دخان أسود يتصاعد من موقع للجيش الإسرائيلي بعد تعرضه للقصف من جانب “حزب الله” في 20 نوفمبر الحالي (أ ب)

بعيداً عن عدسات الكاميرات والتصريحات الإعلامية بحث مستشار الرئيس الأميركي جو بايدن، هوكشتاين مع القادة العسكريين في إسرائيل سبل الامتناع عن التصعيد في الجبهة الشمالية وتوسيع القتال في لبنان منعاً لتوسيع حرب غزة إلى إقليمية يضطر فيها الجيش الأميركي لإدخال جنوده إلى المعركة، وفق مسؤول أمني إسرائيلي.
وكُشف أن زيارة هوكشتاين جاءت في أعقاب تهديدات وزير الدفاع الإسرائيلي،، تجاه لبنان وجولاته المتكررة إلى الحدود الشمالية لتقييم الوضع مع قادة الشمال، التي انتهت نهاية الأسبوع بخطة بلورها غالانت مع مسؤولين عسكريين وأمنيين لتوسيع القتال في لبنان.
وفي المحادثة الأخيرة بين بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، طرح الرئيس الأميركي ملف لبنان وكرر تحذيرات الولايات المتحدة من خطر تداعيات توسيع الجبهة الشمالية. ويقف نتنياهو  وعضو الكابينت الحربي، بيني غانتس، في مواجهة موقف غالانت وبعض القادة العسكريين، إذ يرى رئيس الحكومة ضرورة الالتزام بالمطلب الأميركي وبذل كل جهد للحفاظ على علاقة جيدة مع واشنطن.
وبرر نتنياهو موقفه تجاه لبنان بضرورة التركيز على الجبهة الجنوبية تجاه “حماس” والسعي إلى تحقيق الهدف بالقضاء على “حماس” “لعل ذلك يدفع حزب الله إلى التراجع عن تصعيد في الشمال”.

قلق في الشمال

من جهة أخرى، أبدى مسؤولون في القيادة الشمالية ورؤساء بلديات مستوطنات الشمال قلقهم من أن استمرار حرب الاستنزاف عند الحدود الشمالية تكرر سيناريو الوضع الذي عاشته إسرائيل على مدار سنوات تجاه غزة من دون ضمان أمن السكان. ووجهت مجموعة من العسكريين والمسؤولين الإسرائيليين مطلباً جماعياً بضرورة أن ينفذ الجيش عمليات نوعية في لبنان وعدم توقيف القتال من دون ضمان إحباط جهود “حزب الله” وعدم قدرته على تهديد أمن سكان الشمال. كما توجهت المجموعة ذاتها إلى نتنياهو بطلب تغيير قواعد اللعب مع “حزب الله” وحسم تهديده قبل الإعلان عن انتهاء الحرب في غزة.
وبرأي الضابط السابق في الجيش جدعون هراري، فإن “الفرصة الحالية في المنطقة الشمالية لا تتكرر إلا مرة واحدة ويجب بذل كل جهد للقيام بعمل حربي جدي، سواء بإبعاد عناصر الرضوان التابعة للحزب عن الحدود مع إسرائيل أو تدمير البنى التحتية لصواريخه التي تشمل متوسطة وبعيدة المدى وصواريخ دقيقة”.
ويقدر مسؤولون إسرائيليون أن “حزب الله” يمتلك أكثر من 150 ألف صاروخ، بما في ذلك المئات القادرة على ضرب أهداف دقيقة، وأن الحزب قادر على إطلاق ثلاثة آلاف صاروخ يومياً.

الضغط الأميركي يحسم على الجبهتين

وجاءت اجتماعات هوكشتاين مع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في ذروة الاستعداد لتنفيذ صفقة الأسرى المتبلورة بين “حماس” وإسرائيل عبر قطر، والمتوقع أن تبدأ المرحلة الأولى منها غداً الخميس، وهو جانب جعل الاجتماعات لا تقتصر على الجبهة الشمالية تجاه لبنان إنما أيضاً على غزة، حيث القلق الإسرائيلي من عدم التزام “حماس” بشروط الصفقة، بخاصة وقف إطلاق النار، في وقت تصر إسرائيل على ضرورة استمرار طيرانها في غزة خلال تنفيذ الصفقة، بخاصة الطائرات من دون طيار لمراقبة ما يحدث في غزة خلال تنفيذ صفقة الأسرى.
هوكشتاين الذي سبق وقام بالوساطة بين إسرائيل ولبنان في الخلاف على الحدود المائية وآبار الغاز، يبذل هذه الأيام جهوداً حثيثة بين طرفي القتال، وقد زادت خشيته من تصعيد في الجبهة الشمالية مع تزامن مقتل ثمانية لبنانيين بينهم صحافيون جراء القصف الإسرائيلي، حيث تقدر إسرائيل أن تؤدي هذه التطورات إلى تصعيد غير مسبوق من قبل “حزب الله”.

