والإسرائيلي المستمر على المليشيات الإيرانية ومستودعات الأسلحة والذخيرة التابعة لها، يتواصل القصف التركي هو الآخر على الأراضي السورية في الشمال الشرقي ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

ولا يملك النظام من قراره إلا مواصلة القصف المدفعي والصاروخي على المدنيين في الشمال الغربي من سورية، بينما يقف عاجزاً تماماً عن الردّ على الهجمات الإسرائيلية التي أخرجت أهم مطارين مدنيَين في سورية عن الخدمة أخيراً، وهما مطارا دمشق وحلب.

ويتبادل الفرقاء الفاعلون في سورية الرسائل كلما تأزمت العلاقات في ما بينهم من خلال القصف عبر وكلاء لهم على الأرض. فالجانب الروسي يستهدف مواقع في شمال غربي سورية وهو منطقة نفوذ تركية خالصة، بينما تقصف أنقرة مواقع لـ”قسد” التابعة لواشنطن، والتي تضرب بدورها المليشيات الإيرانية في شرقي سورية.

وهذه المليشيات هي الذراع العسكرية لطهران، التي توجه رسائلها لواشنطن من خلال قصف القواعد الأميركية من قبل هذه المليشيات المنتشرة في محافظة دير الزور شرقي سورية.

سورية ساحة لتجريب الأسلحة

ورأى مدير وحدة الدراسات في مركز “أبعاد” محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن سورية “تحوّلت إلى ساحة لتصفية الحسابات بين اللاعبين الإقليميين والدوليين أو إرسال الرسائل بين مختلف الأطراف”. وتابع: “يتم الضغط الروسي على تركيا في خاصرتها الرخوة في إدلب، كلما حدث توتر روسي تركي في ساحات أخرى مثل القوقاز”.

سالم: تأثير النظام ضعيف جداً، ولكن هذا لا يعني أنه خارج اللعبة تماماً

وأشار إلى أن سورية “تحوّلت إلى ساحة لتجريب الأسلحة وتوظيف الجماعات المسلحة وتجنيد المرتزقة”، معتبراً أن “تأثير النظام ضعيف جداً، ولكن هذا لا يعني أنه خارج اللعبة تماماً”. وأضاف: “لكل فاعل محلي هوامشه وإن كانت قليلة، وهذا ينطبق أيضاً على قسد وعلى المعارضة، لكن في التغييرات الكبرى، مثل تغيير خرائط السيطرة، الفاعلون المحليون، ومنهم النظام، لا تأثير لهم إلا بالتنفيذ عندما تتبلور إرادة الفاعلين الإقليميين والدوليين”.

تجنّب الصدام العسكري المباشر في سورية

من جهته، قال الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “سورية منذ سنوات هي ساحة لتصفية الحسابات وتبادل الرسائل بين الدول الفاعلة في المنطقة”، مشيراً إلى أن هناك “خمسة جيوش أجنبية تنشط على الأراضي السورية أو في سمائها، هي: التركي، والأميركي، والروسي، والإيراني، والإسرائيلي”.

وأشار إلى أنه “لهذه القوى الإقليمية والدولية وكلاء على الأرض أو مليشيات تابعة لها، فقوات قسد تتبع الولايات المتحدة، والجيش الوطني السوري المعارض تابع لتركيا، وإيران لديها مليشيات، وكذلك الروس لديهم قوات ومجموعة فاغنر”.

القربي: تزايدت الهجمات المتبادلة في الآونة الأخيرة، بينما الردود لم تتغير

ورأى القربي أن هذه القوى “حريصة على عدم الصدام العسكري بشكل مباشر بين قواتها”، لافتاً إلى أن “هناك محددات للاشتباك فالصدام يتم عبر الوكلاء، أي أن هذه الأطراف تتبادل الرسائل من دون الوصول إلى تصعيد مستفز”.

وبحسب القربي فإن هذه المحددات “لم تتغير مع العدوان المستمر على قطاع غزة”، مضيفاً: “لكن الهجمات المتبادلة زادت وتيرتها في الآونة الأخيرة، بينما الردود لم تتغير، فكل القوى تحاول عدم الانجرار إلى مواجهة مفتوحة، وتريد المحافظة على قواعد الاشتباك الموجودة حالياً”.