كتبتُ هذه المقالة بعد تحرير حلب، وأثناء تقدُّم فصائل عملية ردع العدوان باتجاه حماة، وتأخّر نشرها لأسباب تحريرية
*****
«حين يُذكَر اسم حلب، لن تجدوا أحداً من أبناء الوطن (التركي) لا يرتعش قلبه، لأنَّ حلب تركية ومسلمة حتى نقي عظامها».
هذا الكلام هو جزءٌ مما قاله دولت بهجلي في خطابه أمام المجموعة البرلمانية لحزبه (الحركة القومية) في الثالث من شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري، أي بعد سيطرة غرفة عمليات ردع العدوان على مدينة حلب السورية. وأضاف بهجلي في السياق ذاته: «نتمنى أن تحصل سوريا على الأمان والاستقرار والسلام في أقرب وقت ممكن، ولكن تَرْك حلب لمصيرها في الخارطة السورية المتشظية لأيدٍ غريبة لن يكون إلا من ثمرات الخيال. وحين تأتي لحظة مماثلة سوف يكرر التاريخ نفسه سطراً سطراً، وصفحة صفحة. سوف ينتهي الفاصل بين الإعلانات وعرض المناظر (في السينما) لتعود الجغرافيا إلى أصلها»!
بهذا الكلام يضعُ شريك أردوغان في السلطة نوعاً من خريطة طريق، غير معلنة رسمياً، للسياسة التركية في سوريا وإن بدت شديدة الطوباوية للوهلة الأولى. فالمئة عام التي تفصلنا عن نهاية الحرب العالمية الأولى، حين تفككت الإمبراطورية العثمانية، ما هي إلا «فاصل إعلاني» تعود بعده الأمور إلى نصابها.
طوباوية الزعيم القومي المتشدد في هذا «الحلم» ليست بعيدة عن تصريحات كثيرة سبق للرئيس أردوغان نفسه أن أدلى بها في مناسبات مختلفة، وإن لم يعلنها سياسة رسمية للدولة. قال مثلاً في كلمة له خاطب فيها اجتماع مخاتير القرى وأحياء المدن في العام 2018: «لقد فشلنا في الحفاظ على ‘الميثاق الملي’ الذي أعلناه مع انطلاق حرب التحرير الوطنية. حين يتعلق الأمر بتطورات في سوريا والعراق أُعبّر، من حين إلى آخر، عن أننا مرغمون على التمسُّك مجدداً بميثاقنا الملي. إذا كنا نتعرض لهجمات من داخل حدود تلك البلدان فنحن لا نملك رفاهية السماح لهم بذلك. بل سنقوم بما يلزم بالطريقة المطلوبة. هذا ما نقوم به في إدلب وفي عفرين».
وفي مقدمة كَتَبها لملف مجلة تركيا الجديدة حول الميثاق الملي، قال أردوغان إن «الحرب العالمية الأولى لم تنته بعد» وإن ثمة «قوس لم يتم إغلاقه بعد» وإن مفتاح ذلك هو الميثاق الملي.
معروف أن قادة حرب التحرير الوطنية قد رسموا خارطة أسموها «الميثاق الملي»، وأعلنوا أنه لا يجوز التخلي عن الحدود التي رسمها، وهي تشمل الولايات الشمالية الملاصقة لحدود تركيا الحالية لكل من العراق وسوريا.
بوجود النظام الدولي القائم، ومواثيق الأمم المتحدة وموازين القوى الإقليمية والدولية، لا يمكن لتركيا أن تطالب علناً بتحريك حدودها الجنوبية إلى حدود الميثاق الملي المذكورة. فإذا لم تكن التصريحات المشار إليها لكل من شريكي الحكم، أردوغان وبهجلي، مجرد بلاغة لفظية لا أكثر، فهي تنطوي على أحلام توسُّعية تعيد جزءاً من أمجاد الإمبراطورية العثمانية، قد ترى القيادة التركية في التفكك العملي الذي أصاب كلاً من سوريا والعراق فرصةً للتقدم باتجاه تحقيقها باستخدام القوة. وهذا لا يتطلب شنَّ حروب ضمٍّ ضد بلدين مستقلين، بل التدخل في صراعاتهما الداخلية المحتدمة لتحقيق مكاسب على الأرض، قد يمكن تحويلها إلى مكاسب سياسية عبر صفقات مع الدول الأخرى المتدخلة في تلك الصراعات، ثم محاولة فرضها على النظام الدولي الذي يوشك على التداعي.
