حلم تلاشى تحت ركام الواقع الصعب
المشاكل السياسية والاقتصادية التي تواجه إقليم كردستان العراق إلى جانب ما يتعرض له من ضغوط إقليمية على خلفية القضايا الأمنية، عصفت جميعها بحلم الاستقلال الذي راود قادة الإقليم في فترات سابقة وجعلت خطاب هؤلاء القادة يرتد إلى نزعة واقعية تنصب أساسا على إعادة تنظيم علاقة الإقليم بالدولة الاتّحادية.
أربيل (العراق) – خفتت بشكل واضح نبرة الاستقلال من الخطاب السياسي لكبار القادة في إقليم كردستان العراق، وخصوصا قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني الذين دفعوا قبل ستّ سنوات باتجاه تنظيم استفتاء على الاستقلال عن العراق، لكنّهم اصطدموا بجدار صلب ومتماسك من الرفض المحلّي والإقليمي في ظلّ امتناع دولي عن تأييد مسعاهم لم يتوقّعوه مسبقا.
وطغت على خطاب قادة الحزب نبرة من الواقعية تجلّت في التركيز على المطالبة بالتخفيف من مركزة القرار في بغداد والسعي لتطبيق أكبر قدر ممكن من مقتضيات الفيدرالية، وذلك بالتوازي مع حلحلة المشاكل العالقة مع السلطات الاتّحادية وعلى رأسها المشكلة المالية المعقّدة.
وتجلّى الخطاب الواقعي لقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني خلال ملتقى الشرق الأوسط (ميري) الذي احتضنته هذا الأسبوع مدينة أربيل مركز إقليم كردستان العراق.
وشكا نيجيرفان بارزاني رئيس الإقليم في مداخلته بالملتقى من قوّة المركزية في العراق وعدم استقرار الفيدرالية، معتبرا أنّ أن تعامل بغداد مع إقليم كردستان “ليس فيدراليا”. كما أثار مجدّدا موضوع الخلافات المالية الحادّة بين المركز والإقليم، واصفا التعامل المالي لبغداد بأنّه غير موجود في أي فيدرالية بالعالم.
نيجيرفان بارزاني: لدينا فيدرالية في الدستور ومركزية كاسحة في أرض الواقع
نيجيرفان بارزاني: لدينا فيدرالية في الدستور ومركزية كاسحة في أرض الواقع
والمشكلة المالية هي من أعقد المشاكل التي واجهها أكراد العراق خلال السنوات الأخيرة ووضعت إقليمهم أمام أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة جرّت وراءها مخاوف على استقرار الإقليم وتماسكه الداخلي.
وأظهرت الحكومة العراقية تشدّدا متزايدا في تسليم الإقليم حصصا مالية من ميزانية الدولة على خلفية اتهام سلطاته بعدم الالتزام باتفاقات تنص على تسليم عوائد النفط والمداخيل الجمركية للحكومة المركزية. وخلال الأشهر الماضية واجه الإقليم صعوبات في توفير رواتب عمّاله وموظّفيه، قبل أن توافق بغداد مؤخّرا على تسليمه دفعات مالية لن توفّر بحسب مراقبين سوى حلّ مؤقّت للمشكلة.
وقال بارزاني “إنّ الرواتب هي حقوق أصيلة لمواطني إقليم كردستان وحكومة الإقليم تعاملت بشفافية مع بغداد والمسؤولية تقع على عاتق الأخيرة الآن. ولا يمكن أن تستمر المسألة بهذا الشكل”، متسائلا “هل من المعقول أن تكون مشكلة إقليم كردستان إذا كان يستطيع صرف الرواتب أم لا. أليس الموظفون في الإقليم جزءا من الموظفين في العراق؟”.
وفي نقده لتطبيق الفيدرالية التي ينص عليها الدستور العراقي، قال رئيس إقليم كردستان العراق “هناك مشكلة جوهرية في العلاقة بين أربيل وبغداد يجب أن نحلها قبل كل شيء، وهي أنه لدينا وفق الدستور العراقي نظام فيدرالي ولكن في المحتوى هناك مركزية قوية للغاية، وحتى الآن لم تستقر الفيدرالية”.
