وجّهت الاستخبارات الإسرائيلية على مدى الأعوام الماضية، لا سيما في الأشهر الأخيرة، سلسلة ضربات الى إيران وحلفائها، تظهر، بحسب محللين، اختراقها لأجهزة الجمهورية الإسلامية، ما بدأ يثير قلقا معلنا في طهران.

وندد علي لاريجاني، أحد مستشاري المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي والأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، الجمعة “بمشكلة اختراق في إيران (…) منذ أعوام”.

وأضاف: “حصلت حالات إهمال. الأجهزة الأمنية في البلاد واجهتها، لكنها لم تنجح في وضع حد كامل لها”.

ومنذ اندلاع الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، استُهدِفَت طهران وحلفاؤها بعمليات لم تكن لتتحقق في غياب معطيات استخبارية دقيقة.

واغتيل رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” اسماعيل هنية في مقر إقامته أثناء زيارة لطهران في أواخر تموز (يوليو)، في عملية نُسبت إلى إسرائيل. وبعد أقل من شهرين، قتل الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله بضربة جوية إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية.

وبين العمليتين، انفجرت آلاف أجهزة الاتصال في حوزة عناصر “حزب الله” في لبنان، ما أسفر عن مقتل 39 شخصا على الأقل وجرح نحو ثلاثة آلاف.

بدا واضحا أن هذه العملية المعقّدة التي نسبت أيضا الى إسرائيل، قد تمّ التحضير لها منذ زمن.

ورأى لاريجاني، وهو من أبرز الشخصيات السياسية في إيران ورئيس سابق للبرلمان، أن إسرائيل “عدو يفكّر على مدى أعوام، ويلحق بك الأذى في لحظة”.

“عجز”
وفي حين أن تصريحات علنية كهذه تبقى غير معتادة، لكن مضمونها ليس مفاجئا. فقد سبق لمسؤولين إيرانيين أن اتهموا إسرائيل بالوقوف خلف سلسلة عمليات سرّية في أراضي الجمهورية الإسلامية، بما فيها اغتيال ومحاولات اغتيال وتفجير وتخريب في منشآت حساسة.

وتعرّض عدد من العلماء النوويين الإيرانيين للاغتيال أو محاولات اغتيال خلال الأعوام الماضية، أبرزهم محسن فخري زاده الذي قُتِل قرب طهران في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 بسلاح رشاش تمّ التحكم به عن بعد. وأعلن القضاء الإيراني هذا الأسبوع الحكم بإعدام ثلاثة متهمين في القضية.

وأعلنت الدولة العبرية حصولها على وثائق أرشيف البرنامج النووي الإيراني عبر عملية أمنية في طهران مطلع 2018.

كما وقعت عمليات أمنية في إيران بقي منفّذوها مجهولين، رغم الاعتقاد السائد بأن إسرائيل تقف خلفها، مثل اغتيال شخصيات بينهم ضباط في الحرس الثوري، واستهداف مواقع عسكرية باستخدام طائرات مسيّرة صغيرة.

ورأى الباحث في معهد الأمن والاستراتيجية في القدس ألكسندر غرينبرغ أن تصريحات شخصية مثل لاريجاني “تؤكد عجز الأجهزة الإيرانية عن منع الاختراق الإسرائيلي”.

وأضاف لوكالة فرانس برس أنه عقب عملية تفجير أجهزة الاتصال في لبنان “كان حزب الله يأمل بأن تساعده إيران في مجال الاستخبارات. لكنهم (الإيرانيون) كانوا عاجزين عن القيام بشيء لأنفسهم حتى”.

ويرى محللون أن الاختراقات الإسرائيلية تسهّلها عوامل منها الصعوبات الاقتصادية في الجمهورية الإسلامية التي تعاني عقوبات اقتصادية غربية، وتزايد المعارضة الداخلية للحكم.

وتحدث كينيث كاتسمان، الباحث في مركز صوفان والخبير السابق في الشأن الإيراني لدى الكونغرس الأميركي، عن “درجة اختراق مرتفعة… في كل وزارة أو منظمة، في الحرس الثوري، قوات انفاذ النظام، وزارة الاستخبارات، القضاء، السلطات المحلية”.

وتابع: “العديد من الأشخاص مستعدون، حتى في صفوف الحكومة، لمساعدة إسرائيل بغرض الحصول على المال، ولأنهم على خلاف مع النظام”.

واعتبر العضو السابق في الاستخبارات الخارجية الفرنسية ألان شويه أن هذه العوامل توفر “مجموعة ممكنة للتجنيد لصالح القوى الخارجية”.

وأكد أن العملاء، إضافة الى القدرات الإسرائيلية في مجال الاستعلام التقني، يوفرون معطيات لا تقدّر بثمن، مثلما أظهرت عملية اغتيال نصرالله.

وأوضح أن الرجل الذي تولى الأمانة العامة للحزب لأكثر من ثلاثة عقود “كان لا ينام في المكان ذاته ليلتين تواليا ولا يبقى في المكان ذاته لساعتين. كان تحديد مكانه بالغ الصعوبة”.

أضاف: “بعد (تفجير) أجهزة الاتصال، لم تعد ثمة أي قطعة الكترونية قربه”.

اختراق منهجي
وشدد شويه على أن الإسرائيليين نفذوا الضربة الجوية الضخمة التي استهدفت نصرالله جنوب بيروت في 27 أيلول (سبتمبر) “وهم واثقين” من نجاحها.

أضاف: “أصابوا الهدف، في الزمان والمكان المناسبين”، وذلك يعود بطبيعة الحال الى معلومات استخبارية.

ورأى كادر الاستخبارات الفرنسية السابق أنه حتى في حال تحديد مكامن الخلل، تبدو طهران غير قادرة على معالجته، مؤكدا وجود “كثيرين، عملاء لإسرائيل أو مستعدين ليكونوا كذلك”.

من جهته، تحدث جايسون برودسكي، مدير برامج “اتحاد ضد إيران نووية” (UNANI)، وهي من أبرز مجموعات الضغط المناهضة للجمهورية الإسلامية، بأن أجهزة الأمن الإيرانية مخترقة على نطاق واسع، بما في ذلك الحرس الثوري.

وأوضح: “تمّ تعيين قادة جدد وتركوا مناصبهم لاحقا، لكن المشكلة بقيت موجودة، وهذا يظهر الى أي حد يعاني الحرس الثوري من اختراق منهجي”. أضاف: “ربما القيادات العليا مخترقة، لكن حتى تلك الأدنى منها حتى”.

ولم يستبعد برودسكي أن يكون الاختراق طال محيط خامنئي لأن مكتبه هو عبارة عن “بيروقراطية واسعة النطاق”.

إزاء ذلك، استبعد خبراء أن تجد إيران حلا جذريا للاختراقات قريبا.

وأعرب شويه عن قناعته بأن لدى الجهاز الموساد الإسرائيلي شبكات “قادرة على التحرك في أي وقت كان”.