في مقابلة أجرتها معه وكالة رويترز في العاصمة الإماراتية أبوظبي، تطرق القيادي السابق في حركة فتح والمسؤول الأمني الأسبق في قطاع غزة محمد دحلان إلى ما يتداول حول إمكانية لعبه دورا قياديا في غزة بعد الحرب وسبل الحل في القطاع المدمر، مشددا على أن حل الدولتين يبقى الخيار الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية.
أبوظبي – يظهر اسم محمد دحلان المسؤول الأمني السابق في قطاع غزة كخيار مطروح لما بعد الحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع والتي تهدف من خلالها إلى القضاء على حركة حماس، في وقت تخيم فيه الضبابية على مستقبل غزة السياسي بعد أن أعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلط الأوراق بالقول إنه لن يسمح للسلطة الفلسطينية “بشكلها الحالي” بحكم غزة.
ويقول دحلان إن عدم وجود إستراتيجية واضحة لإقامة الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال يجعل من الصعب عليه وعلى غيره إدارة غزة المدمرة.
وفي مقابلة أجرتها معه وكالة رويترز في إمارة أبوظبي يقطع القيادي السابق في السلطة الفلسطينية محمد دحلان سعيه إلى أي منصب ويقول “أنا لا أبحث عن أي منصب ولم تعد لي أي صلة بأي عمل حكومي ولكنني سأستمر في دعم الشعب الفلسطيني والوقوف بجانب أهلنا بما تيسّر من علاقاتنا العربية. لا أريد أي مكانة أو موقع في المستقبل لكني أيضا لن أتوقف عن أداء واجبي وهذا واضح لا لبس فيه”.
ويعزو دحلان غياب الرؤية لمستقبل غزة إلى غياب التصور عند كل من إسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدولي لما بعد الحرب، إذ دخلت إسرائيل الحرب من دون رسم إستراتيجية لما بعد حرب غزة.
لا يعتقد القيادي السابق في فتح أن فكرة التهجير ستكون قابلة للتطبيق والتنفيذ سواء نحو سيناء أو باتجاه الأردن
وقال “دخلت (إسرائيل) القطاع خليّها تدبّر نفسها، هي قوة احتلال وسيتعامل معها الشعب الفلسطيني على أنها قوة احتلال ولن يجدوا من يأتي لأخذ هذا الهم وتحمّل المسؤولية، والذي يريد الحرب فليتحمل مسؤولية نتائجها مش يدوّر (لا يفتش) على ضحايا ليعطيهم هذه المسؤولية”.
ويشهد قطاع غزة قصفا ودمارا لم يسبق لهما مثيل جراء الهجوم الذي تشنه إسرائيل برا وبحرا وجوا عليه ردا على هجمات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على بلدات إسرائيلية عبر الحدود في السابع من أكتوبر والذي تقول إسرائيل إنه أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص، واختطاف حوالي 240 كرهائن إلى القطاع الفلسطيني.
وتقول السلطات الصحية في غزة إن أكثر من 11 ألف شخص، كثير منهم نساء وأطفال، قتلوا منذ أن بدأت إسرائيل هجومها على القطاع الساحلي الصغير الذي يبلغ عدد سكانه 2.3 مليون نسمة.
وفي رأي دحلان أن “الحرب ستنتهي إلى خراب على كل الأطراف، ومن يدخل في غزة لا يعرف أن يخرج، لا أحد عارف ولا أحد عنده ضمانات”.
ولا يرى دحلان نتائج عسكرية محققة للجيش الإسرائيلي على الأرض إلى غاية اليوم (الاثنين) فهو “ينتصر على الأبرياء فقط، أطفال وشيوخ مثلما يفعل الآن وكأن الحرب المعلنة لإنجاز قتل المدنيين”.
المشكلة والحل
ويستخلص القيادي الذي شغل مناصب أمنية بارزة في السلطة الفلسطينية وكان خصما بارزا لحماس في الداخل بأن المشكلة ليست حماس، ويقول إن “الموضوع أشمل من ذلك، الموضوع ليس حماس في غزة فقط”، متسائلا “هل كانت حماس تشكل أزمة وحدها أم أن المشكلة كانت أنه لا توجد حكومة إسرائيلية قابلة لفكرة السلام مع الشعب الفلسطيني؟”.
وأضاف “اليوم المشكلة حماس وغدا ماذا ستكون المشكلة؟ ولنفترض أن إسرائيل تخلصت من حماس، هل تقبل بحل الدولتين وتعطي دولة ذات مصداقية فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل؟ الجواب من وجهة نظري لا، فليثبتوا عكس ذلك”.
