تتصاعد الحرب في شمال غرب سورية، بطور جديد من صراع، عرف أطواراً متعددة كان أولها ثورة من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية، وهو حالياً صراع نفوذ بين القوى الإقليمية عبر وكلائها الذين صاروا سلطات أمر واقع.
ويظهر أن تطورات تشابك الصراع الداخلي مع الصراع الإقليمي، حوّل البلد إلى خاصرة رخوة للمنطقة، بحيث أصبح يعيش ارتدادات مجرياتها. وهكذا ما إن ظهرت علائم ضعف على الميليشيات الطائفية التابعة لإيران، نتيجة الخسائر الاستراتيجية لحزب الله تحت الضربات الإسرائيلية في لبنان وسوريا، حتى سارعت قوات عسكرية مرتبطة بتركيا، بقيادة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، لإشعال الحرب والتمدد في محافظات حلب وإدلب وحماة.
إلا أن سرعة انهيار جبهة جيش سلطة الأسد يثير الريبة، حيث يبدو إعادة لما فعله من مناورة بين عامي ٢٠١٣-٢٠١٤ للضغط على المجتمع الدولي ودول الإقليم فانسحب من مناطق واسعة تاركاً المجال لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وقوى جهادية أخرى لتتمدد؛ ولعل سلطة الأسد تراهن على أن الفترة الراهنة هي الأفضل لكي تتلقى دعماً إقليمياً ودولياً بدعوى القضاء على “هيئة تحرير الشام” بوصفها قوى إرهابية.
وإذ نعلن رفضنا للحرب في سوريا وجديدها بكل الأحوال، وبغض النظر عن المتقدم فيها من الأطراف الاستبدادية ورعاتها، وعلى مراهناتهم، ونرفض تقسيم سوريا بين المتصارعين، نؤكد على أن وقودها هم أبناء الشعب السوري وشروط حياتهم وعمرانهم، خاصة مع غياب طرف وطني ديمقراطي معبر عن مصالح الشعب السوري وتطلعاته للحرية والديمقراطية والعدالة، حيث بات هذا صراعاً بين أطراف مستبدة لكل منها رعاته الإقليميون الطامعون في سوريا وغالبيتهم ممن شارك في احتلال أجزاء من الأرض السورية.
بداية، نحمل المسؤولية للنظام السوري، وحلفائه، لرفضهم التقدم وخلال سنوات، بأي خطوة جدية نحو الحل السياسي، مع استمرار اعتقالهم لعشرات آلاف السوريين أغلبهم مجهولو المصير، ولمنعهم عودة آمنة للاجئين والنازحين بحيث صارت هذه الشرائح مستعدة للقبول بأي طرف، مهما كان، إن أمن لها عودتها، واستمرارهم في سياسة القمع والقتل ونهب البلد ورهن مقدراته وتدمير اقتصاده.
كما نحمل المسؤولية عن استمرار حالة الضياع والعبث بمصالح الشعب السوري، للإسلام السياسي والجهادي، والقوى الأخرى التابعة للأطراف الخارجية. حيث تحوّلت الجماعات الإسلاموية إلى سلطة أمر واقع في بعض المناطق في سوريا، ففرضت أفكارها المناهضة لقيم المواطنة والحريات العامة والشخصية ومنعت على الصعيد الوطني تشكيل بديل وطني ديمقراطي تعددي، مكرسة تبعية وارتهاناً لقوى إقليمية ذات مطامع في سوريا.
وإذ نؤكد أن مفتاح الخلاص لهذا الوطن المنكوب يكمن في قدرة السوريين على امتلاك زمام قرارهم في مواجهة مختلف الأطراف التي تعيث قمعاً وتمييزاً وفساداً وتخريباً في اجتماعهم الوطني وحقوقهم، عبر تفعيل الحوار الوطني الديمقراطي لتمكينهم من بناء سوريا الموحدة الديمقراطية، كما نهيب بأغلبية السوريين الرافضين للوضع الحالي الكارثي التحرك لتعرية ما يجري وارتباطاته المشينة ولإنتاج بدائل سياسة تجتمع على قرار الخروج من الحرب، بناء على القرارات الدولية ذات الصلة، وبهدف بناء دولة القانون والحقوق السورية الدستورية الديمقراطية التعددية. حيث لا يزال من الممكن لإرادة وطنية ديمقراطية، ناتجة من جمهور السوريين المتضررين من استمرار الحرب وآلامها، مواجهة الحرب واحتمالاتها المضرة بالمصالح الوطنية الديمقراطية، والدفع للحل السياسي الذي يجمع السوريين بالدولة الديمقراطية المنشودة بعيداً عن المستبدين.
كما نطالب المجتمع الدولي الضغط لوقف الحرب، وعلى أطرافها لضمان حياة، وكرامة، وحقوق السكان بغض النظر عن جنسهم واعتقادهم وموقفهم السياسي.
مجموعة التفكير الديمقراطي