باريس ـ “القدس العربي”: توقفت صحيفة “لوموند” عند الكتاب الجديد للروائي اللبناني إلياس خوري، الذي يحمل عنوان “نجمة البحر” ( L’Etoile de la mer)، وهي قصة فلسطيني- إسرائيلي يحاول أن يجد له مكانا في مجتمع يهمشه، واصفة إياها بـ”الملحمة الرائعة”.
ولد آدم – بطل الرواية – عام 1948، ونشأ في الحي اليهودي في اللد، حيث تم حبس الفلسطينيين الذين بقوا هناك بعد احتلال الجيش الإسرائيلي للمدينة. وفي عام 1963، عندما كان في الـ15 من عمره، غادر آدم بمفرده هربا من صدمة الطفولة. فمن خلال الحياة المتعاقبة لهذه الشخصية الرائعة، التي يطاردها الضياع والاقتلاع، يواصل إلياس خوري استكشاف موضوعاته المفضلة: الهوية والذاكرة وفقدان الذاكرة الطوعي والخيانة والعلاقة بين المحرقة والنكبة، وعلاقة الخيال بالتاريخ، مع هذه الملحمة الفلسطينية الجديدة.
تحكي الرواية قصة آدم بضمير الغائب. نجده هنا في حيفا ـ عنوان الرواية يشير إلى دير سيدة جبل الكرمل (ستيلا ماريس)، الواقع على سفوح جبل الكرمل المطل على المدينة. وقد هرب من الحي اليهودي في مدينة اللد التاريخية مع والدته، التي تزوجت مرة أخرى بعد وفاة زوجها الأول. لم يعد قادرا على تحمل تنمر زوج والدته، فترك منزل العائلة، وسرعان ما تم وضعه تحت جناح غابرييل، وهو يهودي بولندي. أطلق عليه اسم آدم دانون، ووقع في حب ابنة حاميه، ويبدأ دراسة الأدب العبري. اختاره أستاذه، اقتناعاً منه بأنه يهودي، ضمن وفد طلابي للمشاركة في رحلة منظمة إلى بولندا – وهي لحظة قوية جدا في الرواية، حيث يلتقي آدم بماريك إيدلمان (1919 ـ 2009)، زعيم انتفاضة الغيتو في وارسو، الذي اختار البقاء في بولندا بعد الحرب العالمية الثانية.
يتشابك التاريخ والخيال بشكل لا ينفصم في الكتاب.. فقصة حياة آدم تتخللها باستمرار قصص أخرى، مثل قصص الرجال والنساء اليهود أو العرب، أو كليهما في الوقت نفسه. الأدب في جامعة حيفا، وقصص الطرد والهجرة القسرية والاضطهاد: يلعب إلياس خوري على مسرحية مجتمع المصير لليهود والفلسطينيين، غادر آدم الحي اليهودي في اللد مع والدته، لكن صدمة الحبس لم تفارقه. بالنسبة له، “البقايا هي الذكريات والذكريات تقتل”. وقال لأستاذه إن الذاكرة مرض يجب التخلص منه، والماضي كان مرضاً والبكاء عليه حوّل الدموع إلى محيط من الأوهام.
وفي نهاية الرواية يقول آدم، وهو في الأربعينيات من عمره، لداليا بن تسفي، رفيقته اليهودية الجديدة: “أنا لست سعيد الببتيمي لإميل حبيبي”. والحقيقة – توضح “لوموند” أن هناك أكثر من نقطة مشتركة بين بطل إلياس خوري وبطل الروائي الفلسطيني إميل حبيبي (1922-1996) صاحب كتاب “مغامرات سعيد الببتيمي العجيبة”. وقبل كل شيء، على حد تعبير آدم نفسه، هذه الهوية “الحربائية”، هي الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة في مجتمع إسرائيلي يهمشه ويجعله غير مرئي.
واعتبرت “لوموند” أنه بهذه الملحمة الرائعة، يحقق إلياس خوري من خلال الرواية الرومانسية ما يعادل ما استطاع الكاتب الفلسطيني محمود درويش (1948 ـ 2008) أن يفعله بالشعر: التعبير عن الحالة الفلسطينية كحالة إنسانية، في تفردها وعالميتها. وهي قراءة ضرورية جدا في هذا الزمن الذي ينتصر فيه تجريد الآخر من إنسانيته على جميع الجوانب.