انتصار قوى الثورة والمعارضة السورية في الثامن من كانون أول/ديسمبر عام 2024 فتح الباب باتجاه أفق جديد في سوريا، هذا الأفق يحتاج إلى ترسيخ الوضع العام في البلاد على كلّ المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها.
نينار برس تواصلت عبر الشبكة العنكبوتية مع السيد غياث عيون السود الأمين الأول للجنة المركزية لحزب الشعب الديمقراطي السوري وطرحت عليه أسئلتها فكان هذا الحوار.
نينار برس
مضت قرابة ستة أشهر على سقوط نظام الإبادة الأسدي، كيف تقيّمون الوضع العام في البلاد على المستويات السياسية والاقتصادية/المعيشيّة والأمنية؟
محاولات التعافي والإنعاش الاقتصادي بطيئة
يجيب الأمين الأول لحزب الشعب الديمقراطي السوري غياث عيون السود على سؤالنا الأول فيقول:
بعد التحرير وخلاص سوريا من نظام الإبادة الأسدي، دخلت البلاد في مخاض تاريخي على طريق ولادة الدولة الوطنية الجديدة، ومن الطبيعي أن يحمل هذا المخاض معه الكثير من الاضطرابات السياسية والخضَّات الأمنية، والتي تترافق عادةً مع نمو المخاوف والهواجس التي تتمحور حولَ مستقبل سوريا، وخاصًةً على صعيد وحدة الشعب والأرض، وملامح النظام السياسي الجديد.
ويضيف عيون السود:
كما تبرز المخاطر على صعيد النسيج الوطني والهوية الوطنية اللذين مزقهما نظام الأسد شرَّ تمزيق، وما يتطلبه ذلك من مقاربات لرأب التصدعات والشروخ التي أصابت المجتمع السوري بعد عقود من التدمير الممنهج الذي رعاه الأسدان، وحرصاً على ترسخيه لتكريس الانقسامات الطائفية والإثنية، الأمر الذي يجعل من عملية إعادة وترميم اللحمة الوطنية بين ابناء الشعب الواحد أولوية قصوى.
يُضاف إلى ذلك، أن الانهيار الكبير الذي ضرب الاقتصاد السوري بعد الدمار الواسع لمختلف قطاعاته، وللبنية التحتية، وحالة الإفلاس المالي الشامل، وانعكاسات كل ذلك على مستوى حياة السوريين المعيشية مع استفحال مستويات الجوع والفقر، وغياب الخدمات الأساسية، ما يجعل من محاولات التعافي والإنعاش الاقتصادي عمليةً بطيئة ومتعثرة، وتحتاج الكثير من الجهد والوقت لانتشال السوريين من لُجَّة الحرمان والعوَز، ووضع حد لتغوُّلهما على المجتمع.
لا شك أن الإدارة الجديدة تبذل مجهودات مضاعفة على أكثر من صعيد.
الإدارة السياسية ونجاحات حققتها
ويشرح عيون السود رؤية حزب الشعب على المستوى السياسي فيقول:
سجَّلت هذه الإدارة نجاحات واسعة، تكلَّلت برفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن كاهل الشعب السوري، وبإنهاء عزلة سوريا الدولية والإقليمية، ووضعها في صلب اهتمامات المجتمع الدولي والإقليمي، كما نجحت في وضعها في مركز الاحتضان والرعاية العربية والإقليمية والدولية، واستطاعت مواءمة مصالح الدول المؤثرة مع المصالح والاحتياجات الوطنية، وهو أمر في غاية الأهمية نظراً لانعكاساته الداخلية على صعيد القدرة على بسط الأمن، وتحسين المستوى الحياتي للمواطنين، والدفع بوحدة السوريين بعيداً عن الانقسامات الوطنية.
مضيفاً: يبقى المطلوب من هذه الإدارة ترجمة هذه النجاحات الخارجية وتوظيفها في حل المعضلات والتحديات الداخلية، وخاصَّةً فتح الأفق أمام الفضاء الوطني، والانفتاح على قوى وفعاليات المجتمع السوري، وتوسيع دوائر المشاركة لعموم السوريين دون استثناء.
