مقاتلون من "داعش" في البادية السورية.

مقاتلون من “داعش” في البادية السورية.
وسط انشغال الأطراف الفاعلين في الميدان السوري بتداعيات حرب غزّة وانعكاساتها على علاقاتهم، لا سيما في ظل التوتر المتصاعد بين القوات الأميركية والقوات الإيرانية في شمال شرقي سوريا، شهد معدَّل هجمات تنظيم “داعش” ضد القوات الحكومية في البادية السورية ارتفاعاً ملحوظاً خلال الأسبوع المنصرم، إذ لا يكاد يمر يوم منذ الأربعاء الماضي الذي شهد أكثر الهجمات دموية، من دون أن يُسجَّل تحرك للتنظيم المصنف على قوائم الإرهاب الدولية.
ولا تبدو الساحة السورية استثناءً على هذا الصعيد، لأن هجمات التنظيم اتخذت منحنى متصاعداً في عدد من البلدان التي ينشط فيها، وبخاصة في أفغانستان وبعض الدول الأفريقية، الأمر الذي قد يشير إلى وجود دوافع استراتيجية جعلت التنظيم يعتقد أن استقطاب حرب غزة للاهتمام العالمي قد يشكل فرصة أمامه من أجل تجديد نشاطه أو ربما التغطية على عدم مساهمته في هذه الحرب، وهو الذي طالما هدّد إسرائيل على مدى سنوات بتنفيذ عمليات نوعية ضدها.
هجمات تفتتح مرحلة جديدة من التصعيد
وشنّ تنظيم “داعش” ليلة الاثنين – الثلثاء هجوماً جديداً على نقاط الجيش السوري في بادية الرصافة في ريف الرقة. وذكرت مصادر سورية أن قوات الجيش السوري والقوات الرديفة تصدت لما وصفته بعملية تسلل قام بها التنظيم على النقطة العاشرة من منطقة جبعدين في بادية الرقة على الحدود الإدارية مع محافظة حمص.
وأشارت المصادر إلى أن الطيران الحربي السوري – الروسي المشترك قصف تحركات فلول تنظيم “داعش” في بادية الرقة المفتوحة على منطقة الـ55 كيلومتراً الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الأميركي.
وأضافت أن الجيش السوري أعاد السيطرة والأمن على المنطقة الواقعة بين قلعة الرصافة وقرية الزملة بعد 30 دقيقة من عملية التسلل.
وكان “داعش” قد نفذ أكثر هجماته دموية يوم الأربعاء الماضي، مدشناً من خلاله مرحلة جديدة من التصعيد تزامنت مع تزايد وطأة تداعيات حرب غزة على الأراضي السورية التي شهدت في الفترة نفسها جولتين من تبادل القصف بين القوات الأميركية ونظيرتها الإيرانية. وأسفر هذا الهجوم عن مقتل “أربعة عسكريين و26 عنصراً من قوات الدفاع الوطني جراء هجمات متزامنة شنّها تنظيم “داعش” فجر الأربعاء على حواجز ونقاط عسكرية” في منطقة الرصافة في البادية عند مثلث الرقة – حمص – دير الزور، وفق إحصاء المرصد السوري لحقوق الإنسان.
أعقب ذلك هجوم آخر نفذه التنظيم يوم الخميس في محيط مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي، وأسفر عن مقتل ثلاثة من عناصر الميليشيات الإيرانية وإصابة عدد آخر.
ومساء السبت هاجم مسلحو “داعش” بالأسلحة الرشاشة مقراً عسكرياً مشتركاً لقوات الجيش السوري وميليشيا “الدفاع الوطني”، على أطراف بادية تدمر في ريف حمص الشرقي، وذكرت مصادر ميدانية أنّ عناصر التنظيم سيطروا على المقر، وقتلوا عنصرين من الدفاع الوطني، واستولوا على أسلحة قبل حرق المقر والفرار.
