صرحت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا بريفرمان بضرورة إزالة الخيام التي ينام فيها المشردون (أ ف ب)

يراها بعضهم “ذكية” وتعرف كيف تشق طريقها في السياسة ضمن الجناح اليميني لحزب المحافظين، ويراها البعض الآخر “ساذجة” تحصل على ما تريده لتحاشي الآخرين مزايدتها السياسية عليهم بالمبدأية السياسية، هذا ما يخلص إليه تقرير مطول نشرته صحيفة “ذا صنداي تايمز” عن وزيرة الداخلية البريطانية سويلا بريفرمان التي أثارت كثيراً من الجدل بانتقادها شرطة العاصمة لسماحها بمسيرة مطالبة بوقف إطلاق النار في غزة

في العنوان الفرعي لتحقيق الصحيفة تقول “متهمة بأنها متهورة ومثيرة للانقسام، لكنها تحب التأمل الديني. تهاجم عبور المهاجرين عبر القنال الإنجليزي لكنها ابنة لمهاجرين من كينيا وموريشيوس”، بعدما أصبحت وزيرة الداخلية في قلب عاصفة سياسية مع زيادة الضغوط على رئيس الوزراء رشي سوناك لإقالتها من وظيفتها.

ولا تأتي الضغوط من المعارضة السياسية مثل حزب العمال وغيره، ولكن من داخل حزب المحافظين وعدد كبير من نوابه في البرلمان وحتى بعض الوزراء الذين امتنعوا عن دعمها علناً على وسائل الإعلام في الأيام الماضية، بعد مقالة لها في صحيفة “ذا تايمز” انتقدت ضمنها شرطة العاصمة وقائدها لرفضه طلبها المتكرر إلغاء مسيرات دعم الفلسطينيين المطالبة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، واعتبرت المقالة تحريضاً مباشراً لجماعات اليمين المتطرف التي خرجت تتحدى الشرطة أمس السبت وتحاول تخريب مسيرة غزة.

وسبق للوزيرة أيضاً قبل أيام أن صرحت بضرورة إزالة الخيام التي ينام فيها المشردون، مما اعتبره كثيرون خطراً قد يودي بحياة هؤلاء، بخاصة مع بدء فصل الشتاء.

 يذكر أن سوناك أعادها للحكومة في وزارة الداخلية، بعدما طردتها منها رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس.

تناقضات سياسية

اسمها الأصلي سو-إيلين، لكن في المدرسة كانوا يتجاهلون ازدواجية الاسم وينادونها سويلا حتى أصبح اسمها، وهي ابنة مهاجر من كينيا ومهاجرة من موريشيوس في الستينيات وتعتنق الديانة البوذية على رغم أن والدتها أوما هندوسية ووالدها كريستي مسيحي، ومتزوجة منذ عام 2018 برائيل برافرمان، وهو يهودي من جنوب أفريقيا يعمل مديراً لشركة “مرسيدس- بنز” في بريطانيا.

عمل والدها في مصنع ووالدتها ممرضة، لكنها فازت بمنحة جزئية للدراسة في مدرسة “هيثفيلد” المميزة شمال غربي لندن، ثم دخلت إلى “كوينز كولدج” بجامعة كمبريدج لتدرس القانون، وعائلتها من أعضاء حزب المحافظين وكانت والدتها عضو مجلس محلي عن حزب المحافظين لعقد ونصف العقد. وبعد قضائها عام تبادل دراسي في فرنسا، حصلت على درجة الماجستير من جامعة السوربون، إذ كانت تجيد اللغة الفرنسية التي تعلمتها من والدتها.

على رغم دراستها وإقامتها في فرنسا، إلا أنها عادت إلى بريطانيا لتصبح مؤيدة للخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) وأكثر تشدداً في ذلك حتى من رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون الذي يعد رمزاً لـ”بريكست”، وأصبحت عضواً في الجناح المناهض لأوروبا في حزب المحافظين المتمثل في “مجموعة الأبحاث الأوروبية”، ومن رموزها جاكوب ريس – موغ ومايكل غوف.

إلى جانب عملها في المحاماة، حاولت أكثر من مرة الترشح للانتخابات عن حزب المحافظين ولم تفلح، إلى أن تم ترشيحها في الدائرة التي تصوت تقليدياً للمحافظين في فيرهام بمقاطعة هامبشاير. وتحظى بتأييد كبير بين الناخبين في دائرتها، إلى حد يرونها حتى في تصريحاتها الانقسامية المثيرة للجدل، معبرة عنهم.

استقالت من منصبها الوزاري الصغير في حكومة تيريزا ماي اعتراضاً على اتفاق “بريكست” الذي توصلت إليه ماي مع المفوضية الأوروبية وأتت ضد الاتفاق على عكس بوريس جونسون الذي أطاح ماي بعد ذلك وصعد مكانها لزعامة الحزب ورئاسة الحكومة عام 2019.