هذا الحلم، الذي يسمى في الأدبيات السياسية بـ«النزعة العثمانية الجديدة»، بات الغذاء الإيديولوجي للتحالف الإسلامي القومي الحاكم في تركيا، بديلاً عن هالة النجاحات الاقتصادية التي توصف عادةً بالمذهلة في العقد الأول من حكم حزب العدالة والتنمية، فقد انحسر أثر هذه الهالة بعدما انقلبت المؤشرات الاقتصادية وآثارها الاجتماعية الكبيرة إلى الاتجاه السالب في العقد والنصف التاليين، وتراجعت أحلام الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي التي شكلت رائزاً لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في السنوات الأولى لحكم حزب العدالة والتنمية، ودفعته إلى افتتاح مسار التفاوض مع حزب العمال الكردستاني والحركة السياسية الكردية، ثم انتكس ذلك المسار خلال فترة قصيرة ليعود التشدد مع كرد البلاد واستئناف الصراع المسلح مع «العمال الكردستاني»، ومع ذراعه السورية «وحدات حماية الشعب» التي تشكلت على هامش الثورة في سوريا.
بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، في 15 تموز (يوليو) 2016، انتقل حزب الحركة القومية بقيادة بهجلي من صفوف المعارضة إلى التحالف مع الحكم تحالفاً صمد أمام جميع تقلبات المشهد السياسي في تركيا ودول الجوار، وقامت ركيزته الإيديولوجية على التهويل من أخطار تهدد «مصير الوطن» والتبشير بـ«تركيا القوية» بقيادة قوية تمثلت في الرئيس أردوغان، الذي تم تعديل الدستور لكي يحتكر كل السلطة في يده.
استغلَّ التحالف الحاكم فشل المحاولة الانقلابية لشن حملة أمنية، قضائية وإعلامية، لم تقتصر على المشاركين فيها، ولا حتى على جماعة فتح غولن التي اتهمتها الحكومة بالضلوع فيها، بل على كل البيئات المعارضة السياسية والمدنية والإعلامية، وبخاصة ضد البيئة الكردية السياسية والمدنية، بدعوى «مساندة الإرهاب» أو الترويج له أو «الالتصاق» به.
يمكن الحديث إذن عن مستويين أو وجهين متكاملين، داخلي وخارجي، لفلسفة الحكم في تركيا التي يقودها ثنائي إسلامي وقومي، مع العلم أن البرنامج القومي بات، مع التراجع المتفاقم لشعبية حزب العدالة والتنمية، هو المهيمن على البرنامج الإسلامي، رغم بقاء الحزب القومي خارج البنية الحكومية واكتفائه بالتمدد في المفاصل الإدارية لمؤسسات الدولة، وحصته الضئيلة في مقاعد البرلمان. ويتحدّث محللون أتراك عن إحلال كوادر وأنصار الحزب القومي محل أنصار جماعة فتح الله غولن في أجهزة وزارة الداخلية والقضاء وغيرها من المؤسسات الإدارية، باعتبارها مكاسب ثابتة غير خاضعة لتقلبات الناخبين في صناديق الاقتراع. ويبدو الرئيس في هذه المعادلة وقد استبدل تحالفه القديم مع جماعة غولن الإسلامية بتحالفه الجديد مع التيار القومي، وذلك لتأمين بقائه في السلطة لأطول فترة ممكنة. مرّت فترات ظهرت فيها بوادر فتور بين الحليفين، لكن التحالف بينهما صمد أمام جميع الاختبارات الانتخابية والتحديات الداخلية والخارجية طوال السنوات الثماني الماضية.
