امام مشفى خان يونس

غزة: صباح الاثنين 13 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، أعلن مستشفى الشفاء في غزة، وفاة طفل مولود كان في إحدى الحضّانات المعدة خصيصا لاستقبال الأطفال الخُدج، الذين يحتاجون إلى استمرار تدفق الأكسجين. وهو الطفل الثالث الذي تعلن إدارة المستشفى عن وفاته خلال 24 ساعة بسبب حصار الدبابات والآليات الإسرائيلية لمحيط المستشفى ومنع دخول الإمدادات الطبية والوقود الخاص بتشغيل المولدات الكهربائية الخاصة بها، لليوم الرابع على التوالي.

وحذر مدير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في قطاع غزة الإثنين من “توقف العمليات الإنسانية خلال 48 ساعة لعدم السماح بدخول الوقود إلى غزة”، في وقت أصبحت فيه معظم المستشفيات والمراكز الطبية البالغة عددها 36، خارج الخدمة.

بدأت أزمة مستشفيات قطاع غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما اضطر قرابة 12 مستشفى، الى استقبال أكثر من 28 ألف جريح ومُصاب، خلال أقل من شهر ونصف الشهر من الحرب الإسرائيلية، وهو ما يفوق قدرتها الاستيعابية بحسب ما قالت وزارة الصحة في عدة تصريحات صحافية سابقة، وذلك نتيجة ارتكاب إسرائيل عشرات المجازر بحق المدنيين الغزيين واستهداف المباني السكنية والمنازل، وهدمها على رؤوس ساكنيها دون سابق إنذار.

 

لقد ساءت حالة المستشفيات، بعدما أعلنت إسرائيل قطع خطوط الكهرباء المُغذية لقطاع غزة، في اليوم الثالث للحرب، كما أعلنت قطع المياه، ومنع دخول المحروقات والوقود والمستلزمات الطبية وغيرها من الاحتياجات الأساسية، لتعتمد المستشفيات على مخزونها من السولار لتشغيل مولدات الكهرباء الخاصة بالمستشفى، وتشغيل سيارات الإسعاف. ومع استمرار إسرائيل تنفيذ قرارات المنع باتت إمكانية استمرار عمل المستشفيات مهددة، ما اضطر وزارة الصحة ومُدراء المستشفيات لإطلاق عشرات المناشدات والمطالبات لإدخال الوقود والمستلزمات الطبية دون مُجيب، إلا بضع شاحنات حملت مستلزمات طبية بسيطة، سمحت إسرائيل بوصولها للمستشفيات في جنوب القطاع فقط.بعد أسبوع من عمليات القصف والقتل والدمار، بدأ الجيش الإسرائيلي يطلق تحذيراته المُطالبة لسكان النصف الشمالي لقطاع غزة، بالنزوح والمغادرة إلى النصف الجنوبي، وراء وادي غزة الذي يشق القطاع من الشرق وحتى البحر المتوسط غربا، مُعلنا مدينة غزة وشمال القطاع منطقة عسكرية. لكن المشكلة الحقيقية الخاصة بالمستشفيات، بدأت بعد أسبوعين، عندما نشر المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي عبر صفحته على منصة “إكس” (“تويتر” سابقا)، فيديو لمُجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة، مُدعيا أن قيادة حركة “حماس” و”كتائب القسام” الجناح العسكري للحركة، تختبئ في غُرف مُحصنة أسفل مباني المُجمع الطبي، والموصولة بشبكة الأنفاق أسفل غزة.