عينها جونسون وزيرة للعدل بعدما اتضح أن خططه لـ”بريكست” ربما تتجاوز الحدود القانونية، وقامت بمهمتها في هذا السياق، مما جعلها أحد رموز ما يسمى “تجمع العائلات الخمس” داخل حزب المحافظين الممثل لتيار اليمين المتشدد فيه.

 

بروزها الأخير

برز اسم سويلا برافرمان سياسياً عندما رشحت نفسها في انتخابات الحزب صيف العام الماضي 2022 لخلافة زعيمه المستقيل من رئاسة الحكومة بوريس جونسون ومنافسة ليز تراس، وحاول فريق تراس إقناعها بالتنازل مقابل إعطائها حقيبة الداخلية في الحكومة الجديدة، لكنها أصرت على الاستمرار في المنافسة لتربح تراس. ومع ذلك ضمتها إلى حكومتها وزيرة للداخلية قبل أن تفصل منها عملياً خلال الأيام الأخيرة لوزارة تراس التي لم تستمر سوى ستة أسابيع.

وأعادها ريشي سوناك الذي خلف تراس باختيار نواب الحزب حتى من دون انتخابات بين أعضائه، لوزارة الداخلية في حكومته على رغم ملاحظات بعضهم على أدائها وطريقتها، وربما ذلك ما يجعل سوناك يتردد في إقالتها على رغم نشرها مقالة تنتقد الشرطة من دون الأخذ بملاحظات رئاسة الحكومة.

ويعتبر الجناح الرئيس الوسطي في حزب المحافظين عدم إقالتها علامة ضعف وتشويهاً لرسالة الحزب في شأن قضايا الحريات والهجرة وغيرها، إلا أن ما وصفته وسائل الإعلام بـ”مجموعة العائلات الخمس” اليمينية المتشددة تهدد بطلب سحب الثقة من حكومة سوناك إذا أقال برافرمان.

 وبحسب صحيفة “ذا غارديان”، فإن حوالى 50 نائباً من نواب الحزب في البرلمان يدعمون برافرمان ويعتبرون مواقفها الحال العامة السائدة بين الناخبين.

ويشار بوصف “العائلات الخمس” إلى مجموعة الأبحاث الأوروبية ومجموعة أبحاث الشمال والمحافظين الجدد ومجموعة المزاج العام ومجموعة اللاعودة. أما التسمية التي ينفر منها هؤلاء لاستخدام الإعلام لها، فترجع إلى وصف العائلات الخمس التي كانت تقود جماعات المافيا في الولايات المتحدة من قبل.

تباين آراء

في وقت يعتبر حلفاؤها أنها تقول ما هي مقتنعة به وأن مواقفها وآراءها هي مواقف وآراء غالبية الناخبين المحافظين، يرى بعض قادة الحزب أنها تمثل خطراً على الحزب انتخابياً بإثارتها الشقاق، أو بتشويه رسالة الحزب إلى البريطايين عامة، كما حذر النائب البارز في الحزب والوزير السابق ديفيد دافيز.

وتنقل “ذا تايمز” عن أحد زملائها في الحزب قوله “هي صلبة الرأي، لكن يمكن أن تكون ساذجة جداً في الوقت نفسه. يقول كثيرون إن ذلك نوع من الاستراتيجية، لكن أظن أن تلك مجاملة مبالغ فيها. إنها تقول ما يرد على ذهنها من دون أي تأنٍّ”. أما البارونة وارسي وهي من رموز حزب المحافظين، فتصف برافرمان بأنها “خطرة ومثيرة للانقسام”.

لكن حليفة الوزيرة النائبة المحافظة ميريام كايتس تقول إنها “شجاعة جداً، وإذا رأت أن هناك ما يقال أو يتم عمله فستفعله”. وكانت كايتس من أبرز الداعمين لسويلا برافرمان في حملتها للفوز بزعامة الحزب ورئاسة الحكومة خلفاً لبوريس جونسون العام الماضي.

وتختم “ذا صنداي تايمز” تقريرها عن سويلا برافرمان، وزيرة الداخلية المثيرة للجدل، بالإشارة إلى أن من يعرفونها منذ فترة يرون أن خلفيتها تقوم بدور مهم في مواقفها، خصوصاً بالنسبة إلى المسيرات الداعمة لفلسطين، وتنقل عن هؤلاء قولهم إن “لديها مصلحة عائلية مهمة في هذا الأمر، فزوجها يهودي وهي عاشت في منطقة ذات غالبية يهودية في هيرتفوردشير. وعلاقتها بالجالية اليهودية قوية جداً. لقد تسرع الناس بالقول إنها مكيافيللية (انتهازية سياسية) لكنها ترى هذه المسألة كمسألة قيم ومبادئ”.

أما الإشارة إلى المكيافيللية هنا، فالقصد منها أن عدداً من قيادات الوسط في حزب المحافظين يعتبرون مواقف برافرمان المثيرة للجدل ومزايدتها على ريشي سوناك، مقدمة لمنافسته على زعامة الحزب ورئاسة الحكومة.