انقسامات داخلية في “داعش”
وظهر أخيراً عدد من المؤشرات إلى وجود انقسام أو تباين بين تيارات عديدة ضمن تنظيم “داعش” في سوريا، وسط اعتقاد بأن هذا الانقسام أفضى إلى وجود مرجعيات مختلفة أصبحت تملك تأثيراً عليه. وقد انعكس ذلك بوضوح على تفسير موجة الانتعاش الجديدة التي شهدها نشاط التنظيم في الأسبوع المنصرم بالتزامن مع ارتفاع مستوى التوتر بين القوات الموجودة على الأراضي السورية، وبخاصة الأميركية والإيرانية.
وثمّة من يرى أن الاستفادة الكبرى إنما تجنيها ميليشيات “قسد” وحليفها الأميركي، فهي ترى في وجود “داعش” فرصة متجددة لتقديم نفسها رأس حربة في المنطقة ضد الإرهاب، ومنع القوات الأميركية من الانسحاب من المنطقة، إضافة إلى تعزيز السردية الكردية الرابطة للحراك التركي ضد الأكراد بحراك “داعش”.
أما الولايات المتحدة فترى في آبار النفط سبباً لاستمرار وجودها، على عكس المنافس الروسي الراغب في خلط الأوراق وإرباك حسابات الأميركيين، ولا سيما بعد انشغال موسكو بالحرب الأوكرانية، وفق تقرير لشبكة “أورينت نيوز” السورية المعارضة.
أما بالنسبة إلى إيران، فإن وجود التنظيم هو مبرّر لانتشار ميليشياتها في البادية، رغم ما يعتري هذا الانتشار الكبير من إشارات استفهام بشأن تحرّك عناصر التنظيم في البادية الممتلئة بنقاط تلك الميليشيات.
استغلال حرب غزة
غير أن وجود بعض المؤثرات الخارجية لا يعني عدم وجود استراتيجية خاصة يتبعها تنظيم “داعش” بهدف استغلال الأزمات السياسية أو العسكرية التي تضرب المنطقة، وآخرها حرب غزة من أجل العمل على استعادة قوته أو ترميم ما تعرض له من ضربات مدمرة في السنوات الأخيرة.
ولعلّ انشغال جميع اللاعبين على الساحة السورية بتداعيات حرب غزة واحتمال تمددها إلى جبهات أخرى، شكّل من دون ريب عاملاً مهماً دفع “داعش” إلى استغلال هذا الانشغال من أجل إثبات وجوده ومحاولة مراكمة النقاط الميدانية لمصلحته. ولكن هذا لا يتعارض مع رغبة التنظيم في إشغال عناصره وحاضنته عن عدم مبادرته إلى المساهمة في حرب غزة لا بالخطاب ولا بأي عمل أمني أو عسكري، رغم أنه سبق له أن وجه بلسان زعمائه تهديدات حادة باستهداف إسرائيل.
لذلك قد يكون انتعاش نشاط التنظيم في البادية السورية أخيراً مرده إلى أسباب متشابكة ومعقدة، منها رغبته في إثبات الوجود أولاً وأنه لا يزال لاعباً قادراً على التأثير، واعتقاده أنه من خلال تفعيل عملياته ضد قوات الجيش السوري من جهة وقوات “قسد” من جهة ثانية، بإمكانه الحصول على غطاء إقليمي ودولي يتشارك معه في المصلحة وقد يمنحه أكثر من ضوء أخضر من أجل زيادة ضغطه على هذه الجهة أو تلك وفق التطورات، والسبب الأخير قد يتمثل في الأزمة الأيديولوجية التي قد يواجهها بسبب صمته المطبق إزاء ما يجري في غزة، فأراد من خلال تنشيط عملياته في سوريا وأفغانستان وأفريقيا الإيحاء لعناصره وحاضنته بأنه منغمس في جبهات كثيرة تستنفد ما لديه من إمكانات.