أهمية حوار وطني واسع
وحول الوضع على الصعيد الأمني يقول عيون السود:
بالرغم من جهود الإدارة وسعيها لفرض الأمن والاستقرار في عموم المناطق السورية، إلَّا أن التحديات الداخلية ما تزال نطل برأسها هنا وهناك مع وجود بعض الميوعة في تصفية مرتكزات النظام البائد، والتأخر المقلق في إطلاق وتفعيل مسار العدالة الانتقالية، والذي ظهرت نتائجه المؤسفة في أحداث الساحل المؤلمة، وفي مناطق أخرى حفلت بالعديد من الانتهاكات المدانة، التي تم ارتكابها بحق المدنيين، والتي تركت ندوباً عميقة في مسيرة السلم الأهلي، مما يتطلب تجاوزها فوراً من خلال استراتيجية وطنية تستند إلى توسيع دوائر الحوار الوطني، بهدف احتضان كل مكونات الشعب السوري وتهدئة مخاوفها، واعتماد رسائل الطمأنة للجميع بالسير على خطى الدولة الوطنية الموحَّدة المرتكزة على وحدة السوريين دون استثناء.
ويرى عيون السود:
أن الاجراءات الأمنية مطلوبة وضرورية لوضع حد لانفلات الأمن وفوضى السلاح، إلا أنها يجب أن تنضوي في إطار رؤية وطنية أوسع، تعمل على سد الثغرات وسحب الذرائع، وجسر الهوَّة بين مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية، وتعزيز الثقة المتبادلة على طريق صيانة الوحدة الوطنية.
الاحتضان العربي ودعم تركيا ودورهما
ويجيب الأمين الأول لحزب الشعب الديمقراطي السوري على الفقرة المتعلقة بالوضع الاقتصادي فيقول:
من المؤكَّد أن رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية يشكِّل الركيزة الأساسية للانطلاق نحو مسيرة الإنعاش الاقتصادي، كما تُشكِّل حالة الاحتضان العربي والخليجي وفي مقدمتهم السعودية وقطر والإمارات إلى جانب الدعم التركي فاتحةً لإنهاض سوريا من عَثَراتها المتراكمة، إلى جانب التسهيلات المقدَّمة من مؤسسات النقد الدولي، فكلُّها عوامل حاسمة على صعيد جذب الاستثمارات الأجنبية والعربية ودخول الشركات الدولية على السوق السورية المتعطشة لكل أشكال الاستثمار، والتي بلغت ذروتها مؤخراً في اتفاق الشراكة بين سوريا وكل من السعودية وقطر والولايات المتحدة باستثمار يُقدَّر بـ 7 مليار دولار، لدعم قطاع الكهرباء الذي يعتبر عصب الصناعة السورية، الأمر الذي يشكل قاعدة استقطاب جديدة للرساميل الوطنية والاجنبية وإطلاق عجلة الاقتصاد، والشروع في إعادة اعمار البلاد. كل هذه التطورات وغيرها ستنقل البلاد نقلة نوعيةً باتجاه الاقتصاد الحر وفتح السوق السورية أمام الاقتصاد العالمي لعقد المزيد من الشراكات مع مختلف المنظومات الاقتصادية الدولية والإقليمية، وفتح افاق واسعة لمستقبل اقتصاد سوري واعد.
أما على المستوى المعيشي فيرى الأمين الأول غياث عيون السود أنه:
من الطبيعي أن تنعكس هذه التطورات على الحالة المعيشية للسوريين جميعاً، باتجاه تأمين فرص عمل أمام مختلف القطاعات الاقتصادية الخاصة والعامَّة، وستجد تأثيرها المباشر في تحسين قيمة الليرة السورية، وزيادة مداخيل المواطنين، والحدِّ من البطالة، وتحسين مستوى الخدمات، وخفض معدَّلات الفقر إلى أدنى مستوى، مع زيادة القدرة الشرائية للمواطن السوري.
