ما يبدو مثيراً للقلق في الشارع الأميركي هو ازدياد خطاب الكراهية في كلا المقلبين المتصارعين، خصوصاً لجهة ظهور خطاب معاد للإسلام يصل إلى حدّ الرهاب، كما ازداد الخوف من ارتفاع منسوب معاداة السامية وكراهية اليهود في الولايات المتحدة مع سقوط قتيل يهودي في تظاهرة في مدينة لوس أنجلوس.

متمالكة دموعها، دافعت النائبة الديمقراطية في الكونغرس الأميركي رشيدة طليب عن نفسها، وهي تحمل صورة لجدتها الفلسطينية. لم تكن رشيدة وحدها في المواجهة التي شهدها الكونغرس على خلفية تصريحاتها الداعمة لأبناء البلد الذي تتحدّر منه: فلسطين.

صوّت مجلس النواب الأميركي لصالح تطبيق رقابة على رشيدة بسبب تصريحاتها المنتقدة لإسرائيل ولإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في دعم حرب الإبادة التي تشهدها غزة.

إلهان عمر، النائبة من أصول صومالية، وقفت في المجلس جنباً إلى جنب مع قضية زميلتها. فانتقدت ازدواجية المجلس، قائلة إن التصويت ضد رشيدة أظهر نفاقاً صارخاً، وتابعت: “هناك جمهوريون في الكونغرس يريدون اختلاق تعريفات واتهام رشيدة بأنها تريد إبادة الناس، في حين ظهر ماكس ميلر(النائب الجمهوري) متفاخراً على شاشة التلفاز مطالباً بتحويل غزة إلى موقف للسيارات وإبادة الفلسطينيين، ومع ذلك لم يدنه أحد!”. وتوجهت عمر إلى الجمهوريين قائلة إن أحداً منهم لم يعترف بحقيقة أن الفلسطينيين يموتون بعشرات الآلاف.

هذه الحدّة في النقاشات داخل الكونغرس الأميركي تعكس الغليان الذي تشهده ولايات أميركية عدة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وتحديداً حينما أمعنت إسرائيل في ردّها الدموي على المدنيين في غزة. وفي حين كانت أصوات كثيرة تدين ما فعلته حركة “حماس”، ارتفعت أكثر فأكثر أصوات تدين الردّ الإسرائيلي غير المتكافئ، وتدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار. وقد شهد محيط البيت الأبيض تظاهرات حاشدة شارك فيها يهود أميركيون رافعين شعارات “ليس بإسمنا”.

لكن ذلك لم يخلق حتى الآن موجة ضاغطة على إدارة بايدن لدفعها إلى فرض وقف لإطلاق النار، الذي لا تزال تعارضه بشدّة حتى الساعة. بل إن أصواتاً متطرفة كثيرة لا تزال مسموعة في المشهد السياسي والإعلامي الأميركي، بينها اقتراح النائب الجمهوري المتطرف راين زينكي بإيقاف جميع طلبات الهجرة للفلسطينيين إلى الولايات المتحدة الأميركية، في موقف يحمل شحنة كبيرة من الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني.

دونالد ترامب استقبل كرة الكراهية التي أطلقها زينكي، معلناً أنه سيعمل على ملاحقة جميع الطلاب الذين تظاهروا ضد إسرائيل في الولايات المتحدة وطردهم من الجامعات، في استغلال واضح للدم الفلسطيني في حملة الانتخابات الرئاسية المقبلة. ويبدو أن مواقفه هذه قد عادت عليه بالمنفعة، إذ أظهر استطلاع رأي أجرته محطة “سي أن أن”، تقدّم ترامب على بايدن بعد الأحداث الأخيرة، وتراجع شعبية بايدن لدى بعض المجموعات التي فاز بأصواتها في انتخابات العام 2020.

ما يبدو مثيراً للقلق في الشارع الأميركي هو ازدياد خطاب الكراهية في كلا المقلبين المتصارعين، خصوصاً لجهة ظهور خطاب معاد للإسلام يصل إلى حدّ الرهاب، ترجم في جريمة القتل التي ارتكبها أميركي بحق طفل فلسطيني بعدما أقدم على طعنه مع والدته بشكل متكرر ووحشي، صارخاً “أنتم المسلمون يجب أن تموتوا!”. كما ازداد الخوف من ارتفاع منسوب معاداة السامية وكراهية اليهود في الولايات المتحدة مع سقوط قتيل يهودي في تظاهرة في مدينة لوس أنجلوس، بعد تدافع جسدي بينه وبين مناصر للقضية الفلسطينية، فيما لم تستبعد السلطات المحلية أن تكون الحادثة “جريمة كراهية”.

دايفد ريمنيك في زاوية “حديث البلد” في مجلة “نيويوركر”، قال إن “قوى الكراهية تتمدّد بقوة لتتخطى منطقة الشرق الأوسط”. ونقل عن مدير الـ”أف بي آي” كريستوفر راي، في شهادته أمام مجلس الشيوخ الأميركي، قوله إن “منسوب معاداة السامية وصل إلى مستويات تاريخية في الولايات المتحدة، وحذّر من أن متطرفين قد يستوحون من هجوم “حماس” للاعتداء على يهود في أميركا”. راي قال أيضاً إن اليهود، “بغض النظر عن أنهم يمثلون فقط 2.4 في المئة من المجتمع الأميركي، هم أهداف لما يزيد عن ستين في المئة من جرائم الكراهية الدينية في أميركا”. كما ينقل محرر “نيويوركر” كلاماً كتبته روزينا علي، المتخصصة في شؤون الإسلاموفوبيا والشرق الأوسط، تعبّر فيه عن خشيتها من أن منسوب معاداة الإسلام وجرائم الكراهية التي يتعرض لها مسلمو المجتمع الأميركي، في ارتفاع مضطرد.

ريمنيك حمّل ضمنياً بايدن وإدارته هذه المخاطر التي تتهدّد المجتمع الأميركي، منتقداً ازدواجيته في التعامل مع بنيامين نتانياهو عبر احتضانه في العلن والضغط عليه تحت الطاولة، والتي أثبتت أنها “لعبة خاسرة وخطرة”، مشيراً الى أن “نتانياهو يحترف خداع الرؤساء الأميركيين منذ نهاية التسعينات”، وأنه قال يوماً: “أنا أعلم ما هي أميركا. أميركا يمكن التحكّم بها بسهولة”.