يتعين على جميع الدول الأعضاء إكمال عملية الموافقة الوطنية على طلب العضوية المقدم من الدولة المرشحة قبل أن تتمكن تلك الدولة من الانضمام

AFP

الرئيس الأمريكي جو بايدن (إلى اليمين) والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعقدان محادثات ثنائية على هامش قمة الناتو في فيلنيوس في

شكَّل طلب الانضمام إلى عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تقدمت به السويد وفنلندا، واللتان كانتا تعتبران دولتين محايدتين تقليديا، أحد أهم التطوُّرات الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا. وكان من المتوقع في البداية أن تكون هذه الخطوة مسألة إجرائية واضحة نسبيا، إلَّا أنها تحوَّلت إلى مسألة سياسية معقَّدة.

ويتعين على جميع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) إكمال عملية الموافقة الوطنية على طلب العضوية المقدم من الدولة المرشحة قبل أن تتمكن تلك الدولة من الانضمام إلى الحلف.

وتدعم تركيا سياسة الباب المفتوح التي يتبعها حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ورحبت بالطلبين الفنلندي والسويدي للحصول على العضوية، ولكن بشرط تخليهما عن تقديم الدعم المالي والسياسي لمنظمتين إرهابيتين، وهما حزب العمال الكردستاني المؤيد للأكراد ومنظمة فتح الله غولن، التي كانت وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016.

وعلى الرغم من أن فنلندا والسويد من بين الدول القليلة الداعمة لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، إلا أنهما أعربتا أيضا بصراحة عن مخاوفهما بشأن معايير الديمقراطية في تركيا. كما فرض البلدان حظرا على تصدير المواد الدفاعية إلى تركيا.

ونتيجة لذلك، وضعت تركيا شروطا معينة للموافقة على طلبيهما الانضمام إلى الحلف. إلا أن تركيا ليست الدولة الوحيدة التي تواجه مشاكل مع طلبيهما، إذ اتخذت المجر الموقف نفسه الذي اتخذته تركيا، وذلك لأسباب مماثلة خاصة بها.

 

وأتاحت المذكرة الثلاثية التي تعكس قبول الدول الطامحة للعضوية دعم تركيا ضد التهديدات التي يتعرض لها أمنها القومي، والتوصل إلى توافق في الآراء، حيث دُعيَت فنلندا والسويد في قمة حلف شمال الأطلسي التي عقدت في مدريد في صيف عام 2022 للانضمام إلى الأعضاء ووقِّعت بروتوكولات الانضمام الخاصة بهما.

ومنذ ذلك الحين، أكملت تركيا، إلى جانب جميع أعضاء الناتو، إجراءات انضمام فنلندا، إلى الحلف في أبريل/نيسان، لتصبح العضو الحادي والثلاثين فيه. أما السويد، فهي لا تزال تنتظر.

ورغم أنها عدلت دستورها ورفعت الحظر المفروض على تصدير المواد الدفاعية إلى تركيا، فإن أعضاء حزب العمال الكردستاني والمتعاطفين معه ما زالوا يحملون لافتاتهم ويتظاهرون في شوارع السويد.

وليزيد الطين بلة، أثار حرق الكتب الإسلامية المقدسة من قبل الجماعات اليمينية المتطرفة علنا في السويد غضب تركيا الشديد وتسبب في توتر خطير، كما أثار أيضا ردود فعل كبيرة من العالم الإسلامي. وكانت الحكومة السويدية سريعة نسبيا في اتخاذ التدابير اللازمة ومعالجة هذه المشكلة.

وفي يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول، أحال الرئيس أردوغان بروتوكول انضمام السويد للناتو إلى البرلمان التركي لمناقشته، وربما الموافقة عليه.

وسيناقش بروتوكول الانضمام في اللجان البرلمانية المختصة، ومن ثم يخضع للتصويت في الجلسة العامة، حيث يشكل نواب حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان وحلفاؤه العدد المطلوب من الأصوات للموافقة عليه.