نينار برس
أصدر العهد الجديد الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية. لم يتضمّن الإعلان أي إقرار بأهمية صدور قانون للأحزاب أو قانون يخصّ حريّة النشاط الإعلامي وإطلاق صحف ومنصّات إعلامية، إضافة إلى رفض مكونات سورية مثل الكرد وغيرهم هذا الإعلان.
هل تعتقدون كحزب بضرورة تعديل هذا الإعلان بما يخصّ الحرّيات السياسية والإعلامية؟ هل توافقون على ما يريده ممثلو حزب PYD حول لا مركزية سياسية في سوريا؟
الإعلان الدستوري كفل الحرّيات
يجيب السيد غياث عيون السود الأمين الأول لحزب الشعب الديمقراطي السوري على سؤالنا الثاني فيقول:
صحيح أن الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية لم يتضمن الإقرار بأهمية صدور قانون الأحزاب أو النشاط الإعلامي والصحفي، لأن ذلك ببساطة ليس من مهماته، فهو ليس دستوراً دائماً يصنعه برلمان منتخب أو جمعية تأسيسية، وإنما هو إطار ناظم، ومرجع قانوني للمرحلة الانتقالية وتقتصر بنوده على بعض التوجُّهات في الإطار العام، إلا أن الإعلان كفل حرية إبداء الرأي والتعبير، كما كفل حرية الاعلام والنشر والصحافة، ولم يعطِ للسلطة التنفيذية أية صلاحيات على المجلس التشريعي. لكن قانون الأحزاب وقانوناً ينظم الإعلام والصحافة إضافةً للكثير من القرارات التي تتشكَّل بموجبها بعض الهيئات، كالهيئة العليا للانتخابات، والهيئة الدستورية العليا، وكذلك المجلس الأعلى للقضاء وغيرها. تأخذُ مشروعيتها من المجلس التشريعي الذي لم يتشكَّل بعد. كما أن المحكمة الدستورية العليا تملك صلاحيات إعادة النظر بكل ما صدر ويصدر من قرارات من السلطة التنفيذية، وذلك للتأكد من دستورية القوانين الصادرة بموجب هذه القرارات.
نرفض اللامركزية السياسية
ويضيف عيون السود: نحن من حيث المبدأ نسعى ونطالب بتعديل مواد هذا الإعلان بهدف تكريس فصل السلطات واستقلالها عن بعضها، وبغرض توسيع وترسيخ أطر المشاركة السياسية وتثبيتها على شكل حقوق تضمن حرية النشاط السياسي والإعلامي عبر قوانين عصرية تشكل ناظماً لهذا النشاط. أما بالنسبة لما يطرحه ممثلو قسد حول اللامركزية السياسية في سوريا، فنحن في حزب الشعب الديمقراطي السوري، نرفض فكرة اللامركزية السياسية ونعتبرها مدخلاً للتقسيم، وخطوةً تمهيدية لتشكيل كيان انفصالي عن الدولة المركزية. فاللامركزية السياسية تقتضي بطبيعة الحال لا مركزية عسكرية، وأخرى أمنية وثالثة اقتصادية وهكذا وصولاً إلى المحاصصة السياسية وتهديد وحدة البلاد وتفتيتها.
نحن مع لا مركزية إدارية موسعة
ويوضح عيون السود موقف حزبه فيقول:
نحن عالجنا هذه المسألة في وثائقنا، وأيضاً في وثائق حلفائنا في إعلان دمشق، عندما اعتبرنا أن القضية الكردية هي قضية وطنية سورية، ودعمنا فكرة اللامركزية الإدارية الموسَّعة، أي إدارة محلية متطورة، تشمل كل المحافظات بهدف إحداث تنمية متوازنة تِبعاً لحاجات كل محافظة، وللحد من بيروقراطية القوانين والإجراءات الحكومية، وطالبنا أن تترك للإدارات المحلية صلاحيات محددة تساعدها على إدارة شؤونها بنفسها، وتلبية احتياجاتها في إطار الدولة المركزية.