في الأول من شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أثناء افتتاح الدورة التشريعية الجديدة في البرلمان، فجّر بهجلي مفاجأة كبيرة حين توجه، رفقة بعض أركان حزبه، إلى مقاعد حزب المساواة والديمقراطية (الكردي) وصافح نوابه، وقدم تعازيه للرئيس المشترك للحزب تونجر باكرهان بوفاة أمه قبل بضعة أيام. وقد حدث ذلك في اليوم نفسه الذي ألقى فيه أردوغان كلمة أمام نواب حزبه، كرر فيها تحذيره من المخاطر الخارجية التي تهدد تركيا، وأكد على وجوب رص صفوف الشعب في الداخل لمواجهة تلك الأخطار بوحدة وطنية صلبة.
كانت حركة بهجلي إشارة أولى إلى تفكير جديد في السياسة التركية، تبعتها إشارات إضافية أكثر قوة في الأسابيع التالية. وفي إطار تقليد سياسي راسخ في الحياة السياسية التركية، يخاطب قادة الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان كلٌ منهم نوابه كل أسبوع، يوم الثلاثاء غالباً، يحددون فيها توجهات الحزب ورؤيته إلى تطورات الأسبوع أو بعض توجهاتهم المستقبلية. وهكذا بات الرأي العام في تركيا ينتظر ما سيقوله بهجلي كل يوم ثلاثاء في إطار توجهه الجديد في التعامل مع الحركة السياسية الكردية. ولم يخيّب الزعيم القومي تلك التوقعات، فأصبح يتطرّق إلى الموضوع بإدخال عناصر ومبادرات جديدة كل أسبوع، مع بقاء كلامه غامضاً قابلاً لتفسيرات مختلفة وحتى متعارضة. وانتعش أمل حذر في الرأي العام بخصوص احتمال عملية سياسية جديدة تهدف إلى حل المسألة الكردية، بعد عقد على محاولة أولى فاشلة، وعلى الأقل عادت تلك المسألة المزمنة إلى دائرة النقاش في الرأي العام بعد سنوات من كم الأفواه وسد السبل في وجهها. كانت ذروة تصريحات بهجلي المفاجئة، والصادمة في بيئة التيار القومي بصورة خاصة، في النداء الذي وجهه لأوجلان بأن يأتي إلى البرلمان ويخاطب نواب حزب المساواة والديمقراطية ليطالب حزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح. ويضيف أن مبادرةً كهذه يمكن أن تفتح له باب «الحق في الأمل»، وهو يعني خروجه من السجن بعدما أمضى فيه 25 عاماً.
كان الغريب أن أردوغان لم يعلق على هذه المبادرة بصورة مباشرة، لا سلباً ولا إيجاباً، بل يمكن القول إنه أطلق حملة قضائية بدت وكأنها مصممة لنسفها. فقد تم اعتقال رئيس بلدية «أسنيورت» في اسطنبول أحمد أوزر، وهو أكاديمي كردي ينتمي لحزب الشعب الجمهوري المعارض، وعزله عن منصبه وتعيين «وصي» بدلاً منه. ووجّهت لأوزر تهمة العلاقة العضوية في حزب العمال الكردستاني. تلا ذلك عزل ثلاثة رؤساء بلديات من حزب المساواة والديمقراطية في مدن جنوب شرق الأناضول، بينهم السياسي الكردي المخضرم رئيس بلدية ماردين أحمد ترك. هذه الإجراءات أثارت حفيظة بهجلي نفسه، بعدما كان طوال السنوات السابقة يدعو لحظر حزب المساواة والديمقراطية ومنع كوادره من ممارسة السياسة.
