Skip to content

السفينة

alsafina.net

Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Home
  • ها أنا على “المسافة صفر” من الشام…جود حسن المصدر : موقع درج
  • مقالات رأي

ها أنا على “المسافة صفر” من الشام…جود حسن المصدر : موقع درج

khalil المحرر ديسمبر 23, 2024

ارتفعت دقات قلبي، وشعرت بحرارة تجتاح وجهي وأذنيّ. كانت السماء متّسعة بشكل مربك، كأنها تحاول استيعاب كل ما يجول في رأسي من مشاعر متشابكة. وبينما كنا نقترب من ساحة الأمويين، بدأت أصداء الأغاني الثورية تتسلل إلى مسامعي، تتداخل مع أصوات المحتفلين بتحرير دمشق وسقوط النظام.

اثنتا عشرة ليلة لم أنم فيها جيداً، أحدق مطولاً في شاشة التلفزيون، ممسكاً بهاتفي أتابع الأخبار في كل مكان. مرت ساعات قليلة، كأنها لحظات، تحررت خلالها حلب، ثم التحقت بها حماة. ما زلت لا أصدق ما أرى.
اثنتا عشرة سنة مضت وأنا لا أستطيع العودة إلى دمشق، لأجد نفسي فجأةً داخل سيارة أجرة متجهاً نحو الحدود اللبنانية – السورية بعد تحرير دمشق والإعلان عن سقوط نظام الأسد.

في كل مدينة تُحرَّر، كانت مقاطع الفيديو التي توثّق إطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات من سجون النظام وأفرع المخابرات، تُوقظ في داخلي مشاهد دفينة ظننت أن الزمن قد طمسها.

قبل ثلاثة عشر عاماً، كنت مقيّداً في المقعد الخلفي لسيارة تابعة للأمن، أتجنب النظر المباشر من النافذة، وأراقب بطرف عيني حشود المتظاهرين يهتفون للحرية في وجه القمع. كنت على يقين أنهم سيتوقفون في أي لحظة، يسحبونني إلى الخارج مجدداً، لكن السيارة تابعت طريقها نحو فرع المخابرات الجوية.

ظلّ ذلك المشهد عالقاً في ذهني، كأنه رفض أن يتلاشى. ومع كل صورة لمعتقل يُحرَّر، كان صداه يعود أقوى، ينعش ذاكرتي، ويجعل الطريق نحو دمشق أشبه بعبور مزدوج بين زمنين، أحدهما بقي في العتمة، والآخر يحاول أن يرى النور.

كنت قد فقدت القدرة على الكتابة منذ عامين. لا أدري تماماً ما حدث، لكني شعرت حينها أن سوريا ضاعت مني، ومعها تلاشت رغبتي في الكتابة. تعاملت نفسي مع فكرة عجزي الجديد بسلاسة وتقبّل عجيبين حتى يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024.

مددت يدي عبر الثقب الزجاجي المهترئ، ناولته جواز السفر. رأيت الختم يهوي عليه، حدقت فيه مطولاً: ختم الدخول إلى سوريا. شعرت بركبتيّ ترتجفان. دقائق معدودة تفصلني عما كنت أظنه مستحيلاً.

كنت قد كتبت سابقاً: “في بداية تشرين الأول 2012 خرجت من دمشق، هذا كل ما أذكره، التاريخ، التاريخ فقط. لا أذكر الليلة السابقة للرحيل، حزم أمتعتي، وداع الأصدقاء، الطريق إلى بيروت. لا شيء. هل خرجت في الصباح أم في المساء؟ لا أذكر إن كنت قد ودعت أسرتي. لا أذكر أي شيء…”.

فشلت كل محاولاتي في تذكّر الماضي الذي نُفيت منه. حاولت كثيراً أن أتذكر أي شيء، الأيام الأخيرة في دمشق، اليوم الأخير في المدينة، وتفاصيل كثيرة ممّا قبل 2011.

أصبحت في الطرف الآخر. الطريق خالٍ تماماً، إلا من دبابات مهجورة وسيارات تحمل آثار معركة حديثة العهد. أخرجت هاتفي والتقطت صورة للطريق الممتد أمامي، ثم وقعت عيناي على لافتة كبيرة: “درعا – المطار – حلب” تشير إلى الأمام، و”قطنا – القنيطرة” إلى اليمين.

ارتفعت دقات قلبي، وشعرت بحرارة تجتاح وجهي وأذنيّ. كانت السماء متّسعة بشكل مربك، كأنها تحاول استيعاب كل ما يجول في رأسي من مشاعر متشابكة. وبينما كنا نقترب من ساحة الأمويين، بدأت أصداء الأغاني الثورية تتسلل إلى مسامعي، تتداخل مع أصوات المحتفلين بتحرير دمشق وسقوط النظام.

