هذا المقال أقرب إلى الخيال السياسي الواقعي أو التحليل الافتراضي، حيث يعتمد على تحليل سياقات فعلية ويستعرض ما قد يحدث بناءً على معطيات موجودة.
افتراض أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) هي التي حررت مدينة حلب يثير تساؤلات متعددة حول رد فعل السوريين، خاصة إذا ما قورنت قسد بقوى أخرى مثل هيئة تحرير الشام أو حتى النظام السوري. لفهم هذا السيناريو بشكل أفضل، يمكن تحليل المشهد من خلال مقارنة قسد بهيئة تحرير الشام من حيث الأيديولوجيا، التكوين، الممارسات، والأهداف، وما قد يعنيه ذلك لتحرير مدينة محورية مثل حلب.
قسد هي قوة متعددة العرقيات ترتكز أيديولوجيًا على الفكر اليساري العلماني، متأثرة بفلسفة عبد الله أوجلان، وتتبنى مفهوم الإدارة الذاتية والديمقراطية المحلية. في المقابل، تعتمد هيئة تحرير الشام على فكر سلفي جهادي يستند إلى تفسيرها الصارم للشريعة الإسلامية، وتسعى إلى إقامة حكم ديني. هذا التباين الجوهري بين الطرفين ينعكس على كيفية إدارة المناطق التي يسيطران عليها. قسد تركّز على التعددية والمساواة، بينما تفرض هيئة تحرير الشام رؤيتها الدينية بشكل صارم معللة تلك الصرامة بذات الهدف أيضا، لعدالة و المساواة، مما يجعل القبول الشعبي لكل منهما مختلفًا بحسب التركيبة السكانية للمدينة وأولويات سكانها.
من حيث التكوين، تضم قسد خليطًا من الأكراد والعرب والسريان، وتستفيد من دعم دولي، وخصوصًا من الولايات المتحدة، في حين أن هيئة تحرير الشام تتألف بشكل أساسي من مقاتلين سوريين وبعض الأجانب، معتمدة على تمويل محلي أو من مصادر إقليمية. هذه التركيبة تجعل قسد قوة عسكرية ذات بعد سياسي مدعوم دوليًا، بينما تبقى هيئة تحرير الشام قوة محلية ذات أبعاد أيديولوجية صارمة، مما قد يؤدي إلى ردود فعل متباينة تجاه سيطرة أي منهما على مدينة كبرى مثل حلب.
في حال تحرير حلب من قبل قسد، قد يكون هناك مزيج من الترحيب والحذر. سكان المدينة الذين أرهقتهم الحرب قد يرحبون بوجود قوة تنهي الصراع، خصوصًا إذا ما قورنت بقوة مثل هيئة تحرير الشام التي يُنظر إليها على أنها تفرض قيودًا دينية صارمة وتواجه اتهامات بانتهاك الحريات المدنية. ومع ذلك، فإن الترحيب بقسد سيكون مشروطًا بقدرتها على احترام خصوصية المدينة وعدم فرض مشروعها السياسي المتمثل في الإدارة الذاتية. سكان حلب العرب قد يشعرون بالقلق من توسع نفوذ قسد الذي قد يُنظر إليه على أنه محاولة لتغيير الطابع الديمغرافي والثقافي للمدينة.
على الجانب الآخر، إذا كانت هيئة تحرير الشام هي من حررت المدينة، فمن المرجح أن تواجه رفضًا أوسع من السكان، خاصةً أن رؤيتها الدينية قد تتعارض مع التركيبة الاجتماعية المتنوعة لحلب. ممارسات الهيئة السابقة في إدلب، بما في ذلك القمع السياسي وتقييد الحريات، قد تُثير قلق السكان الذين يأملون في العودة إلى حياة طبيعية بعيدًا عن الصراعات الأيديولوجية.
الأهداف القريبة والبعيدة لكل من قسد وهيئة تحرير الشام تُلقي بظلالها على هذا السيناريو. قسد تسعى على المدى القريب إلى تأمين مناطق سيطرتها وترسيخ نموذج الإدارة الذاتية، بينما تطمح على المدى البعيد إلى تحقيق حكم فيدرالي يشمل الأكراد ضمن إطار سوري موحد. على النقيض، تسعى هيئة تحرير الشام إلى بسط سيطرتها على مناطقها وفرض رؤيتها لإقامة حكم إسلامي، مما يجعل مشروعها أقل توافقًا مع تطلعات سكان المدن الكبرى مثل حلب.
في النهاية، مقارنة قسد بهيئة تحرير الشام تبرز بوضوح التباينات في الأيديولوجيا والأهداف والممارسات. تحرير حلب من قبل قسد قد يثير ردود فعل متباينة بين الترحيب الحذر والخوف من التغيير الديموغرافي والسياسي. في المقابل، تحرير المدينة على يد هيئة تحرير الشام قد يُقابل برفض أوسع بسبب طبيعة مشروعها الديني وممارساتها القمعية. في كلا الحالتين، يعتمد النجاح على قدرة القوى المسيطرة على احترام خصوصية المدينة وكسب ثقة سكانها، وهي معادلة معقدة تعكس طبيعة الصراع السوري وتشابكاته الأيديولوجية والاجتماعية.
@إشارة