تحدّث  عبد الله حمدوك، رئيس تنسيقية القوى المدنية الديموقراطية (تقدم)، في لقاء مع “النهار” عن السودان “الجبهة المنسية”، ومصير 45 مليون نسمة، والعواقب الكارثية لتجاهلها. كما تطرق إلى أسباب تعثر المبادرات السياسية، معرباً عن مخاوفه من تقسيم السودان والتداعيات المحتملة. كما تناول دور الدول الإقليمية والصين وروسيا والولايات المتحدة في وقف الحرب.

 

وفي الآتي نص الحوار:

 يعاني السودان أزمة إنسانية، قد تكون أكبر من أزمتي غزة وأوكرانيا، إلى جانب الحرب المدمرة التي تفتك بالحجر والبشر. مع ذلك، لا نرى أن العالم يعي حجم ما يحصل. فلماذا تحوّل السودان جبهة منسية؟

 

 للأسف، لم تحظَ الأزمة السودانية بالاهتمام اللائق، ولم يعر العالم مصير 45 مليون نسمة ما يستحقون من اهتمام، ومن جهود تبقيهم على قيد الحياة. وقد ظللت أحذر منذ اليوم الأول لاندلاع هذه الحرب. إن لتجاهلها عواقب كارثية، ليس على السودان وحده بل على الإقليم بأسره، وربما تمتد تداعياتها إلى ما وراء البحار. وهذا لا يقلل من الجهود التي بذلها المهتمون بالشأن السوداني في الإقليم والمجتمع، وما زالوا يبذلونها.

 

 المبادرات للسودان وآخرها مؤتمر جنيف، لماذا تتعثر؟ ولمن تحملون مسؤولية تأخير تنفيذ مقررات مؤتمر جدة؟

 للأسف. هناك أطراف في الداخل مرتبطة بالنظام السابق، ظلّت تقف حجر عثرة أمام أي محاولة للحلّ السلمي وإنهاء الصراع، وظلّت ترهن مستقبل البلاد بعودتها إلى الحكم، ولو على أشلاء الشعب السوداني، وعلى حساب وحدة تراب الوطن. وهي نفس الجماعات التي لفظها الشعب السوداني في ثورة كانون الأول (ديسمبر) المجيدة.

 

 من يتحمّل مسؤولية عودة أركان النظام السابق وبعض المتشددين إلى الواجهة في السودان؟

 بدأت عودة عناصر النظام السابق في أعقاب الانقلاب على الحكومة الانتقالية في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وبعد أن اشعلوا حرب 15
نيسان (أبريل) 2023، وسيطروا على مقاليد الأمور والقرار السياسي، وهم من يقود الحرب والدمار الشامل في البلاد الآن.

 

 أقرّت تنسيقية القوى المدنية السودانية “تقدم” برنامجاً سياسياً من 9 محاور، شملت الإغاثة والصحة والتعليم، إضافة إلى الترتيبات الأمنية والعسكرية. هل عرضتم برنامجكم على فريقي النزاع والوسطاء الإقليميين والعرب؟ وما حظوظ نجاحه؟

 بصفتها أكبر جبهة مدنية تسعى إلى وقف الحرب، ظلّت “تقدم” حاضرة في كل المحافل الإقليمية والدولية التي تبحث سبل وقف الحرب والحفاظ على وحدة البلاد واللحمة الوطنية، وإعادة إعمار ما دمرته، استناداً إلى الرؤية السياسية التي توافقت عليها “تقدم”.

 لماذا آثرت “تقدم” العمل السياسي من خارج السودان؟ وما حجم الدعم الشعبي داخل السودان لوقف الحرب، وبالتالي لـ”تقدم”؟ أما زال للحراك المدني دوره وسط المعارك؟

 “تقدم” أوسع تحالف مدني في تاريخ السودان، يضم تمثيلاً واسعاً لمكوّنات المجتمع السوداني من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني والمهنيين والنقابات وتنظيمات المرأة ولجان المقاومة واتحادات الرعاة والمزارعين والمبدعين والإدارة الأهلية وحركات الكفاح المسلح. يعبّر هذا التمثيل عن قطاع عريض من الشعب السوداني في الداخل والخارج، والمساعي متواصلة لتوسيع هذا التحالف للعمل مع الآخرين الذين يؤمنون بإيقاف الحرب، والعودة إلى مسار التحوّل المدني الديموقراطي.

 يندّد العالم بانتهاكات فظيعة ترتكب في السودان، وصولاً إلى فتح برنامج الغذاء العالمي تحقيقاً في تواطؤ موظفيه مع الجيش السوداني لبيع المساعدات في بلد يُعاني أسوأ مجاعة. ما حقيقة ما ينقل عن انتهاكات من جانب طرفي النزاع؟ كيف تتّصرفون حيال هذه الانتهاكات؟

 ما يصل إلى الرأي العام العالمي عن الانتهاكات ليس إلا قمة جبل الجليد، نظراً للغياب التام للإعلام العالمي. فهناك انتهاكات جسيمة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ترتكب بشكل يومي في كافة أرجاء السودان تطال المدنيين الأبرياء ومعظم ضحاياها من النساء والأطفال وكبار السنّ. ونحن نكشف بدورنا للرأي العالم العالمي وأطراف المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والمؤسسات العدلية ما يحدث من انتهاكات حتى تضطلع بمسؤلياتها في المساءلة والمحاسبة، منعاً للإفلات من العقاب.

