عقد المؤتمر المسار الديمقراطي السوري في بروكسل 24/45 تشرين الاول يأتي في وقت يبدو فيه الدور الأوروبي فاعلاً نسبياً في الملف السوري، رغم تراجع الاهتمام الدولي. إذ إن استضافة مثل هذا المؤتمر في عاصمة الاتحاد الأوروبي تعكس رغبة أوروبية، ولو محدودة، في المساهمة بإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، خاصة في ظل عدم حدوث تقدم في مسار جنيف. قد تكون أوروبا، التي تستضيف عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين، في موقف ملح لتهدئة الأزمة السورية، وإن عبر دعم المساعي السياسية.
يضم المؤتمر أطيافاً متنوعة من المعارضة السورية ومنظمات المجتمع المدني، وهو ما يعكس التزاماً بتمثيل أكبر شريحة ممكنة من السوريين. مع ذلك، فإن تنوع الآراء داخل المعارضة يشكل تحدياً؛ حيث تواجه هذه الأطراف صعوبةً في التوحد حول رؤية موحدة للمرحلة الانتقالية. وبالرغم من النداءات المتكررة للوحدة، فإن الانقسامات لا تزال عقبة رئيسية، قد تعيق قدرة المعارضة على تمثيل فعلي للشعب السوري في المفاوضات الدولية.
إدراج قضايا المرأة والشباب في هذا المؤتمر هو خطوة إيجابية نحو بناء مجتمع سوري أكثر شمولية في المستقبل. غير أن التحدي يكمن في كيفية الانتقال من التوصيات إلى التنفيذ، خاصة وأن المجتمع السوري يواجه بنية تقليدية يصعب فيها ضمان تمثيل حقيقي وفاعل للمرأة والشباب في مواقع اتخاذ القرار. كذلك، تحتاج هذه الخطوات إلى دعم دولي يضمن استدامتها
العدالة الانتقالية هي مسألة حساسة في الحالة السورية، لا سيما بعد سنوات من الانتهاكات التي طالت المدنيين. إذ يُعد تحقيق العدالة أساسياً لبناء الثقة بين السوريين، لكن التوصل إلى هذه العدالة في ظل هيمنة النظام الحالي وتعقيدات التدخلات الإقليمية قد يكون شبه مستحيل. لذلك، سيبقى هذا التحدي قائماً، وقد يؤثر على استقرار أي حل سياسي يُطرح ما لم توجد آليات واضحة لضمان محاسبة عادلة.
أحد أبرز التحديات التي تواجه أي مسعى ديمقراطي في سوريا هو التدخلات الخارجية، حيث تلعب دول إقليمية مثل روسيا وإيران دوراً مباشراً في دعم النظام، بينما تؤثر دول أخرى كتركيا على الأراضي الخارجة عن سيطرة النظام. هذه التدخلات قد تعوق، بل وتعرقل، أي مسار سياسي سلمي؛ ما يجعل من الضروري وجود موقف دولي موحد لضمان عدم تصادم المصالح الخارجية داخل سوريا، وهو ما يبدو غائباً في المشهد
ركز المؤتمر على توصيات محددة مثل الدعوة لحوار وطني وإنشاء لجان متابعة، وهي خطوات ضرورية، ولكن تطبيقها يعتمد على الإرادة السياسية لأطراف النزاع واستعدادهم للالتزام بهذه التوصيات. في غياب آليات ملزمة وداعمة لهذه التوصيات من قبل المجتمع الدولي، تبقى هذه التوصيات في إطارها النظري، دون أن تحقق أثراً ملموساً على أرض الواقع.
على الرغم من الجهود المبذولة في مؤتمر المسار الديمقراطي السوري في بروكسل، إلا أن الواقع يشير إلى أن تحقيق الديمقراطية والاستقرار في سوريا مسار طويل ومعقد. حيث أن الإرادة الشعبية، وإجماع المعارضة، ودعم المجتمع الدولي ضرورية، لكن ليس من السهل تحقيقها جميعاً في ظل التحديات الحالية. يبقى الأمل في أن تكون هذه المبادرات خطوة نحو بناء زخم دولي وسياسي يساهم تدريجياً في وضع سوريا على طريق الحل، رغم التحديات الضخمة.