وتختلف المطالبة بتطبيق الفيدرالية المنصوص عليها في الدستور العراقي جذريا مع ما ساد من خطاب سياسي لدى قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني خلال سنوات الحرب التي خاضها العراق ضد تنظيم داعش بين سنتي 2014 و2017.
ورفعت المساهمة الفعالة للقوات الكردية في تلك الحرب مستوى الطموح لدى قيادة الحزب وتحديدا لدى رئيسه مسعود بارزاني الذي أصبح يجاهر بالسعي لانفصال الإقليم في دولة مستقلّة عن العراق، معتبرا أنّ الحدود الجديدة للإقليم رسمت بالدماء.
وانتهى به الأمر إلى تنظيم استفتاء على استقلال الإقليم في سبتمبر 2017 واجه على إثره عاصفة من الإجراءات التي اشتركت فيها الحكومة الاتّحادية العراقية مع كل من تركيا وإيران الرافضتين بشكل قطعي لقيام أي كيان كردي في المنطقة بما من شأنه أن يقوض النزعات الاستقلالية لأكراد الدولتين.
المشكلة المالية من أعقد المشاكل التي واجهها أكراد العراق وأثارت المخاوف على استقرار إقليمهم وتماسكه
ولم يتلقّ بارزاني أي دعم دولي لمسعاه بما في ذلك من قبل الولايات المتّحدة التي كانت قد وقفت أصلا وراء حالة شبه الاستقلال التي أصبح عليها إقليم كردستان العراق منذ سنة 2003. وخبت منذ ذلك الحين مطالبات أكراد العراق بالاستقلال وتوجّهت اهتماماتهم إلى مجابهة مشاكل اقتصادية وسياسية وأمنية حادّة.
وأشار رئيس الإقليم إلى مشاركة أكراد العراق في الحرب ضدّ داعش وقبل ذلك في تأسيس النظام القائم في البلاد حاليا، قائلا “لقد هزمنا داعش معا واستشهد أفراد البيشمركة والجيش العراقي والحشد الشعبي أيضا. واختلطت الدماء من أجل الدفاع عن هذا البلد. وهذا يجب أن يدفعنا إلى حل المشاكل التي تعترضنا اليوم بسهولة”.
وأضاف قوله “نجحنا مع بعضنا البعض في بناء الدولة العراقية الجديدة ولم يقم بذلك طرف دون الأطراف الأخرى. فنحن مع القوى الأخرى، وخصوصا إخواننا الشيعة قمنا بعد 2003 ببناء العراق الجديد ووضعنا حجر الأساس لهذه الدولة. وكنا جزءا أساسيا وسنبقى كذلك”.
كما دعا إلى اعتماد الحوار في حلّ مشاكل الإقليم مع الحكومة الاتّحادية، قائلا “نحن لا نشتكي ولكن نقول إن العراق منذ العام 2003 يمر بمرحلة انتقالية. بل يجب أن نحل المشاكل جذريا ويجب أن نفهم هل نحن أصحاب نظام فيدرالي أم مركزي. وهذا هو جوهر المشكلة”، مضيفا “أقول بشكل أوضح إنه إذا أردنا أن يستتب الاستقرار السياسي والاقتصادي في العراق يجب أن يعلن إخواننا في بغداد مواقفهم بكل صراحة حول هذه المواضيع”.
كما وصف تعامل بغداد مع إقليم كردستان بأنّه “غير فيدرالي”، مؤكّدا الحاجة إلى الجلوس معا دون مجاملة وتحديد مواطن تجاوز إقليم كردستان على النظام الفيدرالي وأين خرقت بغداد النظام، قائلا “فلنقم بإزالة هذا الخرق وملء الفراغ”، مشدّدا على أن “التعامل مع بعضنا البعض داخل العراق يجب ألا يكون على أساس من هو ضعيف ومن هو الأقوى، فهذا المنطق سيء للغاية وإذا استمر فلن ينتج غير المشاكل للعراق”.
كل التفاعلات:

ثائر أبو وسيم، وRa’id Hussein و٣ أشخاص آخرين