 

 تحدثّتم عن أزمة وجودية للسودان، يكون أو لا يكون. هل تخشى تقسيم السودان؟

□ بلا شك. ليس السودان معصوماً من مآلات التقسيم الذي نراه في النزاعات من حولنا، ومقومات التشرذم والتفتت متوافرة أكثر في السودان. لذلك فإننا أمام تفاقم للأزمة الإنسانية الطاحنة التي ستدفع بنزوح المزيد من عشرات الملايين لجوءاً إلى دول الجوار. كما نحذّر من أن تتحوّل هذه المساحة الشاسعة إلى مرتع خصب للجماعات الإرهابية من أقصى القرن الأفريقي إلى منطقة الساحل، وأنتهز هذه الفرصة لحثّ المجتمعين الإقليمي والدولي لاتخاذ كافة التدابير الممكنة للحيلولة من دون وقوع هذا السيناريو الكارثي.

 هل لتحول البرهان نحو الشرق، من زيارته الأخيرة للصين إلى تعاونه العسكري مع روسيا وإيران، علاقة بتمسكه بالحسم العسكري وتشدده حيال أي مفاوضات؟ وهل يراهن على دعم عسكري أكبر من هذه الدول؟

□ تشير دروس التاريخ إلى أنّ ’لا حلول عسكريةً لمثل هذه الحروب‘، والمواقف الصينية والروسية المعلنة تدعو كلها إلى وقف الحرب، وإنهاء محنة الشعب السوداني بالتفاوض. هذه المواقف تجد منا القبول والدعم في ظل علاقات الصين وروسيا التاريخية مع السودان وشعبه.

 كان الحدث السوداني الأبرز في مطلع السنة لقاء “تقدم” مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو. أثار ذلك اللقاء انتقادات واسعة للتنسيقية. كيف تفسرون أن لقاء مع السيد حميدتي مبرر للوسطاء وقادة الدول التي تعمل على إيجاد حل للنزاع السوداني ومرفوضة لقيادات سودانية؟ وهل ما زال البناء على ذلك اللقاء وارداً؟ طرحت مراراً فكرة لقائك البرهان، ما الذي يؤخر ذلك؟ أما زالت الفكرة مطروحة؟

□ في أواخر كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، دعونا في “تقدم” إلى الجلوس والتفكير مع كل من قائدي الجيش والدعم السريع، وكما جاء في سؤالك، استجاب قائد الدعم السريع وجرى اللقاء والاتفاق في مستهل كانون الثاني (يناير) الماضي على ضرورة وقف الحرب وقضايا العون الإنساني وحماية المدنيين. ويؤسفني أن أقول إنه رغم الوعود التي قطعها قائد الجيش، لم نلمس جدية في عقد هذا الاجتماع، بل على النقيض من ذلك، نرى مزيداً من الإصرار على مواصلة الحرب، في تجاهل تام لمعاناة السودانيات والسودانيين. ورغم التعنت وحملات التخوين والتشكيك في مساعينا لوقف هذه الحرب، فإننا – كقوى مدنية – سنواصل العمل الجاد وبذل كل الجهد الممكن لوقف هذه الحرب ومعالجة جذورها، لتكون هذه الحرب اللعينة آخر الحروب في السودان.

 بذلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن جهوداً واضحة لإنهاء النزاع، وعينت مبعوثاً خاصاً للسودان. هل أنتم راضون على الجهود الأميركية؟

□ الولايات المتحدة دولة صديقة، ولها مواقف مشهودة في دعم الثورة السودانية وتحقيق الاستقرار في السودان بالتحول المدني الديموقراطي. وموقفها واضح من انقلاب 25 أكتوبر 2021 العسكري. في هذا السياق، نثمن الجهود التي تبذلها الإدارة الأميركية.

 ماذا عن دور الدول الإقليمية في السودان؟ هل باتت تدرك أن حرب السودان قد تزعزع المنطقة بكاملها؟

□ مع إطالة أمد الحرب وتطورات تداعياتها، أخذت دول الإقليم والمنطقة تستشعر مخاطرها. وتتمثل الشواهد على ذلك في مساعي الاتحاد الأفريقي و”إيقاد” والجامعة العربية والأمم المتحدة واجتماعات “منبر جدة” والمنامة وجنيف ومساعي الدول المجاورة، وآخرها الاجتماع الذي نظمته الشقيقة مصر. ونرى، في “تقدم”، ضرورة توحيد كل تلك الجهود تحت مظلة واحدة، تسير في مسارات مختلفة في المجالات الثلاثة: وقف العدائيات، ومعالجة الكارثة الإنسانية، وتفعيل العملية السياسية.

 هل أنتم مستعدون للعودة إلى الحكم؟ وفي أي ظروف؟

□ ما يشغلني الآن هو كيف نستطيع وقف هذه الحرب اللعينة، واحتواء آثارها المدمرة على شعبنا المنكوب، وإنقاذ السودان من التشظي. وحين تضع الحرب أوزارها، ويعود الأمن والاستقرار، هناك آلاف من السودانيين المؤهلين لقيادة البلاد في معركة إعادة الإعمار، وإرساء دعائم الحكم المدني الرشيد.