لا تمرّ ليلة في الضفة الغربية دون أن يُفزِعَ الاحتلال الإسرائيلي عائلات فلسطينية باقتحامات تهدف إلى تنفيذ اعتقالات. تبدأ الحملات منذ منتصف الليل وتستمر حتى الفجر في غالب الأحيان، لتترك وراءها أبواباً محطمة أو تم تفجيرها ومقتنيات مكسورة أو مسروقة وعائلات قلقة وأمهات على حافة الانهيار وزوجات خائفات وأطفالاً باكين، مع تهديدات صريحة وبذاءة لا متناهية، ليصبح الليل ثقيلاً يوازي النهار في عذابات الاحتلال اليومية التي يعيشها الفلسطينيون.

ما قبل السابع من أكتوبر
افتتحت إسرائيل منذ العام 1967 العديد من السجون ومراكز التحقيق التي خصَّصتها للمعتقلين الفلسطينيين، وأبرزُ هذه السجون جلبوع ورامون ومجدّو وسجن الدامون الذي تُحتجز فيه الأسيرات الفلسطينيات، أما عن مراكز التحقيق فأبرزها المسكوبية و«بيتح تكفا». تقع غالبية السجون داخل الخط الأخضر، فيما تقع غالبية مراكز التحقيق داخل مستوطنات مُقامة على أراضي الضفة الغربية.

لا يمكن الحديث عن السجون دون التطرّق إلى القوانين والتشريعات التي تسنّها إسرائيل من حين لآخر بما يلائم واقع الانتهاكات التي تمارسها على الأسرى والأسيرات، دون أي التزام من قريب أو بعيد باتفاقيات حقوق إنسان أو غيرها من التشريعات. ومن أبرز هذه القوانين قانونٌ يمنع تقصير فترة السجن للأسرى الفلسطينيين، أي أنه يمنع الخروج بعد قضاء ثلثي مدة المحكومية. وكذلك قانون محاكمة الأطفال دون سن 14 عاماً، الذي ينصُّ على أن المحكمة تستطيع أن تحاكم أطفالاً اعتباراً من سن 12 عاماً، لكن عقوبة السجن الفعلي تبدأ بعد بلوغهم 14 عاماً. وهناك أيضاً قانون التفتيش الجسدي دون وجود شبهات، والذي يَمنح أفراد الشرطة صلاحية إجراء تفتيش جسدي حتى على عابري سبيل غير مشتبه بهم، وذلك تحت حجة مكافحة العنف. وغيرها من القوانين التي تُشرعِنُ كل الانتهاكات والممارسات المنافية لمبادئ حقوق الإنسان، والتي تتخّذ منها إسرائيل طريقاً لإرهاب الفلسطينيين والتضييق عليهم.

تمارس إسرائيل سياسات عدوانية دائمة على الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال، من بينها الإهمال الطبي المتعمد؛ حيث رصدت مؤسسات حقوقية تُعنى بشؤون الأسرى في تقرير عام 2022 أن أكثر من 600 أسير يواجهون أوضاعاً صحية غاية في الصعوبة، من بينهم 200 أسير وأسيرة يعانون أمراضاً مزمنة، و24 أسيراً على الأقل مُصابون بأورام سرطانية، و6 أسرى مقعدون، و33 يعانون أمراضاً في العيون، و34 أمراضاً في الكلى، و120 أسيراً مصاباً برصاص جيش الاحتلال، و58 أسيراً يشتكون من أمراض القلب، و16 يشتكون من أمراض في الدم والأوعية الدموية، و79 لديهم أمراض في العظام، و45 يعانون من أمراض نفسية وعصبية، و27 يعانون من مشاكل تنفُّسية. لكن ليس الإهمال الطبي وحده ما تفرضه إسرائيل على الأسرى الفلسطينيين، بل هناك سياسة العزل الإنفرادي، وسياسة الاقتحامات والتفتيش المستمرة للزنازين، وأيضاً حرمان الأسرى والأسيرات من زيارات عائلاتهم من حين لآخر، فضلاً عن واقع الأحكام المؤبدة الذي تطبقه إسرائيل ضد الأسرى الفلسطينيين لمرة أو عدة مرات، حيث حكمت إسرائيل على الأسير الفلسطيني عبد الله البرغوثي بـ67 مؤبداً.

منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم اعتقلَ الاحتلال الإسرائيلي 2650 فلسطيني وفلسطينية حسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين، وتشمل هذه الأعداد مَن جرى اعتقالهم مِن المنازل وعلى الحواجز العسكرية، ومن اضطرُّوا لتسليم أنفسهم تحت الضغط، ومن احتُجزوا كرهائن. ليصبح عدد الأسرى اليوم في سجون الاحتلال قرابة 7000 أسير وأسيرة، من ضمنهم 65 أسيرة، نحو 250 طفلاً وطفلة، 34 منهم صحفيون و2100 معتقل إداري. يندرج الاعتقال الإداري ضمن السياسات المُجحفة بحق الفلسطينيين، وهو اعتقالٌ دون تهمة أو محاكمة، يعتمد على ملفّ بأدلة سرّية لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليها. وحسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية، يمكن تجديد أمر الاعتقال الإداري مرّات غير محدودة، ويتم استصدار أمر اعتقال إداري لفترة أقصاها ستة أشهر قابلة للتجديد.

تقول أماني سراحنة، مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني: «اليوم نحن كجهات مختصّة نجد صعوبة كبيرة في متابعة موضوع الأسرى، المحامي عينٌ داخل المحكمة نرى من خلالها المعتقلين، واليوم بات هذا يحدث من خلال الفيديو كونفرينس. تغيّرت الإجراءات بعد 7 أكتوبر داخل أروقة المحاكم العسكرية، وهذا مرتبطٌ بتفعيل بعض الأوامر العسكرية التي أصدرها الاحتلال، والتي عقّدت بشكل أساسي موضوع المتابعة بالنسبة للمعتقلين الجدد. مثلاً كانت فترة تمديد الاعتقال الأولى 96 ساعة وأصبحت 8 أيام الآن، وفي الاعتقال الإداري أيضاً تمّ فرض أمر مُشابه، إذ كانت مدّة فحص إمكانية إصدار أمر اعتقال إداري 72 ساعة، وأصبحت الآن 144 ساعة. كل هذه التعقيدات مُقنَّنة ومبنية على أوامر عسكرية».

وحسب نادي الأسير الفلسطيني، فإنه يوجد بين المعتقلين عمّال من غزة ممّن اعتقلوا في أراضي 48 بعد 7 أكتوبر، أو ممّن جرى اعتقالهم في الضفة لاحقاً بعد أن طردتهم إسرائيل وألقت بهم على حواجز الضفة الغربية. ليس هذا فقط، بل إن الاحتلال يرفض تزويد المؤسسات الحقوقية، بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بأي معلومات عن هويتهم أو مصيرهم.

انتهاكات بالجملة
حسب شهادة منشورة للأسير المحرر عبد القادر حثناوي الذي خرج قبل عدة أيام: «إن واقع الانتهاكات يتصاعد بشكل غير مسبوق، حيث أن الأسرى يتعرَّضون لأقسى طرق التعذيب، يتم تصويرهم بالفيديو ويجبرون على قول ’أنا إسرائيلي‘، كما يُجبرونهم على سبّ حماس وسبّ الذات الإلهية. يُلقي الاحتلال عليهم مياهاً ساخنة ومياهاً باردة أيضاً، والكثير من الأسرى في أوضاع صحية صعبة نتيجة الإهانات والانتهاكات التي يتعرضون لها بشكل مكثّف»

منذ أكثر من شهر، والاحتلال الإسرائيلي يكثف انتهاكاته بحق الأسرى الفلسطينيين حسب مؤسسات حقوقية تعنى بشؤون الأسرى؛ يقطع الكهرباء عن الزنازين ويقطع المياه لفترات طويلة، ويمارس سياسة التجويع عبر تقليص وجبات الطعام إلى وجبتين وأحياناً أقل، كما أن الوجبات كميتها قليلة وطعمها سيء، إلى جانب إغلاق (الكانتينا) وهي المكان الذي يستطيع الأسرى شراء بعض الحاجيات منها، وكذلك مُصادرة الملح والسكّر من الأسرى.

