ايران ليست حائرة بل محيِّرة للغرب وإسرائيل في الموقف حيال حرب غزة
تبدو كأنها تطبق في لعب الشطرنج السياسي نظرية البروفسور الأميركي جوزف ناي عن “الانتقال من استراتيجية الشطرنج ذات البعدين إلى استراتيجية الشطرنج ذات الأبعاد الثلاثة”. فمن جهة تكرر الإعلان أنها فوجئت بعملية “طوفان الأقصى” التي زلزلت بها حركة “حماس” إسرائيل.
ومن جهة ثانية تقوم بأكبر استنفار سياسي ودبلوماسي مباشر، وعسكري غير مباشر عبر الفصائل المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري، للضغط من أجل وقف الحرب الإسرائيلية المدعومة أميركياً وحماية “حماس”.
ومن جهة ثالثة تبلغ أميركا بأنها “لا تريد توسيع الحرب”، كما قال وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، ثم تحذر من أن نشوب حرب واسعة يمكن أن يصبح “حتمياً” مع استمرار التوحش الإسرائيلي.
ليس ذلك أمراً عادياً أو ممارسة لسياسة كلاسيكية. فالجمهورية الإسلامية “أظهرت على مدى عقود التزاماً حول محاربة إسرائيل وأميركا من دون الدخول في صراع مباشر”، كما يرى الخبير الأميركي من أصل إيراني كريم سادجادبور. وهو يؤكد أن “الأيديولوجيا الثورية للنظام ترتكز على معارضة أميركا وإسرائيل، لكن القادة ليسوا انتحاريين بل يريدون البقاء في السلطة”. واقعية سياسية من نوع خاص.
والجميع الآن في حاجة إلى قراءة ثانية في “طوفان الأقصى”. ففي القراءة الأولى تركزت الانطباعات والتحليلات السريعة على اعتبار العملية داخل غلاف غزة ضربة “إيرانية” في إطار استراتيجية إقليمية لتحقيق أهداف عدة.
من كشف نقاط الضعف في إسرائيل إلى “تسييد حماس” على الفصائل الفلسطينية، واستكمال طهران الإمساك بورقة القضية الفلسطينية التي تعود إلى واجهة القضايا في المنطقة والعالم. ومن هز “اتفاقات أبراهام” بين إسرائيل وعدد من الدول العربية إلى سد الطريق على توسيع الاتفاقات عبر انضمام دول أخرى. أما في القراءة الثانية فإن الأسئلة تتصدر المشهد.
ذلك أن منطق الحركات التحريرية يقضي بأنه لا حركة تقوم بعملية ضخمة تزلزل الاحتلال مثل “طوفان الأقصى” إن لم تكن خطوة تتبعها خطوات في مسار.
فما هي حسابات يحيى السنوار؟ هل كان محمد الضيف يتصور أنه يبدأ عملية تقود الأمة إلى الانخراط في القتال عبر ندائه يوم 7 أكتوبر: يا إخواننا في لبنان وإيران واليمن والعراق وسوريا، هذا هو اليوم الذي تلتحم فيه مقاومتكم مع أهلكم في فلسطين”؟ ما هي حسابات الاستعداد لمواجهة الرد الإسرائيلي بحرب عنوانها “القضاء على حماس”، ومسارها تدمير غزة وتهجير أهلها؟
وفي الأساس، ما كانت حسابات “حماس” الاستراتيجية والجيوسياسية عندما قامت بانقلاب على السلطة الوطنية الفلسطينية وفصلت القطاع عنها، ثم مع تعذر التنفيذ العملي لكل اتفاقات المصالحة التي جرت بوساطات عربية في القاهرة ومكة والجزائر وسواها؟ الوقائع قدمت بعض الأجوبة.
نداء القائد العسكري محمد الضيف جاءت تلبيته جزئية بنوع من “مشاغلة” إسرائيل عبر الجبهة الجنوبية في لبنان وبعض الصواريخ من اليمن، وقصف القواعد الأميركية في العراق وسوريا. وكلها بأيدي فصائل مرتبطة بإيران التي تقول إن قراراتها “مستقلة”. وحرب غزة دخلت مرحلة بالغة الخطورة، وسط دعم في الغرب ودعوات إلى وقف النار في الشرق، مع إصرار في الغرب والشرق على أن واشنطن وموسكو وبكين والعواصم الأوروبية تريد “حل الدولتين” ولا تسمح بتدمير إسرائيل، ولا بإضعاف السلطة الفلسطينية التي يراد لها استعادة دورها في غزة ضمن حل سياسي شامل في الضفة الغربية والقطاع.
ومن المفارقات أن حرب غزة مرشحة لأن تنتهي إلى ما لا يريده طرفاها المباشران: “حماس” وحكومة نتنياهو، حيث الرفض لحل الدولتين.