نظرت حولي كالغريب الذي يحاول استعادة ملامح مألوفة. تدفقت الذكريات فجأة، كأنها كانت تنتظر هذه اللحظة لتخرج من مخبئها. صور وأحداث ظننت أنني تجاوزتها بدأت تتزاحم في رأسي، تزيد من ارتباكي وتجعل التمييز بين الماضي والواقع أكثر صعوبة.

اخترت النزول في فندق بدلاً من التوجه مباشرة إلى منزل العائلة. جلست في غرفتي، يرافقني قلق ثقيل بشأن ذلك اللقاء المرتقب. العودة إلى البيت، مواجهة عينيّ والدتي، وتأمل ردة فعلها بعد هذا الغياب الطويل. كنت غريباً عنها، أو هكذا شعرت. هي لم ترني بعدما عدت إلى جسدي الحقيقي، بعدما استبدلت صورتي القديمة التي علقت في ذاكرتها.

تغرق شوارع المدينة بالظلام الحالك بعد المغيب بسبب غياب الكهرباء الدائم عنها، ركبت التاكسي وقلت للسائق: “مشروع دمر، إذا بتريد”. سألني من دون أن ينظر إلي: “من طريق الربوة أو قاسيون؟ ترددت للحظة ثم قلت: “ما بتفرق”.
بدا الطريقان متشابهين في العتمة، كأنهما مساران مجهولان لا فرق بينهما. حاولت استرجاع 28 عاماً دفعة واحدة، لكن صوته قاطع شرودي: “من أي مفرق فوت؟”، نظرت حولي مرتبكاً، ثم قلت: “ما عم اتذكر، دقيقة”.

لم يكن المنفى مكاناً فقط، بل كان زماناً ممتداً داخل نفسي. كان انتظاراً طويلاً، وبحثاً مستمراً عن شيء فقدته في طيات الغياب.

أضعنا الطريق ثلاث مرات. كان الإحباط يزداد مع كل انعطافة خاطئة، بدأت تراودني فكرة العودة إلى الفندق بدلاً من الاستمرار. رنّ هاتفي، قطعت المكالمة ارتباكي. صوت أختي الصغيرة بدا متلهفاً: “وين صرت؟ بعتلك العنوان مسج، فرجيه للتاكسي”.

اقتربت من باب المنزل بخطوات متردّدة. لم أكن متأكداً من أنه المكان نفسه الذي غادرته قبل سنوات، حتى سمعت صوت أختي يصدح من الداخل، مترافقاً مع خطواتها المسرعة نحو الباب. فتحته بقوة وارتمت في حضني. تجمدت في مكاني.

من خلفها، ظهرت أمي. امرأة في الستينات من عمرها، تتحرك بتثاقل وكأن السنوات انحنت فوق كتفيها. كان البيت مظلماً، تضيئه لمبة وحيدة بنور أبيض قاسٍ، حجبت عني ملامح وجهها للحظات. وضعت يدها على وجهها، ثم غطت عينيها وبكت بصوت مرتفع، كأن البكاء كان مؤجلاً منذ خروجي.

ارتجف جسدي، وثقلت قدماي في مكانهما. بيني وبينها مسافة قصيرة بدت فجأة شاسعة. المشاعر تلاطمت داخلي، فرح متخبط، ثقل مفاجئ، وارتباك لا تفسير له. العودة إلى البلد، الدخول إلى منزل العائلة، رؤية أختيَّ، ولقاء أمي بعد هذا الانقطاع القاسي، ذلك كله ارتطم بي دفعة واحدة.

تلعثمت، وسألتها وكأنني أبحث عن مخرج: “بدك فوت أو روح؟”.

لم تجب. تقدّمت نحوي وهي تبكي، ثم احتضنتني بقوة. شعرت بجسدي يرتخي بين ذراعيها، وكأنني أفرغ كل الأثقال التي حملتها طوال تلك السنوات. بكيت للمرة الأولى منذ سنوات.

حال عائلتي كحال سكان المدينة المحاصرين منذ أربعة عشر عاماً، مرهقين ومنهكين. عيونهم متعبة، لكنها تحمل بريق أمل، وقلقاً من القادم.

كان الفرح حاضراً، لكنه بدا حبيس الدهشة، وكأنهم لم يصدقوا بعد أن النظام قد سقط، وأن باب الكهف قد شُرّع أخيراً، ليخرجوا إلى الحياة بعد حصار طويل.