لا يقتصر الأمر على الطعام والماء والكهرباء، بل يتعرّض الأسرى لعمليات اقتحام يومية تنفذها قوات مدججة بالسلاح، تعتدي بالضرب عليهم مُستخدمة الكلاب البوليسية وقنابل الصوت. كما أوقفت سلطات الاحتلال علاج الأسرى المرضى وعمليات نقلهم إلى العيادات، وتركت الأسرى الذين أصيبوا جراء الاعتداء عليهم دون علاج، هذا عدا عن استجواب الأسرى كنوع من أنواع التحقيق معهم وطرح أسئلة تتعلق بالوضع الحالي. كذلك قلَّصت سلطات الاحتلال المساحة المتاحة للأسير داخل الزنزانة، حيث وصل عدد الأسرى في الغرفة الواحدة إلى أكثر من 10، كما نقلت العديد من الأسرى إلى الزنازين الانفرادية وفرضت عزلاً مضاعفاً من خلال عزل أقسام السجون عن بعضها البعض بشكل كلي.

في الأيام الأولى بعد طوفان الأقصى سحبت قوات الاحتلال محطات التلفاز المتاحة للأسرى، وكافة الأدوات الكهربائية وحتى الراديوهات، وأتلفت مقتنياتهم، وصادرت ملابسهم وأبقت على غيار واحد لكل أسير، كما صادرت الأغطية والأحذية، وأوقفت زيارات عائلات الأسرى وأبلغت المحامين بإلغاء الزيارات، وحرمتهم من «الفورة» أي الخروج إلى ساحة السّجن، وأغلقت المغسلة التي يستخدمونها لغسل ملابسهم ومنعتهم من إخراج النفايات من الغرف والزنازين.

تؤكد أماني سراحنة: «منذ 7 أكتوبر رصدنا 2650 حالة اعتقال حتى اليوم. طبيعة هذه الاعتقالات تُشير إلى حملة انتقامية عامة بحق المواطنين الفلسطينيين، وبشكل يومي نستمع لشهادات العائلات التي يتعرض أبناؤها للاعتقال، وعمليات التنكيل والضرب المبرح والتهديد بالاغتصاب والقتل المباشر. كذلك التخريب والتدمير الواسع لكل شيء في المنزل، ومصادرة السيارات والمصاغ الذهبي والمبالغ المالية، وتحديداً في القدس، ذلك فضلاً عن عمليات إعدام ميداني في بعض الحالات. تعيش العائلات وضعاً صعباً جداً، وجزءٌ كبير من الاعتقالات يكون على شكل اعتقال جماعي، كما أن الاحتلال صعَّدَ من اعتقال النساء والفتيات كرهائن لإجبار أحد أفراد العائلة على تسليم نفسه، سواء الزوجة أو الأم، وأحياناً يأخذون الأب كرهينة بل وأحياناً أكثر من فرد من العائلة، وهذه كلها جرائمُ حرب».

منذ بداية العام 2023 باشرت حكومة الاحتلال سنَّ قوانين تستهدف الأسرى، حيث قامت بإصدار مجموعة من الأوامر العسكرية والتعديلات على القوانين، من ضمنها التعديل على قانون السجون بما يخرق قرار المحكمة الإسرائيلية بتحديد حد أدنى للمساحة المعيشية لكل أسير بـ4.5 متر، إذ سمح القرار لإدارة السّجون بعدم الالتزام بمساحة العيش المقررة لكل أسير حسب ظروف الزنازين ومساحاتها، ونصّ على إمكانية احتجاز الأسرى بدون سرير في الحالات التي لا يمكن فيها توفير السرير، ما نتج عنه اكتظاظٌ كبير في الزنازين ونوم الأسرى على الأرض.