وكان دحلان قد اتخذ في السابق موقفا متشددا ضد حماس ووصف انتصارهم في الانتخابات بأنه “كارثة”، لكنه يقول اليوم “أنا لست مناصرا لحماس وبيني وبينهم كثير من الخلافات الجوهرية والكبيرة، لكن أن تبرر لنفسك رفع شعار الديمقراطية وتعذب وتقتل الأطفال لأنهم انتخبوا حماس زمان؟ هذا عار إسرائيلي”.
ويعود دحلان إلى وثائق عام 1948 ليؤكد عقيدة التهجير والنزوح لدى إسرائيل ويقول “الوثائق التي يتم تسريبها سواء من الاستخبارات أو من الأحزاب أو من وزير المالية خلاصتها أنهم لا يريدون الشعب الفلسطيني في فلسطين، فكرة التهجير والتطهير العرقي وهذه فكرة أيديولوجية قائمة لدى الصهيونية وفي وثائق منذ 48 حتى الآن، لا يستطيعون أن يعيشوا من وجهة نظرهم في إسرائيل إلا إذا قتلوا كل الشعب الفلسطيني أو هجروه”.
ينظر البعض إلى دحلان على أن لديه طموحا للعودة إلى الأراضي الفلسطينية وأنه خليفة محتمل للرئيس عباس
وأما الشعب الفلسطيني فيراه دحلان ثابتا ولا يريد النزوح “ورغم كل القهر والاستغلال والأسلحة… فالشعب الفلسطيني ما زال بفقره وجوعه وبلا كهرباء وماء ودواء مثبتا في ركام بيوته”.
ولا يعتقد القيادي السابق أن فكرة التهجير ستكون قابلة للتطبيق والتنفيذ سواء بالنزوح إلى سيناء أو الأردن قائلا “حتى لو نفذوها بقوة الدبابات وحملوا كل مواطن فلسطيني على دبابة وطلعوه على سينا هيلف (يدور) ويرجعلهم تاني من الجهة الأخرى، فنحن ليس لدينا وطن غير فلسطين، جربوا كل أنواع التعذيب والقتل الجماعي، ما يجري اليوم في غزة هي حرب عالمية تقودها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل على المواطنين في غزة ولن يفلحوا فيها”.
ودحلان في بداية الستينات من العمر وهو قيادي تدرج في قيادة حركة فتح حتى أصبح عضوا في لجنتها المركزية قبل أن يصطدم مع الرئيس محمود عباس.
وعمد دحلان إلى تشكيل تيار جديد أطلق عليه اسم “التيار الإصلاحي” للحركة وانضم إليه البعض من حركة فتح وخصوصا من قطاع غزة.
وكانت حركة فتح بقيادة الرئيس عباس تلاحق كل من تعقد أنه انضم إلى حركة التيار الإصلاحي التابع لدحلان وتتخذ إجراءات بحقه.
وينظر البعض إلى دحلان على أن لديه طموحا للعودة إلى الأراضي الفلسطينية وأنه خليفة محتمل للرئيس عباس.
المشكلة ليست حماس فقط… المشكلة أنه لا توجد حكومة إسرائيلية قابلة لفكرة السلام مع الشعب الفلسطيني
وفي التقييم الميداني للوضع، يعتبر دحلان أنه ليس لدى إسرائيل أي إنجاز عسكري تعرضه على مجتمعها “فالحرب العسكرية بدأت وانتهت في 7 أكتوبر بفضيحة”. وقال “ما بعد 7 أكتوبر هو عمل انتقامي من إسرائيل ومَن يدعمها، وكل ما يجري الآن وفي المستقبل القريب لن يكون لصالحها، وسيشكل فضيحة أخلاقية لكل من دعم إسرائيل في هذا الغلط، وهذا الدعم لإسرائيل بقتل المدنيين يورط الشعب الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية لأنه لا يوجد مخرج إلا السلام”.
وعن مستقبل هذا الصراع يجزم دحلان بأن الفلسطينيين لا يطلبون معركة نهائية مع الاحتلال لكن الحل هو “أن ينخلع الاحتلال من الضفة وغزة والقدس الشرقية.. نحن شعب لن يتنازل مهما كلف الأمر”.
ويعوّل المسؤول الفلسطيني السابق على الأجيال الفلسطينية القادمة في صنع الحلول ويقول للإسرائيليين “إذا بدهم نصيحة ما يغلبوا حالهم (لا يتعبوا أنفسهم) مع الشعب الفلسطيني يا إما بيعطونا حل الدولتين يا إما الجيل القادم لن يقبل بحل الدولتين لأن هذا الجيل سيكون هو الجيل الذي قُصف ودُمر وشُتت في الضفة وغزة”.
