منذ عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم حافظ كل من إسرائيل و “حزب الله” على قواعد الاشتباك التقليدية التي أرسيت غداة حرب 2006 بين الطرفين بشكل غير رسمي ومضمونها الأساسي حصر أي اشتباك عسكري ان حصل ضمن دائرة ضيقة وفي إطار عسكري يستثني المدنيين. هكذا انحصرت الاعمال العسكرية بين الطرفين في الأعوام الأولى بعد حرب 2006 ضمن المنطقة المتنازع عليها بوضوح في مزارع شبعا التي يطالب بها لبنان فيما هي تقع ضمن نطاق القرار 242 الذي اقر بنهاية حرب1967. يومها خسرت سوريا هضبة الجولان ومعها مزارع شبعا اللبنانية التي كانت احتلتها عنوة على مراحل خلال ستينات القرن الماضي. وكما هو معروف فإن مزارع شبعا واقعة على السفح الغربي من جبل الشيخ. ولغاية اليوم ترفض السلطات السورية ان تقدم الوثائق الكاملة لديها للأمم المتحدة لتحديد هوية مزارع شبعا.
بعد 7 تشرين الأول الماضي، وفي مرحلة أولى قبل الخطاب الأول للأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله، حافظ الطرفان الإسرائيلي و”حزب الله” الى حد ما على قواعد الاشتباك التقليدية مع بعض التجاوزات غير الخطرة. بعد الخطاب الأول الذي انتُقد بسببه نصرالله في البيئات الفلسطينية والعربية المؤيدة لحركة حماس، قام “حزب الله” برفع مستوى المناوشات على الحدود ضمن اطار جغرافي محدود بخمسة كيلومترات على جانبي الحدود، فجرى تعديل على قواعد الاشتباك التقليدية السابقة بسبب توسيع نطاق المناوشات على جبهة امتدت الى اكثر من 100 كيلومتر وحصلت تجاوزات لاسيما من إسرائيل للقواعد عندما استهدفت صحافيين وسيارة مدينة قتل فيها ثلاثة أطفال وسيدة.
بعد الخطاب الثاني، سجل ارتفاع نوعي في حدة المناوشات التي تحولت الى اشتباكات وتراشق دخل فيها الطيران من جانب إسرائيل والصواريخ الثقيلة من جانب “حزب الله” مثل “البركان” الذي يحمل رأساً تتراوح زنته بين 300 و500 كيلوغرام. ويوم أمس، ارتفعت حدة الاستهداف من جانب الحزب المذكور وشملت مدنيين، وأهدافاً وصلت الى نهاريا بتوقيع من حركة حماس – فرع لبنان! وليلا بعدما استهدف بنك الأهداف الإسرائيلي لدى “حزب الله” مدنيين، وأكثر من 15 هدفاً خلال النهار، سرب المستوى العسكري الإسرائيلي لصحيفة “معاريف” ان الجيش يستعد لرد كبير ضد “حزب الله” على خلفية تصعيد الهجمات على الجبهة الشمالية!
للتذكير يبدو أن الطرفين متمسكان بقواعد الاشتباك المحدثة منذ 7 تشرين الأول الماضي. لكن يوماً بعد يوم ينزلق “حزب الله” نحو صنف من صنوف الحرب. فالوضع على الأرض متدحرج. و”حزب الله” في ظل قرار إيراني بعدم التورط في حرب شاملة مع إسرائيل، مهتم بتسجيل نقاط ضدها، حتى لو كلفه الامر سقوط العشرات من مقاتليه حتى اليوم. غير ان الأخطاء يمكن ان تحصل. والتوتر المتصاعد من شأنه ان يزيد من احتمال ارتكاب خطأ لدى الطرفين. ولذلك فقد تدخل الاميركيون ليلة البارحة لمنع تطور المجابهة على الحدود بين الطرفين. لكن لا ضمانات نهائية إلا إذا اتفق الطرفان بنقل المواجهة الى الأراضي السورية كما جرت العادة منذ العام2013. للدلالة على واقعية الطرح ان المسيرة التي استهدفت قبل ثلاثة أيام مدينة ايلات الإسرائيلية وعلى عكس التوقعات أطلقت من سوريا وليس من اليمن، فأتى الرد الإسرائيلي بغارة جوية على موقع ل “حزب الله” بجوار مدينة القصير في ريف حمص لجهة الحدود السورية مع لبنان، وقتل 7 عناصر من الحزب المذكور. والسؤال اليوم هو هل تعود إسرائيل و “حزب الله” الى الساحة السورية لتصفية الحسابات الكبيرة؟ أم تنهار قواعد الاشتباك في لبنان وينزلق الطرفان بداية الى “ميني” حرب، وربما لاحقا الى حرب حقيقية؟