قبل يومين أعلنت سلطات الاحتلال عن استشهاد أحد الأسرى دون أن تُعلن عن هويته، وفي بيان صادر عن هيئة الأسرى والمحررين ونادي الأسير تم الإعلان في اليوم التالي عن استشهاد الأسير عبد الرحمن مرعي (33 عاماً)، وهو معتقلٌ منذ 25/2/2023، متزوجٌ وأبٌ لأربعة أطفال.

وفي 12 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري استشهد الأسير المُحرَّر منتصر سيف، وهو الذي أمضى 17 عاماً في سجون الاحتلال وخرج قبل 9 أشهر فقط؛ تقول هيئة شؤون الأسرى والمُحرَّرين: «إن عملية اغتيال وإعدام الأسير المُحرّر سيف تأتي في سياق ملاحقة الأسرى المـُحرَّرين والنيل منهم ومن أسرهم، ضمن سياسة تنكيل ممنهجة، لاستهداف استقرارهم، سواء بالاعتقال أو القتل». وتشير الهيئة إلى أن اغتيال الأسير سيف كان هدفاً لما يسمى الوحدات الخاصة في جيش الاحتلال، وأنه كان بمقدورهم اعتقاله، ولكن تعليمات حكومة الاحتلال للجيش بالتصرف الميداني أدّت إلى عملية الاغتيال.

لم تكن حالة القتل الأولى سواء بعد الاعتقال أو داخل سجون الاحتلال منذ 7 أكتوبر، حيث استشهد عمر دراغمة (58 عاماً) يوم 23 أكتوبر، بعد أن اعتقل في 9 أكتوبر هو وابنه. وأكَّدَ نادي الأسير أنه كان بصحة جيدة في يوم استشهاده نفسه، حيث عُقدت له محكمة من خلال الفيديو كونفرنس، وأفاد محاميه بأن صحته كانت جيد. وبعد أقل من 24 ساعة على استشهاد عمر دراغمة، أعلن نادي الأسير عن استشهاد عرفات حمدان (25 عاماً) بعد أن اعتقل يوم 22 أكتوبر، وكان عرفات قد تعرَّضَ للضرب المبرح خلال اعتقاله. كما استُشهد ماجد زقول (32 عاماً) من غزة، وهو من العمّال الذين جرى اعتقالهم بعد 7 أكتوبر، وبحسب نادي الأسير فإن الاحتلال أخفى خبر استشهاد زقول لمدة يومين، كما أنه يخفي معلومات عن شهيد آخر من عمّال غزة.

منذ السابع من أكتوبر استُشهد 5 أسرى فلسطينيين داخل سجون الاحتلال، أحدهم من عمّال غزة لم تُعرَف هويته بعد وأسيرٌ مُحرَّر استُشهد خلال عملية إعادة اعتقاله.

تفتيش عارٍ وتهديدات بالاغتصاب
في سجون الاحتلال 65 أسيرة الآن. جزءٌ كبير من الأسيرات اللواتي اعتُقلنَ بعد 7 أكتوبر أُفرِجَ عنهنّ لاحقًا بعد اعتقالهنّ كرهائن، أو تمّ الإفراج عنهنّ بشروط ، فيما واصل الاحتلال اعتقال أخريات إضافة إلى إصدار أوامر اعتقال إداريّ بحق سيدات.

تمارس قوات الاحتلال نهجاً انتقامياً منذ 7 أكتوبر، من اقتحام منازل النساء بالسلاح والكلاب البوليسية، إلى تهديد النساء بقتل أبنائهنّ واستخدام ألفاظ نابية ضدهنّ، وتنفيذ عمليات تخريب وتدمير واسعة لمنازلهنّ، واحتجازهنّ رهائن للضغط على أبنائهنّ أو أزواجهنّ لتسليم أنفسهم. من بين النساء اللواتي اعتُقلنَ أسيرات سابقات وأمهات لأسرى وطالبات جامعيات ونساء مسنّات وطفلات.

