تواصل بين واشنطن وأربيل يؤشر على استقرار علاقة الطرفين بمعزل عن تغير الإدارات الأميركية.
قلق في بغداد وارتياح في أربيل
العلاقة القوية التي تجمع الولايات المتّحدة بسلطات إقليم كردستان العراق تبدو بمنأى عن أي هزات قد تطرأ على علاقة واشنطن بالحكومة الاتّحادية العراقية جرّاء انتقال السلطة من الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى خلفه الجمهوري العائد إلى البيت الأبيض دونالد ترامب والذي تجمعه علاقات غير ودية مع حلفاء إيران في العراق تعود إلى فترة رئاسته الأولى.
أربيل (كردستان العراق)- يعكس الحفاظ على نسق التواصل بين المسؤولين السياسيين والعسكريين الأميركيين وكبار قادة إقليم كردستان العراق خلال فترة انتقال السلطة في الولايات المتّحدة من إدارة الرئيس جو بايدن إلى إدارة خلفه دونالد ترامب مؤشّرات على استقرار العلاقة بين واشنطن وسلطات الإقليم وعدم تأثّرها بطبيعة الإدارة الأميركية ديمقراطية كانت أم جمهورية.
وتجسّد ذلك التواصل في اتصال هاتفي أجراه رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني مع مايكل والتز مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب، وجاء أياما قليلة بعد زيارة قام بها الجنرال كيفن ليهي قائد قوات التحالف الدولي ضدّ داعش إلى أربيل مركز إقليم كردستان العراق والتقى خلالها رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني ورئيس الحكومة مسرور بارزاني.
وتثير عودة ترامب إلى البيت الأبيض هواجس لدى الحكومة الاتّحادية العراقية التي تتولّى الأحزاب والفصائل الشيعية الحليفة لإيران مناصبها القيادية، مردّها إلى كون الرئيس الجمهوري العائد إلى البيت الأبيض يبدي صرامة كبيرة تجاه الجمهورية الإسلامية وأذرعها في العراق والمنطقة وسبق أن جسّد صرامته تلك خلال فترة رئاسته الأولى في توجيهه الأمر بقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني وأبومهدي المهندس القيادي في الحشد الشعبي العراقي بضربة جوية قرب مطار بغداد الدولي مطلع سنة 2020.
وتستعدّ الحكومة العراقية لمواجهة عاصفة ضغوط من الإدارة الأميركية تهدف إلى تقليل ارتباطات العراق بإيران وإبعاده عن دائرة نفوذها، ويُتوقّع أن تبدأ من تشدّد واشنطن إزاء بغداد في قضية الالتزام بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، وقد تمتدّ نحو تحجيم سلطة الفصائل المسلّحة وإنهاء هيمنتها على المشهد الأمني من خلال الحشد الشعبي الذي راجت خلال الفترة الأخيرة أنباء بشأن ضغوط أميركية على حكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني للشروع في حلّه.
◄ الحكومة العراقية تستعدّ لمواجهة عاصفة ضغوط من الإدارة الأميركية تهدف إلى تقليل ارتباطات العراق بإيران وإبعاده عن دائرة نفوذها
وعلى طرف نقيض من الهواجس التي تساور أركان السلطة الاتّحادية العراقية، تبدو سلطات كردستان العراق مطمئنة بشأن استقرار علاقاتها بواشنطن، بل قد تكون مرتاحة لانتقال السلطة من الديمقراطيين المعروفين بتساهلهم النسبي إزاء إيران وحلفائها الإقليميين، إلى الجمهوريين الأكثر صرامة إزاء طهران وسياساتها الإقليمية.
ولم يسلم الإقليم طوال السنوات الأخيرة من ضغوط سياسية واقتصادية وحتى أمنية سلّطتها عليه الأحزاب والفصائل الشيعية المتنفّذة في حكومة بغداد.
ومن هذه الزاوية ستصبّ أي ضغوط باتجاه تحجيم دور إيران في العراق، وتقييد حركة أذرعها السياسية والمسلّحة هناك في مصلحة الإقليم واستقراره.
وتعلّقت المباحثات بين بارزاني ووالتز عضو الكونغرس الذي اختاره ترامب مستشارا لمجلس الأمن القومي الأميركي، بـ”آخر المستجدات في العراق وإقليم كردستان والمنطقة عامة”، وتم خلالها التأكيد “على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية والعمل المشترك للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.”
وورد في بيان صادر عن حكومة الإقليم أنّ رئيس الحكومة هنّأ والتز باختياره للمنصب “مثنيا على خبرته الواسعة في الملفات الأمنية والقضايا ذات الصلة بالمنطقة.”
وأضاف البيان أن الجانبين “تبادلا وجهات النظر بشأن نتائج الانتخابات الأخيرة في إقليم كردستان والولايات المتحدة، وشددا على أهمية التغيير الديمقراطي.”
وقال إنّ جزءا من المحادثات خصّص لمناقشة “الدور المحوري الذي يضطلع به إقليم كردستان بوصفه شريكا موثوقا في المنطقة”، إلى جانب “التزامه بالقيم والأهداف المشتركة التي تعزز السلام والأمن.”
واتفق الطرفان بحسب البيان ذاته “على ضرورة تكثيف الجهود المشتركة للتغلب على التحديات والعقبات، بما يضمن إدامة الاستقرار في المنطقة”.