في توقيت متقارب، تبنّى حزب العمال الكردستاني هجوماً انتحارياً استهدف مصنعاً عسكرياً تابعاً لوزارة الدفاع في العاصمة أنقرة، فيما بدا أنه الرد الرسمي لقيادة الحزب في قنديل على مبادرة بهجلي، وعلى مفاوضات سرية قيل إنها جرت منذ شهور بين أجهزة الدولة وعبد الله أوجلان في سجن إيمرالي. أما أوجلان نفسه، فقد سمحت وزارة العدل لابن أخيه المنتمي إلى حزب المساواة والديمقراطية بزيارة عمه، بعد سنوات من الحرمان من أي زيارة، لينقُل عنه تصريحاً مقتضباً قال فيه إنه «إذا تم توفير الشروط المناسبة، فهو يملك القدرة على مطالبة العمال الكردستاني بإلقاء السلاح وجلبه إلى عملية سياسية وحقوقية».
لم يُثنِ الهجوم الإرهابي المشار إليه في أنقرة دولت بهجلي عن الإصرار على مبادرته، مخاطراً بمصيره السياسي ومصير حزبه داخل التيار القومي المتشدد، فكررها بصيغ مختلفة في الأسابيع التالية.
بدا أن ما دفع بهجلي لإطلاق تلك المبادرة الجريئة هو هواجس خارجية أساساً قادمة من جهة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان، الأمر الذي عبّر عنه أردوغان في تصريحات متتالية بالتزامن مع انهيار حزب الله في لبنان واغتيال أبرز قادته.
بحصيلة شهرين من التصريحات الإيجابية لبهجلي والإجراءات الحكومية الخاصة بالتضييق على الحركة السياسية الكردية، مترافقاً مع ازدياد وتيرة القصف على مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، يمكن فهم مشروع الثنائي الحاكم على النحو التالي: لا مفاوضات مع حزب العمال الكردستاني أو «قسد» أو حزب المساواة والديمقراطية بشأن حل سياسي للمسألة الكردية، بل زيادة الضغط عليهم عسكرياً وقضائياً، بالتوازي مع التفاوض مع أوجلان ليساهم في إنهاء الوجود المسلح للحزب سواء في قنديل أو في سوريا. المقابل هو وعدٌ بإطلاق سراح أوجلان وفتح الباب أمام مساهمة الكرد في الحياة السياسية في تركيا بلا عقبات وضغوط. الدولة هي التي تضع التفاصيل، وليس عبر التفاوض مع الحركة السياسية الكردية. وكل ذلك ليس في إطار «حل سياسي للمسألة الكردية»، فهذه غير موجودة وفقاً لكل من بهجلي وأردوغان، بل في إطار «إنهاء الإرهاب» و«تمتين الوحدة الوطنية» القائمة على «أخوّة عمرها ألف عام» بين الأتراك والكرد وفقاً لتعبير بهجلي.
أما الحافز لهذا «المشروع» فهو التطورات المتسارعة على جبهة الحرب الإسرائيلية المزدوجة على غزة وجنوب لبنان كما سبق القول. ذلك أن «الهدف التالي لإسرائيل هو الأناضول!»، كما قال أردوغان. اجتهد محللون في تفسير هذا الكلام على أنه خشية من تحالف إسرائيلي – كردي يهدف إلى قيام كيان كردي في شمال شرق سوريا قد يمتد ليشمل جنوب شرق الأناضول!
يرى المحلل السياسي إتيين محجوبيان أن الدول الطامحة إلى توسيع نفوذها، تقيّم المخاطر لا من حيث استهداف أمنها القومي وحسب، وإنما من زاوية قطع الطريق أمام طموحاتها التوسعية. ثمة فراغ قوة بدأ يتشكّل في الشرق الأوسط بإضعاف إيران في لبنان وسوريا وغزة، والقوة الإقليمية المرشحة لملء هذا الفراغ، من زاوية نظر الثنائي الحاكم القومي – الإسلامي، هي تركيا. بهذا المعنى يبدو أن الدولة التركية الممثلة في الثنائي المذكور، تسعى من خلال مشروع سلام داخلي مع الكرد ودفع حزب العمال الكردستاني لإلقاء سلاحه، إلى تحويل الخطر إلى فرصة لتوسيع النفوذ.
