على رغم احتجاجات عائلات الرهائن الإسرائيليين لدى “حماس” والتي نجحت في تجنيد عشرات الآلاف دعماً لها ورفع مطلبها بالعمل على وقف لإطلاق النار يضمن إعادة جميع الرهائن لدى الحركة، إلا أن مراقبين وأمنيين وعسكريين اختلفوا حول تنفيذ الصفقة خصوصاً قبل أن ينجز الجيش الإسرائيلي أكثر من 50 في المئة من أهداف حربه بغزة والقضاء على “حماس” والبنى التحتية العسكرية لها.
وعلى مدار يومين تطرقت وسائل إعلام مختلفة إلى مدى أهمية الصفقة وهل ستكون في مصلحة إسرائيل، على رغم ما أبرزه صحافيون من جوانب إنسانية لعائلات الرهائن.
وظهرت في مناقشة المحللين والأمنيين للصفقة حالة من الخلاف العميق في جوهر فكرة التوجه إلى تنفيذها، وفي مقابل الصوت الشعبي الأعلى لتنفيذها وبشكل فوري تعالى صوت العسكريين والأمنيين الداعي إلى عدم دعمها، ونجح البعض منهم في تجنيد عائلات الرهائن حتى أن إسرائيلياً والد أحد الأسرى لدى حماس ” قدم التماساً إلى المحكمة العليا يطالب بعدم تنفيذ الصفقة انطلاقاً من أن “التجربة الإسرائيلية تؤكد أن صفقات تبادل الأسرى التي نفذتها إسرائيل سواء مع الفلسطينيين أو (حزب الله) شجعت عمليات القتل ضد إسرائيليين”، وفق ما جاء في الالتماس الذي رفضته المحكمة كما رفضت غيره من الالتماسات انطلاقاً من أن مثل هذه الصفقة هي شأن يخص أمن الدولة والمحكمة لا تتدخل بمثل هذه القضايا.
صورة “النصر” بعيدة المنال
رفض الصفقة جاء انطلاقاً من أن تنفيذها لن يُمكن الجيش من العودة إلى إدارة القتال في غزة وتنفيذ المرحلة الحالية من العملية البرية التي تهدف إلى احتلال كل منطقة الجنوب.
صحيفة”يديعوت أحرونوت” خصصت مقالها الرئيسي حول الموضوع مشيرة إلى أن الصفقة وضعت حداً للعملية البرية وإذا “اعتقدنا أنه يمكن بكبسة زر أن نعود إلى القتال بعد أن نتراخى في وقف نار طويل قد يصل إلى عشرة أيام فسنكون مخطئين، فبنيامين نتنياهو ويوآف غالانت يحاولان إقناع الجمهور أن الحرب ستستمر حتى بعد وقف إطلاق النار، لكن في الصيغة الحالية للصفقة غير مؤكد حصول ذلك”.
وتستطرد الصحيفة لتقول إن الأكثر أهمية هو ما يتم التخطيط له من عمليات في حال تم استئناف القتال. فقد تعهد نتنياهو وغالانت أمام أعضاء الحكومة بمواصلة الهجوم واستكمال احتلال شمال القطاع والقسم الشرقي (حي الزيتون وجباليا)، لكن، تنقل الصحيفة قول ضابط مشارك في إدارة المعركة في الجنوب: “في هذه الحالة أنا أثق بل أعوّل على الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير ألا يسمحا للحكومة بصفقة تؤدي إلى القضاء على العملية الحربية”.
خدعة من “حماس”
المحلل العسكري آرئيل كهانا، كتب في صحيفة “يسرائيل هيوم” منتقداً التصريحات والتهديدات التي يطلقها الإسرائيليون ويصرون خلالها على أن الجيش سيستأنف القتال فور انتهاء الهدنة قائلاً “لن يكون ذلك بالأمر السهل”، ويضيف “لقد سبق وترددنا في قبول الصفقة لأجل هذا وسنبقى نتردد حتى بعد أن تنتهي الفترة الأولية ويبقى المزيد من المخطوفين لدى (حماس) بالضغط باتجاه مواصلة الهدنة”.
ويشير كهانا إلى معضلة ثانية عند تنفيذ الصفقة وهي الأصعب “في الجانب الإسرائيلي قالوا مسبقاً إن وقف النار كفيل بأن يستمر لأكثر من خمسة أيام بل وأعربوا عن الأمل في أن هذا ما سيحصل، على افتراض أنه في كل يوم سيتم تحرير مجموعة أخرى من المخطوفين. غير أنهم في (حماس)، منذ صباح الأربعاء أعربوا عن الأمل في أن يتحول الوقف الموقت إلى دائم. بمعنى ألا يستأنف القتال على الإطلاق بالضبط مثلما يتخوف الكثير من الإسرائيليين. وبالطبع، يوجد للقتلة في غزة رافعة ضغط من شأنها أن تحشر إسرائيل في الزاوية ألا وهي استمرار تنقيط المخطوفين. إذاً ما الذي سنفعله في حال أعلنت (حماس) في نهاية اليوم العاشر بأنه في اليوم التالي يمكنها أن تحرر مجموعة أخرى؟ هل سنستأنف إطلاق النار وأبناء عائلة المخطوف المدرج اسمه للإفراج عنه يستنجدون ألا نفعل هذا؟ بهذه الطريقة التهكمية والوحشية يمكن لـ (حماس) أن تجر وقف النار لأيام بل وحتى لأشهر إلى الأمام”.