وقد استمر التحريض الإسرائيلي على المستشفيات، حتى عاد أدرعي لنشر فيديوهات أخرى لمستشفى الأطراف الصناعية شمال غربي مدينة غزة، مُدعيا أنه اكتشف فتحة نفق بجوار أحد مبانيها، ونشر فيديو آخر للمستشفى الإندونيسي في شمال القطاع، ادعى أن قيادة “حماس” تمتلك غرفا مُحصنة أسفل المباني الطبية، والموصولة بالأنفاق أيضا، وهي الادعاءات التي نفتها وزارة الصحة ومدراء المستشفيات وحتى قيادة “حماس” على لسان الناطق باسم “كتائب القسام”، أبو عبيدة.
لم تكن التهديدات فقط هي سبيل الجيش الإسرائيلي لإجبار المئات وربما الآلاف من المواطنين النازحين إلى ساحات ومباني مستشفيات قطاع غزة على مغادرته بعدما لاذوا بها كملجأ اعتقدوا أنه آمن عقب استهداف منازلهم أو تهديد منازل أخرى في محيط سكنهم، وبالأخص في النصف الشمالي للقطاع، حيث تعمد جنود الاحتلال الاتصال المباشر بمدراء غالبية المستشفيات في الشمال والجنوب ومطالبتهم بإخلائها من النازحين والمرضى والأطقم الطبية تمهيدا لاستهدافها إلا أن وزارة الصحة اتخذت قرارا بعدم التجاوب أو إخلاء أي من المستشفيات، حتى لو تم قصفها على رؤوس من فيها أمام كاميرات الصحافة والفضائيات ووكالات الأنباء الدولية والعالمية.
حاول الجيش الإسرائيلي ممارسة ضغوط أكبر على المستشفيات من خلال استهداف منازل ومبانٍ سكنية مجاورة للمستشفيات، ربما لبث الخوف والرعب والعمل على إجبار الموجودين كل من هو داخل أسوار المستشفيات، للإخلاء، لكن إلى أين يذهب الآلاف؟ وماذا يفعل الأطباء بمرضاهم على أسرة العلاج؟

لم يتغير شيء على أرض الواقع، ما دفع إسرائيل لتضرب عرض الحائط كل القوانين الدولية والإنسانية واتفاقات جنيف والتي تنص على حماية المستشفيات وقت الحروب والأزمات ولتستهدف المستشفى المعمداني وسط مدينة غزة، وتقتل عشرات النازحين من أطفال ونساء، تبعها استهداف لمستشفى القدس ومستشفى الحياة التخصصي ومستشفى الشفاء ومستشفى الأطراف الصناعية بغزة، إلى جانب استهداف عدد من المستشفيات في جنوب القطاع، متسببة في قتل وإصابة المئات من النازحين والأطقم الطبية وعناصر الإسعاف.