بشرى جمال الطويل أسيرة سابقة وإعلامية، وهي تقول: «أسّستُ شبكة إعلامية تهتم بشؤون الأسرى واعتُقِلتُ على إثرها مرتين، وقام الشاباك بحظر هذه الشبكة التي تتحدث عن الأسرى جميعاً من كافة الفصائل، عن معاناتهم، عن مرضهم، عن الإفراجات، عن الاقتحامات وهكذا. في أول اعتقال في 2011 كنتُ تقريباً في عمر 18 سنة، وحُكمَ عليَّ بالسجن 16 شهراً وبغرامة 20 ألف شيكل، وأُفرج عني خلال صفقة وفاء الأحرار. كنتُ حينها قد أمضيت من فترة اعتقالي 5 شهور ونصف، ولم أدفع الغرامة».

اعتُقلت بشرى أو تم توقيفها والتحقيق معها 6 مرات في فترات مختلفة خلال السنوات الماضية، في 2020 تم التحقيق معها لمدة نصف ساعة حول عرس أخيها الأكبر ومن حضر عرسه. تُضيف بشرى: «قبل اعتقال والدي تم اقتحام المنزل مرتين وتكسيره والعبث بمحتوياته، واعتقال أشقائي عدة مرات، وبعد اعتقال الوالد تم اعتقال والدتي وأشقائي. أُفرِجَ عن أمي لاحقاً في اليوم نفسه، لكن والدتي مريضة سكري تركها الجندي دون قطرة ماء قرابة خمس ساعات»؛ تؤكد بشرى: «هذا الاعتقال هو محاولة للضغط علينا للحصول على أي معلومة تدين والدي، يبدو أنهم يحضرون له ملفّاً لإدانته. خلال الاعتقال قال لنا الجندي إنه لن يتركنا وإننا سندفع الثمن». والدُ بشرى هو القيادي في حركة حماس جمال الطويل، ويتعرض هو وعائلته منذ سنوات للاعتقال من حين لآخر.

وفي شهادة نشرها المحامي حسن العبادي على فيسبوك عن وضع الأسرى والأسيرات، وتحديداً عن لقائه الأسيرة لمى خاطر التي اعتُقلت من منزلها في 26 أكتوبر، قال العبادي إنها تعرّضت للتهديد بالاغتصاب. تحدثنا إلى الأستاذ العبادي، وهو محامٍ متطوع من حيفا يزور الأسرى والأسيرات بشكل دوري كل أسبوعين منذ سنوات، ومنذ 7 اكتوبر جعل زياراته للأسرى أسبوعية؛ يقول: «ينام الأسرى والأسيرات بعد الاكتظاظ الحاصل اليوم على الأرض إذ لا تُوجد أسرّة كافية، مع سياسات عزل تام، فالأسيرة مرح باكير مثلاً معزولة في الجلمة في سجن انفرادي منذ أكثر من أسبوعين. أُلغيت الفورة، والخروج من الزنزانة للحمام فقط، وتمّ تخصيص 45 دقيقة لكل زنزانة، بمعنى أنه لو كان في الزنزانة 10 أشخاص فإن عليهم أن يستخدموا الحمام خلال هذه المدة الزمنية المحدودة فقط سواء للاستحمام أو لغيره. وجباتُ طعام قليلة جداً في سياسة تجويع، والمياه تُخلَط مع الكلور».