نينار برس
هناك مساعٍ جدّية لإقامة تحالف للقوى الديمقراطية في سوريا. هل تشاركون بهذه المساعي؟ ما ورقتكم السياسية حول تشكيل هذا التحالف؟
نحن جزء من المبادرة الوطنية
في إجابته على سؤالنا الثالث يقول الأمين الأول لحزب الشعب الديمقراطي السوري السيد غياث عيون السود:
لقد شهدنا على مدار سنوات الثورة نمواً وتكاثراً متنامياً للعديد من الاحزاب والحركات والتيارات السياسية السورية، كما شهدنا العديد من محاولات الانضمام والانفراط في تجربة لتشكيل تحالفات وتكتلات أوسع، يهدف صانعوها لتعزيز حضورهم السياسي في المشهد السوري، وقد تنامت هذه الظاهرة قبيل سقوط النظام وبعده، كما لاحظنا أن الكثير من القواسم المشتركة بين هذه الكتل والتيارات تبدو وكأنها متشابهة، إلا أن مجمل هذه القوى ماتزال تفتقر لخبرة إدارة العمل الجماعي وإيصاله إلى نتائجه المرجوَّة، وقد حملت للأسف كل هذه المحاولات عوامل فشلها، نظراً لما تحمله من استحكامات وعقد سياسية تسيطر على مقارباتها، من مصالح شخصية، وفئوية، تحكم سلفاً بعقمها.
نشارك باللقاءات والفعاليات
ويوضح عيون السود:
نحن من جهتنا نشارك بنشاط في الكثير من هذه اللقاءات والفعاليات السياسية بالتشارك مع عدد كبير من هذه الأطراف السياسية على اختلافها، مع إيلاء الاهتمام الأكبر لتنمية منظمات المجتمع المدني، كما خضنا جولات من الحوار المفتوح مع الكثير من القوى والتجمعات، لكنها بقيت في الإطار النظري دون أن تتحوَّل إلى تحالفات ملموسة لها نواظم عمل وسياسات متفق عليها.
ندعم إعادة بناء الدولة الوطنية
ويتابع عيون السود توضح موقف حزبه من التحالفات فيقول:
وعلى صعيد التحالفات الملموسة، فنحن اليوم جزء من تحالف عريض تحت عنوان المبادرة الوطنية التي انطلقت منذ سنوات، وكذلك شاركنا في تأسيس وإطلاق تحالف آخر تحت اسم تجمع القوى الديمقراطية، وما زلنا في إطار سعيِنا لبلورة التوجُّه العام، ورسم السياسات المشتركة مع هؤلاء الشركاء من الطرفين. أما ورقتنا السياسية فتنطلق من أولوية المصلحة الوطنية على كل ما عداها، والحلقة المركزية اليوم تتأسس على دعم ومباركة كل الجهود الساعية لإعادة بناء الدولة الوطنية، ونقلها من مزرعة لآل الأسد إلى دولة المؤسسات وسيادة الاجتماعية. وموقف الحزب من الإدارة الجديدة يتحدد انطلاقاً من صدقيتها وعزمها على توحيد جهود السوريين وراء إعادة بناء الدولة الوطنية كمظلة جامعة، دون مواصفات أخرى تثقل كاهلها، دولة تحفظ أمن وحقوق ومستقبل السوريين جميعاً دون تمييز أو استثناء، في ظلّ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.
