بدلاً من الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن وإصلاح ما يمكن إصلاحه، دعمت تركيا أذربيجان للهجوم على أرمينيا وتطهير السكان الأرمن بالكامل من هناك. الآن، الأرمن في كاراباخ يشبهوننا: مدنهم محتلة، قراهم مدمرة، كنائسهم مدنّسة. هم، مثلنا، مجتثون ومتروكون للريح.
“عثمان كافالا (1957) رجل أعمال ومعارض تركي اتهمته السلطات التركية بـ”محاولة إطاحة حكومة الجمهورية التركية أو عرقلة عملها بشكل جزئي أو كامل”، و”اشتراكه في المحاولة الانقلابية عام 2016″، اعتقل عام 2017، وبعد سلسلة تهم حُكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 2022، في تجاهل تركي للمطالب الدولية بإطلاق سراحه.
عزيزي عثمان،
لطالما أردت أن أسألك “كيف حالك؟”، ولكنني كنت أخشى القيام بذلك.
العالم خارج سجنك ليس كما كان منذ آخر لقاء لنا. ما زلت أتذكر لقاءنا الأخير بوضوح شديد في أيلول/ سبتمبر 2016، في حفل الدورة الثامنة لمنح جائزة هرانت دينك في إسطنبول. وصلت إلى هناك مصادفةً، إذ كنت في إسطنبول في طريقي إلى عنتاب (رسمياً غازي عنتاب، ولكن كان نصرها على حساب وجود شعبي). كنت أسافر لأقوم ببحث حول جماعات المعارضة السورية والوضع الإنساني الصعب في المناطق الخاضعة لسيطرتها. التقينا في قاعة حفل هرانت دينك، وقلت لي إنك تريد التحدث معي.
اتفقنا على اللقاء في اليوم التالي، ولكن لم يتم ذلك، أراد زعيم من المعارضة السورية مقابلتي، فاتصلت لأعتذر منك. اتفقنا على التحدث واللقاء قريباً. وعدتك أنني سأعود قريباً إلى إسطنبول للقائك. في تلك الأيام، كنت أسافر إلى إسطنبول كثيراً، وكنت أنت حراً.
عزيزي عثمان، لا أعلم إن كنت لا تزال تتذكر ما كنت تريد أن تخبرني به. لا أعلم مدى أهميته، أو إن كان لا يزال ذا صلة بعالمنا اليوم، لكن ما أعلمه أن لدي شعوراً عميقاً بتفويت الموعد، وشعوراً بالذنب في كل مرة أفكر بك.
منذ أيلول/ سبتمبر 2016، لم أعد إلى إسطنبول، أنا الذي اعتدت زيارة تلك المدينة 2-3-4-5 مرات في السنة. أفتقد إسطنبول – فهي بوليسنا، عاصمة الثقافة الأرمنية الغربية، المدينة، الفردوس الضائع. أفتقد بوليس ولكنني لا أجرؤ على العودة. كيف يمكنني العودة وأخلف بوعدي لك مرة أخرى، وألا أتمكن من لقائك للتحدث، وتخيل كيف يمكننا جعل عالمنا مكاناً أفضل؟
أخشى أن أرى القبح حيث كنت أجد الجمال من قبل.
عزيزي عثمان، تغيرت أشياء كثيرة منذ آخر مرة التقينا. أنا متأكد أنك تتابع الأخبار من زنزانتك. منذ أن اعتقلت بتهم ظالمة وغير عادلة، انقلب العالم رأساً على عقب. أصبحت تركيا مكاناً أصعب، وأصبحت جهودك للتفاهم المتبادل وتطوير ثقافة الحوار أكثر صعوبة. بدلاً من الوصول إلى السلام مع الأكراد، ما زالت الحرب ضدهم مستمرة، والقرى الكردية تُقصف تقريباً كل يوم.
بدلاً من الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن وإصلاح ما يمكن إصلاحه، دعمت تركيا أذربيجان للهجوم على أرمينيا وتطهير السكان الأرمن بالكامل من هناك. الآن، الأرمن في كاراباخ يشبهوننا: مدنهم محتلة، قراهم مدمرة، كنائسهم مدنّسة. هم، مثلنا، مجتثون ومتروكون للريح.
وليس هذا كل شيء. إذ قرر فلاديمير بوتين في روسيا “تحرير” أوكرانيا، وجيشه يقتل الآن كل أوكراني ويدمّر كل مدينة أوكرانية في طريقه. وفي الشرق الأوسط، الوضع ليس أفضل. إسرائيل، تلك الدولة التي أسسها الناجون من الإبادة الجماعية، تُتهم بارتكاب إبادة جماعية ضد شعب آخر، ضد الفلسطينيين.
يقتل المدنيون الفلسطينيون الأبرياء كل يوم، إلى درجة أني لم أعد أستطيع مشاهدة الأخبار، وكأن ذلك ليس كافياً، تدمّر إسرائيل أيضاً لبنان – البلد الذي وُلدت فيه ونشأت – قرية تلو قرية، مبنى بعد مبنى. وديمقراطياتنا الغربية “تدعم” جرائم الحرب بدلاً من مساعدة الضحايا، وتدعم المعتدي بالكلمات والمال والأسلحة. في ديمقراطياتنا الغربية، تغلق حكوماتنا أفواه المنتقدين للجرائم المرتكبة في الشرق الأوسط ولسياساتها الخاصة.
عزيزي عثمان، أنت في السجن منذ فترة طويلة الآن، منذ سبع سنوات، تغيرت خلالها أشياء كثيرة. هناك آلاف من الناس الذين يستمتعون بجمال أشجار حديقة غيزي، ولكنهم ليسوا أحراراً. خارج السجن، هناك ملايين المستعبدين للسلطات السائدة، أما أولئك الذين يتهمونك بـ”النشاط الإجرامي” أو “العنف” إما أنهم لا يعرفوك، أو أنهم يخافون من الرجل الجميل الذي أنت عليه.
ما زلت أحلم بعالم أستطيع فيه العودة لزيارة إسطنبول، عالم يكون فيه عثمان كافالا حراً، حيث يمكننا أن نلتقي مرة أخرى ونتحدث عن كيفية جعل عالمنا مكاناً أفضل.
عزيزي عثمان، أنت في السجن لكنك رجل حر، ومن دونك أصبح العالم خارجاً مكاناً أقل جمالاً.
فيكن تشيتريان،
جنيف