يقدّم معرض “ليوناردو دافنشي وعطور عصر النهضة” في قصر كلو لوسيه بأمبواز، فرنسا، لمحة فريدة عن حياة الفنان الإيطالي الشهير، الذي لم يكن مجرد رسام ومهندس، بل أيضًا كان باحثًا في عالم العطور. وتم تنظيم هذا المعرض لإبراز اهتمام دافنشي العميق بصناعة العطور، وهو جانب غير معروف من أعماله.
انتقل ليوناردو دافنشي إلى أمبواز بدعوة من الملك فرانسوا الأول، الذي حكم فرنسا بين عامي 1515 و1547. عرف الملك دافنشي بموهبته المتنوعة، وأطلق عليه لقب “الرسام والمصمم الأول ومهندس الملك”. أقام دافنشي في كلو لوسيه، القصر الذي يبعد مسافة قصيرة عن قلعة الملك، حيث قضى سنواته الأخيرة. هناك، كتب وصيته وأرسل دفاتر ملاحظاته ورسوماته إلى تلميذه فرانشيسكو ميلزي قبل وفاته عام 1519.
يوصف المعرض بأنه تجربة حسية متعددة الأبعاد، حيث يسلط الضوء على اهتمام دافنشي بالعطور من خلال مقارنته بين حاسة الشم والحواس الأخرى مثل البصر والسمع. قام بجمع العطور المتاحة تجاريًا، والتي كانت تُصنع من الزيوت والزهور والدهون الحيوانية والنباتية، وسجل وصفاتها بدقة. من بين ملاحظاته الشهيرة كانت تلك المتعلقة بتقنيات التقطير، حيث كتب: “أزل هذا السطح الأصفر الذي يغطي البرتقال، وقم بتقطيره في الإنبيق، فالتقطير مثالي”.
خلال عصر النهضة، كانت العطور تُستخدم في مواقد مشابهة لتلك التي تحتوي على البخور، حيث كانت الزيوت تُستخدم لتعطير الأجواء وإخفاء الروائح الكريهة. كما اعتُبرت العطور وسيلة للوقاية من الأمراض، التي كان يُعتقد أنها تنتشر عبر الهواء الملوث. صمّم دافنشي جهاز حرق على شكل طائر يُعرف باسم “oiselet de cypher”، مما يعكس إبداعه في هذا المجال.
وقد يكون اهتمام دافنشي بالعطور مستوحى من والدته كاترينا، التي يُعتقد أنها كانت جارية من القوقاز. وتشير الأبحاث إلى أن كاترينا جاءت إلى إيطاليا عبر القسطنطينية، حيث كانت العطور تُستخدم لأغراض متنوعة، بما في ذلك العلاج والعبادة. وقام كارلو فيتشي، أستاذ الأدب الإيطالي في جامعة نابولي، بتوثيق رحلتها غربًا، مما يضيف بُعدًا تاريخيًا للمعرض.
يستعرض المعرض أيضًا الروائح التي كانت شائعة في عصر النهضة، بما في ذلك تلك المصنوعة من التوابل مثل الفلفل والمر والزوفا والقرفة. ويأخذ الزوار في جولة عبر غرف تعبق بروائح تلك الفترات، مستعرضًا ثقافات العطور التي واجهتها كاترينا في طريقها إلى إيطاليا. كما يضم المعرض كتب الوصفات المتعلقة بفن صناعة العطور في القرن الخامس عشر، ويظهر كيف كانت الأزياء تتناسب مع العطور المستخدمة.
علاوة على ذلك، يُظهر المعرض كيف كان أحد تلامذة دافنشي معروفًا بتفضيله لمزيج من صفار البيض وزيت بذر الكتان وزيت إكليل الجبل، مما يعكس تقنيات العطور التي ابتكرها ليوناردو. والصور التي رسمها فنانون مثل جيوفاني بيترو ريزولي وجيوفاني أنطونيو بولترافيو تضيف لمسة من الفخامة لعصر النهضة، مما يجعل المعرض تجربة غنية وممتعة للزوار.
يعتبر هذا المعرض فرصة فريدة لاستكشاف جانب غير معروف من حياة ليوناردو دافنشي، ويقدم نظرة عميقة على تاريخ صناعة العطور في أوروبا خلال عصر النهضة، مما يجعله وجهة مثيرة للاهتمام لعشاق الفن والتاريخ.