نينار برس
تناهى إلى مسمعنا بأن هناك جهوداً حقيقية لإعادة اللحمة التنظيمية والسياسية لشقي حزب الشعب الديمقراطي السوري (حزب الشعب الذي تقودونه وحزب الشعب القيادة المؤقتة)
ما صحّة هذه الأنباء؟ وهل لا يزال ثمّة هوّة بين رؤيتي شقي الحزب حول قضايا سياسية وتنظيمية؟ أليست وحدة الحزب قوةً له ولجماهيره في هذا المنعطف التاريخي بعد سقوط نظام الأسد؟
لا وجود لانقسام سياسي أو تنظيمي في الحزب
يجيب الأمين الأول لحزب الشعب الديمقراطي السوري السيّد غياث عيون السود على سؤالنا فيقول:
أولاً لا صحة ابداً للحديث عن وجود انقسام سياسي او تنظيمي في الحزب، وبالتالي فإن مسألة إعادة اللحمة التنظيمية والسياسية غير مطروحة من الأساس. كما أنه لا يوجد شيء اسمه (شِقَّي الحزب)، والأمر كله يُختَصر بخروج مجموعة من الرفاق خارج الإطار التنظيمي للحزب، بدوافع وأهداف مختلفة، وهؤلاء لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين، وقد اتُّخِذت بحقهم بعض الاجراءات التنظيمية نظرا لتجاوزاتهم وخروقاتهم للنظام الداخلي. ولم نسمع من أيٍ منهم أن السبب في خروجهم من الحزب هو سبب سياسي، ونحن من جهتنا لا نعتبر أن خروجهم شكَّل حالة من الانقسام السياسي او التنظيمي.
اعترضوا على نتائج المؤتمر السادس فخرجوا
ويوضح عيون السود:
أما الدافع الحقيقي وراء خروجهم من هيئات الحزب ومخالفاتهم التنظيمية، فهو من وجهة نظرنا في أن معظم هؤلاء الرفاق، إن لم نقل جميعهم، كانوا من المعترضين على نتائج المؤتمر السادس للحزب، هذا المؤتمر الذي دشَّن مرحلة جديدة كلياً في تاريخه ومسيرته، بعد أن أخذ على عاتقه قرارات لتجديد حياة الحزب على صعيد رؤيته التنظيمية والسياسية، وعلى صعيد تجديد قيادته، وضخّ دماء جديدة في أُطره وهيئاته، وقد شعر هؤلاء الرفاق بخسارة مواقعهم التنظيمية، وبحيثياتهم الشخصية التي بنوها في مرحلة العمل السري، التي دامت أكثر من عشرين عاماً، وبدأوا يبحثون عن ثغرات يمكن التسلل عبرها لتعطيل هذه الانعطافة الجديدة, وقد وجدوا فرصتهم إبَّان انطلاقة الثورة السورية، واضطرار معظمهم للخروج من البلاد، الأمر الذي اشعرهم بحرية في التحرك وبقدرتهم على حياكة تحالفات وعلاقات سياسية من وراء ظهر الحزب، مع محاولة متكررة لضرب الشرعية التنظيمية لقيادة الحزب بحجة عدم الالتزام بعقد المؤتمر السابع، الذي حالت ظروف الثورة دون انعقاده رغم التحضيرات التي نفذتها اللجنة المركزية استعداداً لعقده.
اللجنة المركزية للحزب ترحّب بعودة الرفاق
ويبيّن عيون السود موقف الحزب من عودة كلّ أعضائه إلى صفوفه، فيقول:
منذ أكثر من عام مضى، لم تتردد اللجنة المركزية بمناسبة بدء التحضيرات اللازمة لعقد المؤتمر، في إصدار بيانٍ ونداءٍ واضحٍ لجميع الرفاق للترحيب بعودتهم الى صفوف الحزب، وأخذ دورهم في المشاركة في تحضيرات المؤتمر، كما أبدت استعدادها لإصدار بيان يؤكد أهمية عودتهم بعد تحرير سوريا، تحضيراً لمرحلة جديدة في حياة الحزب، والتي تفيد بضرورة طي صفحة الماضي بكل ما تخللها من أخطاء وتجاوزات.