من جهته حذر هوكشتان الإسرائيليين من تداعيات استهداف مدنيين وصحافيين إلى جانب التشاور حول كيفية التعامل مع وضع لا تدخل فيه إسرائيل إلى قتال واسع في لبنان تحقق هدفها بإبعاد “قوات الرضوان” التابعة لـ”حزب الله” عن الحدود.
في المقابل، اقترح عسكريون إسرائيليون أمام الضيف الأميركي حلاً دبلوماسياً يعود فيه الطرفان إلى القرار 1701 الذي اتُخذ بعد “حرب لبنان الثانية” في عام 2006 وضمان قيام قوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) بتطبيق هذا القرار وعدم اقتراب عناصر الحزب من الحدود.
وطرح الإسرائيليون اقتراحات عدة أمام ضيفهم الأميركي ولكن حتى اليوم الثاني من زيارته، أمس الثلاثاء، بقي وزير الدفاع يوآف غالانت على موقفه الداعي إلى توسيع القتال داخل لبنان ومهاجمة مقاتلي “حزب الله” وعدم وقف المعارك إلا بإبعادهم عن المنطقة الحدودية التي يُتفق عليها مع الأمم المتحدة.

إيران ووكلائها

وربط الإسرائيليون بين القتال في الشمال والجبهات الأخرى، وعرض غالانت على هوكشتاين تقديراته أنه إضافة إلى عمليات الحوثيين في اليمن و”حزب الله” في لبنان فإن إيران ستحاول توسيع استخدام وكلاء لها في العراق وفي سوريا من أجل أن تهاجم بواسطتها إسرائيل عن طريق إطلاق الصواريخ والمسيرات”.
وفي تقرير عُرض أمام الضيف الأميركي، جاء أن “حزب الله” هو من يبادر إلى تسخين الجبهة وبأنه كل يوم يطلق عشرات الصواريخ منذ الصباح على طول الحدود الشمالية، مما أدى إلى تفريغ هذه المنطقة من سكانها باستثناء حوالى ألفي إسرائيلي رفضوا مغادرة بيوتهم.

ضرورة تنسيق المواقف مع واشنطن

وتطرقت لقاءات هوكشتاين مع الإسرائيليين أيضاً إلى المطلب الأميركي حول غزة بضرورة إنهاء القتال في غضون فترة الأسابيع الثلاثة التي سبق وتحدث عنها الرئيس الأميركي مع نتنياهو، ولكن الجانب الإسرائيلي ما زال يصر على استمرار القتال حتى تحقيق الهدف من حرب غزة بالقضاء على “حماس” وهذا يتطلب وقتاً طويلاً خصوصاً مع بدء تنفيذ صفقة الأسرى. وحذرت جهات عدة من تداعيات عدم التزام إسرائيل بالمطالب الأميركية. واعتبر بروفيسور ايتان غلبواع، الباحث في “معهد القدس للاستراتيجية والأمن”، أن تعميق الخلافات مع واشنطن لن يكون في صالح إسرائيل ولا حربها في غزة. وقال إنه “في موضوع صفقة الأسرى، تقول إسرائيل نعم للمفاوضات، وتقول لا لوقف النار. أما في ما يخص لليوم التالي فتقول: ليس الآن، بعد القتال. بالنسبة للأسرى، الموقف صحيح ومحق. السياسة حول المسألتين الأخريين يجب تغييرها، استراتيجياً وإعلامياً”.
ويرى غلبواع ضرورة في تغيير الموقف الإسرائيلي السلبي واستبداله بتعابير إيجابية من قبيل “نعم، لكن”، فيقول مثلاً “على إسرائيل أن تقول إنها ستوافق على وقف نار إذا استسلمت حماس بلا شروط، وسلمت الوسائل القتالية التي تحت تصرفها، وغادر زعماؤها وأعيد كل الأسرى. معقول أن ترفض حماس هذه الشروط، لكن إسرائيل بهذه الحالة ستنقل الكرة إليها وتثبت أن الحركة هي المتسببة باستمرار الحرب، الخسائر والدمار”.