وطالب دحلان الذي يعد شخصية مثيرة للجدل ويُنظر إليه على أنه متعدد العلاقات على مستوى دولي “بوقف الحرب ثم الحديث الجدي ولمرة واحدة لفكرة حل الدولتين، الذين يديهم فكرة بأن تعميق الاحتلال في غزة سيجد له حلا يكون واهما. والجيل الحالي في فلسطين إذا لم يجد أملا في الاستقلال والحرية وحياة كريمة سيكون أقسى بألف مرة مما شاهدناه، سيكون أشرس”.
ويخلص دحلان في تقييمه إلى أنه “إذا لم يعملوا على حل الدولتين خليهم يغرقوا في رمال غزة”.
وأما الحل فيرى دحلان أنه يتمثل في تشكيل مجلس إداري متخصص من التكنوقراط لإدارة الأمور في فترة انتقالية لمدة سنتين لإعادة الإعمار. وبعدها يتم إعلان دولة فلسطينية بدون حدود يعترف بها العالم ويتم إجراء انتخابات برلمانية في الضفة والقطاع معا، ويصبح نظام الحكم برلمانيا بحيث يحكم رئيس وزراء وليس رئيسا للجمهورية، باعتبار أنه بعد رحيل ياسر عرفات لم تعد هناك شخصيات تاريخية ترأس وحدها الدولة الفلسطينية.
عباس مرفوض
ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالمزيد من الشكوك حول مستقبل قطاع غزة مشيرا إلى أن السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي لا ينبغي أن تتولى مسؤولية القطاع الساحلي.
وتعهدت إسرائيل بالقضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تحكم غزة في أعقاب هجومها الصادم عبر الحدود في السابع من أكتوبر. وتشن غزوا واسع النطاق للقطاع.
لكنها لم تحدد من يتعين عليه حكم القطاع بعد انتهاء الصراع مكتفية بالقول إن إسرائيل ستحافظ على الأمن العام.
وتقول واشنطن إن إسرائيل لا يمكنها احتلال القطاع بعد الحرب، إذ قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأسبوع الماضي إنه تجب إعادة توحيد إدارة غزة مع الضفة الغربية المجاورة التي تدير السلطة الفلسطينية أجزاء منها.
وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس الجمعة إن السلطة الفلسطينية يمكن أن تلعب دورا مستقبليا في حكم قطاع غزة، لكن نتنياهو أشار في وقت متأخر السبت إلى أنه لا يريد إطلاق العنان لحكام السلطة الفلسطينية الحاليين في غزة.
وخلال مؤتمر صحفي، أبدى نتنياهو شكاواه طويلة الأمد بشأن المناهج الدراسية في مدارس السلطة الفلسطينية، التي يقول إنها تغذي الكراهية لإسرائيل، وبشأن سياسة السلطة المتمثلة في دفع الرواتب لعائلات الفلسطينيين المسجونين في إسرائيل.
الرئيس الفلسطيني قال الجمعة إن السلطة الفلسطينية يمكن أن تلعب دورا مستقبليا في حكم قطاع غزة
وقال “لن تكون هناك سلطة مدنية تعلم أبناءها… القضاء على دولة إسرائيل، ولا يمكن أن تكون هناك سلطة تدفع رواتب عائلات القتلة”.
وأضاف “لا يمكن أن تكون هناك سلطة يرأسها شخص لم يدن المذبحة (في السابع من أكتوبر) بعد مرور أكثر من 30 يوما”.
وفي تصريحات لشبكة “أن.بي.سي” الأحد شدد نتنياهو على هذا الموقف على نحو أكبر. وقال “نحن بحاجة إلى سلطة مختلفة. نحتاج إلى إدارة مختلفة”.
وعندما سئل عن طبيعة مثل هذه السلطة أو الإدارة قال “أعتقد أنه من السابق لأوانه تحديد ذلك”.
وقال نبيل أبوردينة، المتحدث باسم عباس، لرويترز إن الإسرائيليين يسعون إلى إبقاء الانقسام بين المنطقتين الفلسطينيتين، الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل وغزة.
وأضاف أن “المحاولات الإسرائيلية لفصل غزة عن الضفة الغربية ستفشل ولن يسمح بها مهما كانت الضغوط”.
وكانت السلطة الفلسطينية تدير كلا من الضفة الغربية وغزة لكن تم طردها من الأخيرة في عام 2007 بعد صراع داخلي قصير الأمد مع حماس.
وبينما تريد الحكومات الغربية إشراك السلطة الفلسطينية في مستقبل غزة يقول دبلوماسيون إن هناك أيضا مخاوف من أن عباس البالغ من العمر 87 عاما لا يتمتع بالسلطة الكافية أو الدعم من شعبه لتولي المسؤولية.
وقال دبلوماسي مقيم في القدس “في الوقت الحالي لا توجد فكرة واضحة بخصوص ما قد يحدث في غزة بمجرد توقف القتال”.