يريدون محاصصة سياسية
ويوضح عيون السود:
إلا أننا فوجئنا بسلسلة من المطالب والشروط التعجيزية وملخَّصها بأنهم قد أنشأوا قيادة جديدة، وصار لديهم مكاتب ومنظمات مستحدثة، وما على الحزب إلا الاعتراف بهم كجهة سياسية وتنظيمية، وبالتالي تشكيل لجان مشتركة للاتفاق على آليات الدمج والادماج، ومع كل ما يتخلل ذلك من نظام محاصصة ومحسوبيات يرفصها الحزب جملةً وتفصيلاً. وكان جوابنا لهم بأن يمضوا في طريق تشكيل حزبهم وتقديم وثائقهم وعقد مؤتمرهم الخاص وستدرس اللجنة المركزية وقت ذاك فكرة التنسيق او التحالف معهم، راجين لهم التوفيق والنجاح.
نينار برس
لم تحاول قيادة العهد الجديد الدفع باتجاه حكومة انتقالية تشمل الطيف السياسي السوري، وبقيت التعيينات المفصلية مقتصرة على هيئة تحرير الشام.
هل نحن ذاهبون من جديد نحو إعادة إنتاج استبدادٍ سياسيٍ؟ هل تعتقدون إن القوى الدولية وفي مقدمتها الغرب الأمريكي والغربي وحلفهما العالمي جادون في مطالبهم من العهد الجديد بضرورة أن يتمّ الانتقال السياسي بصورة جدية وملموسة وبمشاركة كل القوى السورية؟
العهد الجديد لم يلحظ حضوراً لأحزاب
يقول الأمين الأول لحزب الشعب الديمقراطي السوري السيد غياث عيون السود في إجابته على سؤالنا الأخير:
أعتقد جواباً على سؤالك، بأن الحكومة الانتقالية لم تشمل كل الطيف السياسي السوري، أمر يحتاج إلى نقاش مفصل، فإذا كان المقصود بالطيف السياسي هو القوى والاحزاب السياسية السورية، فنحن نرى أن تسلط العصابة الأسدية على مدى 54 عاماً على الشعب السوري وقواه السياسية، عبر تحريم وتجريم العمل السياسي، واعتقال آلاف السياسيين لأكثر من ربع قرن في عهد الأسد الأب، وحرب الإبادة التي شنّها الأسد الابن ضد الشباب المنتفضين، لم يبق لهذه الأحزاب ظلاً على الأرض.
ويرى عيون السود:
أن سوريا شهدت تصحراً سياسياً قلَّ نظيره في العالم، وأصبح ما تبقى من القوى السياسية مجرد هياكل عظمية لا وزن لها على الأرض ولا تتمتع بأية حيثية وازنة ومقدَّرة، باستثناء بعض الشخصيات العامة، وبعض المناضلين السياسيين الذين دفعوا حياتهم ثمناً للحرية في مواجهة نظام الأسدين. وبناءاً عليه لم يلحظ العهد الجديد حضوراً سياسياً مؤثراً لقوى فاعلة في المجتمع السوري يمكن التعاون معها والانفتاح عليها. ناهيك على أن بعض هذه القوى الجادة في معارضتها لم تدخل حقيقةً معترك السياسة بمعناه المجتمعي والفاعل، وبقيت في مخابئها تصدر بياناتها المعارضة وتتوارى عن أجهزة الأمن، لكنها ظلَّت مقطوعة الصلة بجمهورها، وعاجزة عن اقامة علاقات سياسية مع بعضها أو مع غيرها. كما بقيت برامجها وسياساتها قاصرة عن تجديد نفسها واستيعاب الشباب والتعبير عن تطلعاتهم، وأصبح السوريون جميعاً بالكاد يعرفون أسماء هذه الأحزاب، أو أسماء قادتها ناهيك ببرامجها ومواقفها.
أما القول بأن التعيينات بقيت مقتصرة على هيئة تحرير الشام، فأقول للتدقيق أنه كلام مبالغ به، ربما هناك أكثرية ذات خلفية إسلامية، إلا أن مستوى المشاركة مع الآخرين بقي مقبولاً في ظلّ الظروف التي تمر بها البلاد، مع حرص السلطة بألا تخرج الأمور عن السيطرة إبَّان سقوط النظام.