ويستجيب اختيار والتز لشغل منصب مستشار الأمن القومي ذي الأهمية الكبيرة في بنية النظام الأميركي لتوجّهات إدارة ترامب في المجال الأمني المرتبط بشكل وثيق بأوضاع الولايات المتحدة ومكانتها عبر العالم وعلاقاتها مع مختلف دوله.
ويتحدّر الرجل الأربعيني من خلفية عسكرية حيث خدم في الجيش الأميركي طيلة أكثر من ربع قرن تنقّل خلالها بين أفغانستان والشرق الأوسط وأفريقيا، كما أن له تجربة في العمل السياسي من خلال شغله منصب مستشار سياسي لدى وزارة الدفاع البنتاغون في عهد الرئيس جورج بوش الابن، وحين انتخب عضوا في الكونغرس سنة 2018 كان يتنمي إلى القوات الخاصّة في سابقة لم تحدث من قبل لدى المرشحين لعضوية المجلس.
وهو معروف بمواقفه الشديدة من أعداء الولايات المتحدة ومنافسيها وعلى رأسهم الصين، وميله إلى اتخاذ المبادرة ضدّهم لتحجيم أدوارهم الدولية.
وفي هذا السياق يعارض والتز انكماش الولايات المتحدة وتركها الفراغات لمنافسيها في عدد من بلدان العالم ومناطقه. وقد انتقد بشدّة قرار إدارة جو بايدن بالانسحاب العسكري من أفغانستان وطالب بمحاسبة المسؤولين عن اتّخاذ ذلك القرار.
وجاءت محادثات رئيس حكومة كردستان مع مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد كثاني مظهر للتواصل بين الإدارة الأميركية وسلطات الإقليم في ظرف أيام قليلة، حيث قام الجنرال الأميركي كيفن ليهي قائد قوات التحالف الدولي ضد داعش بزيارة إلى أربيل الأسبوع الماضي في خطوة اعتبرها مراقبون رسالة طمأنة دولية، وأميركية بالأساس، لقيادة الإقليم بشأن بقاء استقرار الأخير وأمنه ضمن دائرة اهتمام واشنطن وشركائها في التحالف في ظل المتغيّرات العاصفة في المنطقة والأوضاع القائمة في العراق.
◄ آمال معلقة على إدارة ترامب لتخفيف ضغوط القوى الشيعية الحاكمة في بغداد على سلطات كردستان العراق
وكان السقوط المفاجئ لنظام الرئيس السوري بشار الأسد قد أثار المخاوف في العراق ومن ضمنه إقليم كردستان بشأن التداعيات الأمنية المحتملة، لاسيما إمكانية استغلال تنظيم داعش للوضع وعودته إلى النشاط انطلاقا من الشرق السوري صوب الأراضي العراقية، على غرار ما فعله سنة 2014 عندما عبر مقاتلوه الحدود السورية وزحفوا على مناطق شاسعة في شمال العراق وغربه وقاموا باحتلالها.
لكن المخاوف على استقرار إقليم كردستان هي داخلية أيضا ومأتاها إمكانية تسليط قوى عراقية موالية لإيران من أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة المزيد من الضغوط الأمنية والسياسية والاقتصادية عليه في إطار معركة النفوذ التي يتوقّع أن تلجأ إيران إلى تركيزها بشكل أكبر في العراق حفاظا على مواقعها هناك بعد انحسار نفوذها في سوريا ولبنان.
وأوكلت إيران على مدى السنوات الأخيرة للأحزاب والفصائل العراقية التابعة لها مهمّة خلخلة الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية ومحاولة دفع الولايات المتّحدة إلى سحب ما بقي من قواتها هناك، والتي تقول واشنطن إنّ مهمتها غير قتالية وإن دورها يقتصر على تقديم المشورة والمعلومات الاستخباراتية للقوات العراقية في مجال محاربة الإرهاب الذي تمثله بشكل رئيسي فلول تنظيم داعش.
وعلى قدر ما يحظى رحيل تلك القوات بدعم الأحزاب والفصائل الشيعية النافذة في الحكومة الاتّحادية العراقية، يواجه رفضا واعتراضا من قوى عراقية أخرى سنيّة وكردية بالأساس تخشى استفراد المعسكر الإيراني بها في غياب الدعم الأميركي والدولي.
وكثيرا ما دار الحديث خلال السنوات الأخيرة حول إمكانية اتّخاذ الولايات المتّحدة من أراضي إقليم كردستان العراق موضعا رئيسيا لتمركز قواتها في حال اضطرت إلى سحبها من باقي المناطق العراقية، وهو أمر لا يبدو واردا إلى حدّ الآن إذ يتوّقع أغلب الخبراء الأمنيين والعسكريين أن تتشبّث الولايات المتحدة بإبقاء قوات لها في العراق لمراقبة الوضع هناك والحدّ من تحركّات إيران وميليشياتها وخصوصا على المحور الرابط بين طهران وبيروت، والذي انكسرت مؤخّرا حلقته الرئيسية المتمثّلة بالأراضي السورية التي لم تعد لدى إيران وميليشياتها إمكانية التحرّك داخلها بعد سقوط نظام آل الأسد وانتقال السلطة إلى حلفاء تركيا المنافسة أيضا على النفوذ في العراق.