 

ويمكن أن يكون توقيت إحالة مشروع القانون إلى البرلمان مرتبطا بالحرب في غزة، حيث لا يوجد توافق بين تركيا والولايات المتحدة مجددا.

ويشير المعلقون إلى وجود مزيد من الإجراءات التي كان ينبغي على السويد اتخاذها للوفاء بكامل الشروط الواردة في المذكرة الثلاثية، ويمكن أن يكون سبب إحالة برتوكول الانضمام إلى البرلمان في هذه المرحلة مرتبطا أكثر بمحاولة أردوغان امتلاك ورقة إيجابية في حال وجود رد فعل غربي محتمل نتيجة لموقفه المؤيد لـ”حماس”.

وأصبحت قضية عضوية السويد متشابكة مع سعي تركيا لشراء مقاتلات من طراز “إف-16” من الولايات المتحدة ومعدات تحديث لطائراتها الحربية الحالية؛  إذ أعلنت الإدارة الأميركية دعمها لعملية البيع، لكن الكونغرس لم يكن متحمسا وقدم مجموعة من الشروط. وتختلف أسباب الموقف السلبي للكونغرس، لكن أحد شروطه للسماح بالبيع لتركيا هو استكمال إجراءات انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي.

وفي طريق عودته من قمة الدول التركية، قال الرئيس أردوغان للصحافيين إنه قام بدوره من خلال تقديم بروتوكول الانضمام إلى البرلمان، وأن الأمر الآن بات في يده. وأكد أن البرلمان التركي يتخذ قراراته بنفسه، كما هو الحال مع الكونغرس في الولايات المتحدة، في محاولة منه لمقارنة هذا الموقف مع الموقف الأميركي بشأن بيع طائرات “إف-16”.

 

وقال أردوغان إن هذا التوقت كل عام هو الذي ينشغل فيه البرلمان بمناقشة الميزانية السنوية للدولة، لكنه سيسعى إلى تسهيل الانتهاء من انضمام السويد، “في حال تعامل شركاؤنا معنا بشكل إيجابي”. وأوضح تأكيده على موقف الشركاء بأنه يتوقع شيئا مقابل التسهيلات التي يقدمها.

ومن المؤكد أن القضية الرئيسة على جدول الأعمال خلال رحلة أنتوني بلينكن إلى أنقرة والتي استمرت يوما واحدا كانت غزة. إلا أنه ناقش أيضا بعض القضايا الأخرى، بما في ذلك عضوية السويد.

وفيما يتعلق بغزة، قيل إن الجانبين متفقان على حل الدولتين، لكن مقاربتيهما لكيفية تحقيق ذلك مختلفتان بعض الشيء. ولم يعقد مؤتمر صحافي مشترك بعد اجتماع الوزيرين، مما يشير إلى وجود اختلاف في وجهات النظر أكثر من المعتاد.

 

أما المعلومات المباشرة الوحيدة التي تخص قضية السويد فكانت من خلال كلام بلينكن مع الصحافيين في المطار، حيث قال إن الولايات المتحدة سعيدة للغاية بإحالة بروتوكولات التصديق إلى البرلمان التركي.

ويمكن أن تؤدي تداعيات الحرب المستمرة في غزة وتصريحات الرئيس أردوغان المؤيدة لحماس إلى زيادة الصعوبات التي يواجهها في الكونغرس الأميركي.

وتجد تركيا والولايات المتحدة نفسيهما في وضعية مشابهة لمعضلة الدجاجة والبيضة، حيث يتوقع أردوغان موافقة الكونغرس الأميركي أو على الأقل، توضيح نواياه للموافقة على بيع طائرات “إف-16″، في حين يتوقع الكونغرس خطوات ملموسة من البرلمان التركي بخصوص انضمام السويد أولا.

كما أن هناك قضايا أخرى تزيد من تعقيد العلاقات بين البلدين مثل تعاون الولايات المتحدة مع وحدات حماية الشعب في سوريا.