يضيف العبادي تفاصيل أكثر حول واقع الحياة اليومية للأسرى والأسيرات منذ طوفان الأقصى: «تم رشّ الغرف بالمياه العادمة في عدة ليالٍ، مع تهديدات وشتائم تشمل سبّ الذات الإلهية. تمت مصادرة كل مقتنيات الأسيرات ووضعوها في المكتبة وأغلقوا عليها، كما تم إلقاء جزء منها في المزبلة وجزء آخر تم حرقه في الساحة. تمت مصادرة كل شيء في حالات كثيرة بما في ذلك الدفاتر والأوراق والكتب وألبومات صور الأسيرات الخاصة. حتى بعض الهدايا التي كانت إحدى الأسيرات تنسجها بخيوط الصوف لأحفادها تمت مصادرتها ورميُها. وفي سجن الدامون تم إلغاء الهاتف الأرضي الذي كانت الأسيرات تستخدمنه للتواصل مع الأهل».

أما عن لمى خاطر فيقول العبادي إن هناك «5 أسيرات تعرضنَ لتفتيش عارٍ بشكل كامل، وسمحت الأسيرة لمى خاطر من بينهنّ بذكر اسمها. تم تهديد لمى بأولادها، قالوا لها سنذبح أولادك ونرميكم في غزة. كذلك تم تهديدها بالاغتصاب: خلال التحقيق معها وهي مغطاة العينين أخبرها المحقق بأن هناك حوالي 20 ظابطاً مستعدون لاغتصابها. أكثر من مرة تعرَّضت لمى لهذا التهديد، وخلال انتظار لمى للنقل من مكان إلى آخر أزالوا الرباط عن عينيها وتم تصويرها بالجوالات، وهذا ليس جزءاً من التحقيق».

في حالة أخرى، اعتقلت قوات الاحتلال الصحفية سمية جوابرة في 5 تشرين الثاني (نوفمبر)، بعد التحريض عليها قبل أسبوعين على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل إسرائيليين، وهو الأمر الذي يحدث بشكل مكثف منذ 7 أكتوبر، إذ يتم التحريض على العديد من الصحفيين والنشطاء. سمية جوابرة هي أم لثلاث أطفال وحامل في الشهر السابع، شكَّلَ اعتقالُها حالة من الترهيب بشأن مصيرها المُنتظَر في ظل الظروف الراهنة، ليُفرج عنها الاحتلال يوم 12 نوفمبر بشروط صعبة للغاية، تمثَّلت في كفالة مالية بقيمة 10 آلاف شيكل، وكفالة طرف ثالث بقيمة 50 ألف شيكل، بالإضافة إلى حبس منزلي غير مُحدَّد المدة، ومنعها من استخدام الانترنت وإبقائها تحت رقابة منزلية هي وزوجها ووالدة زوجها لضمان تطبيق الشروط السابقة.

*****

خلال الأسابيع الماضية تحدّثت مؤسسات حقوقية عن قيام جنود الاحتلال بتصوير فيديوهات للمواطنين الذين يتم اعتقالهم، وكان من بينهم فيديو ظهر فيه جنودٌ إسرائيليون يقومون بتعذيب مجموعة من المواطنين المدنيين العُزَّل في ظروف مهينة بعد تجريدهم من ملابسهم. كان هذا الفيديو جزءاً من مجموعة مقاطع مصورة أخرى يقوم جنود الاحتلال بتصويرها لمواطنين فلسطينيين بعد اعتقالهم، ويتعمد فيها وضع علم الاحتلال على المعتقلين وهم معصوبو الأعين ومُقيَّدون.

شهادات عديدة تصل بشكل يومي إلى مؤسسات حقوقية تعنى بواقع الأسرى، لكن لا شيء يتغير. شهادات المحامين الذين يستطيعون مقابلة بعض الأسرى مُفزعة جداً، بينما يتحفّظُ كثيرون منهم على ذكر بعض التفاصيل التي قد تسبب الضرر لعائلات الأسرى في الخارج، في ظل اقتحامات وحملات اعتقال متكررة كانت تمارسها قوات الاحتلال في الضفة الغربية قبل السابع من أكتوبر وازدادت كثافتها بشدّة بعده.