في تلك المرحلة، أصبح واضحا أن الجيش الإسرائيلي الذي افتقد للأهداف العسكرية، وتركز قصفه على المدنيين، يبني روايته الخاصة، التي يعمل على تسويقها قبل الاجتياح البري، لتسويق مقولة إن المستشفيات تحديدا في غزة وشمال القطاع، ما هي إلا ثكنات عسكرية تتخفى المقاومة أسفلها، في غرف مُحصنة ومُزودة بالوقود والمواد الغذائية والتي تكفي من يقطنها لأشهر، مُبررا منعه وصول شاحنات المساعدات الإغاثية والمستلزمات الطبية والوقود، في الوقت الذي سمح بإيصال المساعدات، ووقود كانت مؤسسات الأمم المتحدة تعتبره مخزونها داخل معبر رفح البري، إلى المستشفيات جنوب القطاع، لكنه أيضا لم يسمح بدخول أي كمية من المحروقات إلى القطاع.
يصف أخصائي الجراحة العامة في مُجمع ناصر الطبي في خانيونس الدكتور حامد رشوان، العمل الطبي والجراحي تحديدا خلال الحرب الحالية، بأنه من أصعب الظروف التي مرت على حياته خلال عمله الطبي لأكثر من 30 عاما، ويقول لـ”المجلة” إن “المشاهد صعبة ومهولة، بالإضافة إلى تدفق عشرات حالات الإصابات في الوقت ذاته وهو ما يفوق قدرة عمل الأطباء والممرضين، والقدرة الاستيعابية للمُجمع الطبي، ولم نتخيل كأطباء أننا سنمر بمثل هذه التجربة في يوم من الأيام”.
ويشير رشوان إلى نقص المستلزمات الطبية والأدوات الخاصة لإجراء العمليات، موضحا: “رغم وجود 6 غرف عمليات في مُجمع ناصر، إلا أننا اضطررنا لإجراء عمليات في ممرات غرف العمليات بسبب وصول عشرات الحالات المستعجلة في الوقت ذاته، واضطررنا لإجراء عمليات بأدوات محدودة وأحيانا دون استخدام مواد التخدير لعدم توفرها”.
قد يكون أخصائي الجراحة العامة قد وصف وتحدث عن طبيعة إجراء العمليات الجراحية واستقبال عشرات المصابين في الوقت ذاته، في ثاني أكبر مُجمع طبي بالقطاع، والموجود في جنوبه، إلا أن الوضع في أكبر مُجمع طبي (الشفاء) في غزة، كان أكثر تعقيدا، وأكثر استقبالا لحالات الإصابات الحرجة بسبب تركيز القصف الإسرائيلي واستخدام أحزمته النارية على عدد من التجمعات السكانية في النصف الشمالي للقطاع، وهو ما اضطر الأطباء في مُجمع الشفاء والمستشفى الإندونيسي إلى تأجيل مئات العمليات الجراحية إلى حين توفر الإمكانيات بحسب ما قال مدير مُجمع الشفاء الدكتور محمد أبو سلمية.

وأعلن المدير العام للمستشفيات في وزارة الصحة الدكتور منير البُرش، السبت الماضي، عن إحاطة الجيش الإسرائيلي بالدبابات والآليات العسكرية، مستشفى النصر للأطفال ومستشفى العيون التخصصي ومستشفى الطب النفسي ومستشفى الرنتيسي لعلاج سرطان الأطفال، الموجودة شمال غربي مدينة غزة، وإجبار الجيش للمواطنين النازحين إلى ساحات المستشفى على الخروج والمغادرة تحت التهديد وإطلاق النار، تمهيدا لإخلائها، بالإضافة إلى محاصرة المستشفى التركي الذي كان يقدم خدماته لمرضى السرطان في اليوم الأول لاجتياحه البري جنوبي مدينة غزة.
وتستمر إسرائيل في حربها وحصارها للمستشفيات بشكلٍ خاص، على الرغم من شبه سيطرتها على الجزء الشمالي للقطاع، والنصف الغربي والجنوبي لمدينة غزة، محاولة الادعاء بمعاملتها الإنسانية من خلال نشرها مكالمة هاتفية بين ضابط في الجيش ومدير مستشفى الشفاء الدكتور محمد أبو سلمية، لمطالبته باستلام 300 لتر من السولار من أمام بوابة المستشفى التي تقف أمامها الدبابات وذلك لتشغيل المولدات الكهربائية، بحسب المكالمة التي نشر تسجيلها الجيش.
لكن مدير المستشفى أبو سلمية أوضح في اتصال هاتفي مع أحدى الفضائيات، أن الكمية المذكورة لا تكفي لتشغل المستشفى أكثر من نصف ساعة، موضحا أن مولدات كهرباء مستشفى الشفاء بحاجة إلى أكثر من 10 آلاف لتر يوميا لتشغيل مولداتها، وأبلغهم أنه لن يتسلمها إلا عبر الصليب الأحمر أو أي مؤسسة دولية، وهو ما يدفع للتساؤل: هل يعمل الجيش الإسرائيلي على قتل المصابين والمرضى داخل المستشفيات وعلى إعدامهم البطيء؟ وما مصير الطواقم الطبية والنازحين داخل المستشفيات في ظل عدم توفر المياه والغذاء؟