ويشرح عيون السود:
ربما لا تكون التركيبة الحكومية مرضية لتطلعات السوريين وتحتاج إلى مزيد من الانفتاح، وهو الأمر الذي مازلنا نطالب فيه الإدارة الحالية بتوسيع قاعدة المشاركة، ولو ضمن حكومة وُصِفت بحكومة الكفاءات التي تتطلب اختصاصيين قادرين على النهوض بأعباء وزاراتهم.
لا نعتقد أننا ذاهبون في ظل الإدارة الجديدة نحو الاستبداد السياسي، فمناخ الحرية الذي يتمتع به السوريون دفعوا ثمنه تضحيات كبيرة، تتوجت بسقوط النظام واستعادة الحرية والكرامة، وهذا المناخ ليس مِنَّة من هذه الإدارة. ونحن اليوم أمام مرحلة طويلة تعدُّ بالسنوات، تستطيع خلالها الحركة السياسية وقوى المجتمع السوري بجميع أطيافها وفعالياتها من إعادة بناء وتأهيل نفسها وصياغة برامجها وتحالفاتها مستفيدةً من هذا المناخ الذي لا يمنع عمل الأحزاب ونشاطها حتى قبل قونتها، وتستطيع هذه القوى أن تفرض حضورها في المشهد السياسي، وتمارس الضغوط المطلوبة على هذه الإدارة لإعادة السياسة إلى المجتمع، وإطلاق حياة سياسية قادرة على إغلاق طريق الاستبداد من أي لون كان إلى غير رجعة.
ويضيف عيون السود:
أما على صعيد تلبية تطلعات الشعب السوري والوفاء بأهداف ثورته في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، فهو سياق مفتوح لمراكمات نضالية قادمة, فالسلطة مهما كانت لا تمنحك ما تريد وتبقى البقية مرهونة بقدرة الحركة السياسية بمختلف اطيافها على تنظيم صفوفها وتعزيز حضورها السياسي، فالديمقراطية والدولة المدنية والتعددية السياسية وترسيخ دولة المواطنة، والإصرار على تثبيت ركائز الحياة السياسية الفاعلة، كلها أهداف ينبغي التمسك بها واستكمال مسيرتها عبر النضال من أجلها في سيرورة تراكمية لابد أن تعطي ثمارها على المدى المتوسط والبعيد.
ويعتقد عيون السود حول دور القوى الغربية فيقول:
أما عن دور القوى الدولية والغرب الأمريكي والأوروبي في ممارسة الضغوط على الإدارة الجديدة لتأمين الانتقال السياسي بمشاركة كل القوى السياسية، فأعتقد أن هذا الأمر لا يمكن المراهنة عليه وخاصة على صعيد توفير الديمقراطية لشعوبنا، فالغرب عموماً لا يمارس ضغوطه من أجل هذه القضية المحورية وكل ما يهمه مصالحه وأجنداته، ومصلحته اليوم تتمحور بضرورة تأمين الهدوء والاستقرار في المنطقة ليبني استراتيجياته على أساسها، وفي محاربة الإرهاب والتطرف وحماية أمن إسرائيل، إلا أن انفتاح سوريا على العالم كواحة للاستثمار وعقد الشراكات الاستراتيجية لابد أن يفرض نفسه في جملة التشريعات القانونية في ظل سيادة القانون ودولة المؤسسات التي تحفظ الحقوق وتوقر البيئة المناسبة لتشجيع الاستثمار وحماية حقوق المستثمرين ومصالحهم. وربما من الجدير ذكره في هذا السياق أن نستشعر ببعض القلق أمام حجم هذه التدخلات الخارجية ومآلاتها واحتساب مخاطرها على المدى البعيد فنظام الأسدين مثلاً كان أميناً طوال عقود طويلة على مصالح الدول المتدخلة التي تحفظ سلطته على حساب الشعب السوري دائماً وابداً.