في اليوم التالي، علّقت على جدران مستشفى المجتهد صور المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب في سجون النظام. كانت أيادي الأمهات الحزينات تمتد، تلامس الوجوه في الصور، تبحث عن أثر لأحبائهن. سرت خلف المئات في جنازة مازن الحمادة، الذي قُتل تحت التعذيب، وسط حشد اختلطت فيه الدموع بالغضب، والفرح بالحزن. في الزحام، التقيت بوجوه لم أرها منذ 12 عاماً. تعانقنا بحرارة، نبارك لبعضنا البعض سقوط الطاغية، بينما كان الألم واضحاً في العيون والكلمات. كان هناك إصرار واضح يتردد بيننا: هذا الانتصار لن يكتمل إلا حين يُحاسب المجرمون، ويُفتح كل باب أغلق على مختفٍ أو معتقل، وتُرفع صور الضحايا عن الجدران لتُكتب أسماء الجلادين مكانها.

العودة الى سوريا بعد إسقاط الأسد لحظة تتقاطع فيها مشاعر الفرح والألم، وكأنها عبور بين عالمين؛ عالم سقط فيه الخوف، وآخر لا تزال فيه ندوب الخسارة ماثلة.

إنها احتفاء بالبقاء، لكنها أيضاً استدعاء لكل الغائبين الذين دفعوا الثمن ولم يعودوا. التحرير يفتح الطريق، لكنه لا يمحو آثار الأقدام التي سارت فيه وغابت، ولا يخفف وطأة الأسماء التي أصبحت شواهد على ثمن الحرية.

التحرير ليس نهاية الرحلة، بل بداية لاختبار ما تبقى من الحياة، وما يمكن بناؤه فوق الركام. إنه التزام بتحقيق العدالة، وإرساء مجتمع طالما حلمنا به، مجتمع قادر على حماية حقوقه، وترسيخ مؤسسات مدنية وسياسية تقف سداً أمام كل من تسوّل له نفسه سلبها يوماً.

لم يكن المنفى مكاناً فقط، بل كان زماناً ممتداً داخل نفسي. كان انتظاراً طويلاً، وبحثاً مستمراً عن شيء فقدته في طيات الغياب. والآن، وأنا أخطو خارج أزقته، أشعر أن العودة ليست نهاية الرحلة، بل بدايتها.

 

Continue Reading

Previous: بعد مستجدات الشأن السوري… ما مستقبل الوجود الأميركي في العراق؟.. المصدر : النهار
Next: أنشطة إلكترونيّة منسّقة على هامش المعارك بين “قسد” و”السوري الحر”…. المصدر :مجتمع التحقق العربي….موقع درج

قصص ذات الصلة

  • مقالات رأي

ساطع نورالدين سلاح “الدرون” الذي يمنع الحرب ..أو يشعلها……المصدر :صفحة الكاتب

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

العلاقات المصرية-الإيرانية… تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟.عمرو إمام……….المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

سلام هشّ في جنوب آسيا ……… كاسوار كلاسرا……..المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025

Recent Posts

  • ساطع نورالدين سلاح “الدرون” الذي يمنع الحرب ..أو يشعلها……المصدر :صفحة الكاتب
  • العلاقات المصرية-الإيرانية… تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟.عمرو إمام……….المصدر : المجلة
  • سلام هشّ في جنوب آسيا ……… كاسوار كلاسرا……..المصدر : المجلة
  • “الحرب المؤجلة” بين ترمب وماسك… محطاتها وأسلحتها……طارق راشد…المصدر : المجلة
  • “كرنفال الثقافات” في برلين: في تعزيز ثقافة التنوع…….. سوسن جميل حسن…المصدر : ضفة ثالثة

Recent Comments

لا توجد تعليقات للعرض.

Archives

  • يونيو 2025
  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • ساطع نورالدين سلاح “الدرون” الذي يمنع الحرب ..أو يشعلها……المصدر :صفحة الكاتب
  • العلاقات المصرية-الإيرانية… تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟.عمرو إمام……….المصدر : المجلة
  • سلام هشّ في جنوب آسيا ……… كاسوار كلاسرا……..المصدر : المجلة
  • “الحرب المؤجلة” بين ترمب وماسك… محطاتها وأسلحتها……طارق راشد…المصدر : المجلة
  • “كرنفال الثقافات” في برلين: في تعزيز ثقافة التنوع…….. سوسن جميل حسن…المصدر : ضفة ثالثة

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

منشورات سابقة

  • مقالات رأي

ساطع نورالدين سلاح “الدرون” الذي يمنع الحرب ..أو يشعلها……المصدر :صفحة الكاتب

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

العلاقات المصرية-الإيرانية… تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟.عمرو إمام……….المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

سلام هشّ في جنوب آسيا ……… كاسوار كلاسرا……..المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

“الحرب المؤجلة” بين ترمب وماسك… محطاتها وأسلحتها……طارق راشد…المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025

اتصل بنا

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.