شهد هذا الأسبوع لحظة مفصلية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث مع اصطدام نظام الأسد بنهاية غير متوقعة. ففي هجوم مفاجئ استمر 11 يوماً، اجتاحت قوات المتمردين بقيادة “هيئة تحرير الشام” المراكز الرئيسية في البلاد وأجبرت عائلة الأسد على الفرار إلى موسكو. واحتفل الناس بانتصار قوات المتمردين وبإسقاط تماثيل حافظ الأسد وتحرير السجناء السياسيين.
بالتوازي مع جو الابتهاج، ساد مزاج تأملي مع بدء العمل الجاد لبناء سوريا جديدة من الرماد الذي خلفته 13 عاماً من الحرب والبؤس، حسب قراءة في موقع مجلس الشرق الأوسط (Middle East Council). وأشارت القراءة إلى أن سوريا في “مكان جيد، وإن كان غير مثالي.. للإنطلاق وللشروع بالخطوات الأولى”.
وفي هذا السياق، سلط مقال في موقع صحيفة “لو موند” الفرنسية الضوء على العوامل التي سرعت انهيار النظام. ولخصها بـ”إرهاق النظام وانسحاب داعميه الرئيسيين مثل روسيا وحزب الله وإيران. ومنذ عام 2018، أصبح نظام الأسد مرهقاً عسكرياً، وكان يحكم من خلال شكل من أشكال الديكتاتورية وسط انهيار اقتصادي وثورات محلية متعددة تحدت سلطته. وعلى الرغم من أن النظام فاز في الحرب عسكرياً بعد 2018، تدهورت قدرته على الحكم بصورة كبيرة. ومنذ عام 2024، لم يعد الدعم الخارجي كافياً لإبقائه قائماً. كما أن انشغال الحلفاء الآخرين مثل حزب الله وإيران ساهم في انهيار النظام بصورة كبيرة.
ويصوّر سقوط نظام الأسد كدرس تحذيري للأنظمة الاستبدادية الطويلة الأمد التي تبدو لا تقهر ولكنها تتعرض للسقوط السريع عندما تتدهور دعائمها الداخلية والخارجية. ويعرض المقال سقوط النظام كفرصة للأمل في مستقبل سوريا، لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أنه يشكل تحدياً كبيراً لشعبها، الذي سيواجه طريقاً غير مؤكد وصعباً في المستقبل.
كما توقفت مناقشة عبر منصة “ويلسون” عند تعقيدات الوضع السوري في المستقبل، بما في ذلك أدوار الجهات الفاعلة الخارجية مثل تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة. وتطرق الحديث إلى إمكان تحقيق نتائج إيجابية، مثل مشاركة المجتمع المدني القوي في عملية الانتقال والفرصة لتشكيل حكومة سلمية وشاملة. ومع ذلك، هناك أيضاً مخاوف بشأن تحديات حكم بلد شهد سنوات من الصراع.
المناقشة تناولت الوضع في سوريا من منظور متفائل، مع التركيز على بعض الجوانب الايجابية على الرغم من المخاطر الكبيرة والتحديات. وأشارت إحدى المتحدثات إلى أن عملية السيطرة على البلاد كانت سلمية عموماً، بحيث لم تُلحق الأذى بالأقليات، وتم التوصل إلى اتفاقات مع بعض القرى لتجنب دخول القوات إليها. كما أن السلطات الجديدة حددت مهلة زمنية قصيرة لحكومة انتقالية تنتهي في 1 مارس (آذار)، وهو أمر غير معتاد في حالات الانتقال السياسي، حيث عادةً ما تحاول الجهات التي تستولي على السلطة التمسك بها لأطول فترة ممكنة.
المتحدثة ذكرت أيضاً “بعض القرارات المشجعة مثل العفو عن الجنود، وإنشاء أكاديمية لرجال الأمن والاشارة إلى أن الاقتصاد سيتبع نموذج اقتصاد السوق الحرة، وهو ما يعد مؤشراً إيجابياً في بداية الانتقال”. لكنها حذرت مع ذلك من ضرورة عدم التفاؤل بصورة مفرطة، بحيث “يجب مراقبة تطورات الوضع في الأسابيع والأشهر القادمة لمعرفة ما إذا كانت هذه القرارات ستُنفذ فعلاً، لأن هناك العديد من التحديات التي ستواجه السلطات.”
من جهة أخرى، يتميز الوضع في سوريا بوجود مجتمع مدني قوي ونشط، لعب دوراً مهماً خلال السنوات الماضية في بناء القدرات والمهارات، ما يتيح له المساهمة الفاعلة في مرحلة الانتقال الحالية.
أما في ما يتعلق بالموقف الأوروبي، فأشارت المتحدثة إلى أن الدول الأوروبية ليست متأكدة من كيفية التعامل مع الوضع في سوريا، حيث كانت تراجع استراتيجيتها تجاهها حتى وقت قريب. كما أن قضية الهجرة واللاجئين تشكل عنصراً مهماً في تشكيل السياسات الأوروبية، تحديداً في ظل المخاوف الداخلية. وفي المستقبل القريب، سيساهم هذا الأمر بصورة كبيرة في تشكيل مواقف أوروبا.
وفي ما يخص العقوبات الاقتصادية، لا يتمحور الحديث حول ضرورة رفع العقوبات أم لا، بل كيفية استخدام رفع العقوبات كتكتيك لدعم عملية الانتقال بصورة صحيحة، وضمان أن الحكومة المستقبلية ستشمل جميع الأطراف.
وتواجه سوريا مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية. وعلى الصعيد الداخلي، يتعين على الحكومة الانتقالية التعامل مع البنية الأساسية المتهالكة والمجتمعات المهجورة، والملايين من المواطنين الذين يعانون من الصدمات. وعلى الصعيد الخارجي، ستكافح سوريا من أجل حماية سيادتها من الانتهاكات التي قد ترتكبها الدول المجاورة المتشددة والقوى العظمى. وسوف يكشف الوقت ما إذا كانت القيادة السورية الجديدة، التي من المقرر أن تتولى السلطة من الحكومة الانتقالية في مارس/آذار 2025، قادرة على مواجهة هذه التحديات للنهوض بسوريا جديدة”.