هذا التحليل قد يساعدنا على فهم الدور التركي في الهجوم المباغت لهيئة تحرير الشام المدعومة ببعض فصائل «الجيش الوطني» على شرق إدلب وغرب حلب. عليّ أن أقول أولاً أن قرار «الهيئة» هو قرار سوري يتعلق بشروط الصراع السوري قبل كل شيء. ومعروف أن مشروعاً لتحرير حلب من سيطرة النظام قد طُرح قبل أشهر، واستجلب موجة من القصف على إدلب وأريافها من قبل النظام وروسيا منذ شهر أيلول (سبتمبر). لكن تركيا رأت في هذا المشروع فرصةً مؤاتية لتحقيق أجندتها الخاصة وفي مركزها إضعاف قسد وإبعاده عن الحدود التركية إن أمكن، والضغط على نظام دمشق لإرغامه على التجاوب للمبادرات التركية للتطبيع معه. كانت هذه هي الحدود التكتيكية لغض النظر التركي عن حملة أبو محمد الجولاني. وأمام التقدم السريع لقوات «ردع العدوان» زجَّت تركيا بـ«الجيش الوطني» في معركة جانبية استهدفت مناطق سيطرة قسد في غرب نهر الفرات، فيما أدى الانهيار المتسارع لقوات النظام وحلفائه إلى خروج هذه الحملة عن السيطرة التركية، واندفاعها بقوى الدفع الذاتي نحو دمشق بهدف إسقاط النظام.
النتائج إلى الآن مفيدة جداً للطموحات التركية في توسيع النفوذ على حساب النفوذ الإقليمي المتراجع لإيران. يبقى الجانب السياسي لهذه المكاسب الميدانية، وهو حصول تركيا على موافقة أميركية على تمددها الإقليمي، وهذا رهن بما قد تجري من تغييرات في سياسة واشنطن تجاه الصراع في سوريا بعد تنصيب دونالد ترامب. أما الإدارة القائمة فيمكن القول إن موقفها الآني في سوريا قد تمثّل في تشجيع قسد على السيطرة على القرى السبع شرق نهر الفرات التي كانت تحت سيطرة قوات الأسد والميليشيات التابعة لإيران، ما عنى إغلاق أهم منفذ حدودي لإيران عبر الحدود العراقية – السورية. إضافة إلى كامل مدينة دير الزور ومطارها العسكري التي سلمتها قوات الأسد لقوات قسد بالتراضي. هذا التطور الميداني الموازي لتقدم «ردع العدوان» جنوباً باتجاه دمشق، يمكن اعتباره موازناً أميركياً لاتساع محتمل لرقعة النفوذ التركي.
لا يمكن التكهُّن منذ الآن بنتائج هذا الصراع المتعدد على الأرض السورية. سقوط الأسد سيخلق ديناميات جديدة خارج كل الحسابات الإقليمية، ولا نعرف إن كان ترامب سيسعى للتوفيق بين سلطات الأمر الواقع الجديدة في دمشق وبين قسد وقطع الطريق أمام أحلام تركيا في استعادة الميثاق الملي عبر بوابة حلب.
نقطة أخيرة لا بد من إضافتها، وهي أنه لا يمكن فصل الطموحات التركية لتوسيع النفوذ عن الحسابات الشخصية والحزبية لأردوغان، وتتعلق أساساً بالبحث عن وسائل أو مخارج سياسية – تشريعية تتيح لأردوغان الترشُّح لمنصب الرئاسة لفترة إضافية بعد انتهاء ولايته الحالية في 2028. التعارض الظاهر الذي أشرنا إليه بين مبادرة بهجلي تجاه الكرد وأوجلان، والتضييق المتزايد على الحركة السياسية الكردية من خلال انتزاع البلديات من يدها، دفع بهجلي إلى بق البحصة في هذا الموضوع، فقال في إحدى تصريحاته إنه لا مانع لدى حزبه من ترشيح أردوغان للرئاسة لولاية إضافية «فهو الرجل المناسب للمرحلة القادمة» على حد تعبيره، وذلك رداً على تفسيرات شائعة لمبادرته بأنه يريد منها فقط الحصول على موافقة حزب المساواة والديمقراطية على تعديل الدستور في هذا الاتجاه.
مقالات مشابهة