إنجاز لواشطن
من وجهة نظر أخرى للتداعيات الخطيرة للصفقة على إسرائيل يقول الدبلوماسي، ألون بنكاس، إن إسرائيل ستدفع ثمناً باهظاً بعد تنفيذ الصفقة، التي لا تعتبر إنجازاً لها ويقول: “يجب فحص المعضلات الأميركية حول صفقة المخطوفين ووقف إطلاق النار الذي يرافقها. كما يبدو فإن صفقة المخطوفين وإلى جانبها وقف إطلاق النار، حتى لو كان محدوداً زمنياً، هو إنجاز بالنسبة للولايات المتحدة. إذا صمد وقف إطلاق النار فقط لأربعة أيام، كما تم الاتفاق عليه، فإنه من الناحية السياسية الولايات المتحدة لم تنجز أي شيء. وإذا تطورت بعدها فترات أخرى لوقف إطلاق نار مرتبط بالمفاوضات فإن المعنى الجيوسياسي هو التعادل، أي غياب انتصار سياسي وعسكري إسرائيلي واضح”.
ويواصل بنكاس قائلاً: “الولايات المتحدة هي التي دفعت، أكثر من إسرائيل بكثير، إلى عقد صفقة مع (حماس)، على رغم أنه بشكل علني الولايات المتحدة عارضت وقفاً شاملاً لإطلاق النار بذريعة أن أي وقف سيبقي لـ (حماس) قدرة عسكرية وسلطوية غير مقبولة، وطلبت فقط بهدنة إنسانية. الولايات المتحدة هي التي دفعت وهي التي ستجد صعوبة في تبرير استئناف القتال إذا كان أمامها إمكانية لصفقة أخرى”.
صفقة جيدة للأمن
من جهته، خرج عاموس جلعاد، الرئيس السابق لمجلس الأمن السياسي في وزارة الدفاع، بموقف مغاير واعتبر الصفقة إنجازاً أمنياً وعبر عن تعاطفه مع عائلات الرهائن، خلافاً للعديد من الأمنيين والمراقبين.
واعتبر الصفقة التزاماً أخلاقياً لإسرائيل باستعادة الرهائن، “بعد أن فشلت تماماً في منع اختطافهم مثلما فشلت في منع بقية الأفعال الفظيعة التي ارتكبت. فإعادة المخطوفين هو هدف أعلى ويجب عمل كل شيء من أجل إعادة الجميع إلى الديار وإلا فإن الأمر سيعتبر وصمة على إسرائيل إلى الأبد”.
ووصف جلعاد الصفقة بـ “القرار ذي المعنى الكبير للأمن القومي والمناعة الوطنية المرتبطين ببعضهما. ليعلم كل مواطن بأنه إذا ما وقع في أسر وحوش (حماس)، فإن دولة إسرائيل ستفعل كل شيء كي تعيده إلى بيته”، بهذا التعبير توجه جلعاد للإسرائيليين وأضاف متوجهاً إلى معارضي الصفقة بالقول “ثمة من يعارض الصفقة التي تتضمن وقف إطلاق نار بدعوى أن الأمر سيمس بزخم الحملة ضد (حماس). لكنهم، بلغة أنيقة، مخطئون تماماً، بل ويمسون بالقيم اليهودية الأكثر قدسية المتمثلة بأن كل إسرائيلي كفيل بالآخر. وفي كل ما يتعلق بمعالجة الأسرى والمفقودين، فإن القانون واضح: ما لا تتفق عليه اليوم، يحتمل ألا يكون ممكناً أن تحققه غداً. أو بكلمات بسيطة: كل يوم من البؤس يمكن توفيره عن الأطفال والرضع وبقية المخطوفين والمخطوفات هو جدير وضروري”.
ادعاء آخر يستوجب التناول هو أنه لا يمكن الاعتماد على “حماس” في أن تنفذ شروط الصفقة، ويحذر جلعاد: “في حالة كهذه يجب استخدام الاستخبارات بكل قدراتها من أجل التأكد من أن (حماس) لا تخدع إسرائيل، وبالتوازي ممارسة أوراق ضغط أميركية وقطرية لمنع الخداع. خرق الصفقة سيستوجب موقفاً لكن حالات متنوعة من تسريب نار خفيفة ستحتاج إلى فحص كل حالة على حدة قبل أن تتقرر العودة إلى الحالة الحربية”.
وأضاف “في هذه الفرصة يمكن أن نشير إلى خطأين استراتيجيين لزعيم (حماس) يحيى السنوار واللذين سيكلفانه ثمناً باهظاً جداً. الأول هو أنه قدّر بأن أفعال الفظاعة والتسلل المكثف لإسرائيل سيؤدي إلى تقويض أساسات وجود الدولة، حتى لو كان ذلك صحيحاً لـ 7 أكتوبر (تشرين الأول)، فقد نهض الجيش الإسرائيلي من مربضه وأبدع في استخدام قدراته المهنية. الثاني، قدّر السنوار بأن مع إضعاف صورة إسرائيل ستبدأ هجمات متداخلة من الدولة وخارجها، لكن هذا الأمر لم يحصل”. مشيراً إلى أن حتى الهجمات من جهة “حزب الله” والحوثيين لا تشكل تهديداً شاملاً، مثلما توقع.