الملياردير تيري غو يدخل الانتخابات الرئاسية المقبلة في تايوان (كيودو نيوز عبر أ ب)

إذا حصلت على ايفون ” أو “آيماك” أو لعبة “نينتندو سويتش” أو “أمازون كيندل” بمناسبة عيد الميلاد هذه السنة، فكّر في أن تبعث رسالة شكر إلى تيري غو.

فالملياردير التايواني بنى ثروة تُقدَّر بـ5.5 مليار جنيه استرليني (سبعة مليارات دولار) بفضل دعم تطوير البضائع الاستهلاكية ذات التكنولوجيات الفائقة، وبذلك، تغذية إدماننا الكترونيات

 

وجعل غو الذي يشيد بالإمبراطور المغولي جنكيز خان بوصفه بطله، من شركة “فوكسكون” التكنولوجية العملاقة إمبراطورية عالمية ولّدت عوائد بـ200 مليار دولار (161 مليار جنيه) العام الماضي. وتفتخر الشركة بما يقرب من مليون موظف، يتخذ عدد كبير منهم من الصين مقراً، وقائمة ممتازة من العملاء كمؤسسات تشمل “مايكروسوفت” و”ديل” و”سوني”، إلى جانب “أبل”.

وتُعَد الشركة التايوانية العملاقة أكبر جهة توظيف خاصة في الصين، وهي تصنع حوالى نصف منتجات “أبل” كلها إذ ينتج مصنع واحد فقط 500 ألف “آيفون” يومياً.

لكن مؤسسها غو، ذا الحياة العاطفية الملونة بكل تفاصيلها على غرار بطله، وضع نفسه الآن في مسار تصادمي مع الرجل الذي يُشَاد به باعتباره الإمبراطور الأحمر – الرئيس الصيني شي جينبينغ.

الأسبوع الماضي، جرى تأكيد ترشيح غو رسمياً لرئاسة تايوان، الجزيرة “المتمردة” التي يتوقع العديد من الخبراء أنها قد تتسبب بحرب بين الصين والولايات المتحدة.

وتعتبر الصين تايوان، وهي حليف وثيق للولايات المتحدة، إقليماً منشقاً، تتعهد باستعادته بالقوة إذا لزم الأمر، ومنذ عام 2021 زادت التوترات العسكرية في شأنه في شكل كبير.

في توقيت مثالي، استضاف الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع الماضي الرئيس شي في سان فرانسيسكو، بوابة وادي السيليكون و”أبل” و”غوغل” و”ميتا” الشركة الأم لـ”فيسبوك”.

يهدد غو، الذي استقال من “فوكسكون” عام 2019، بإثارة نقطة ساخنة أخرى بين القوتين العظميين، بغض النظر عن المزاج الذي ساد الأسبوع الماضي. ويرجع ذلك إلى أنه يهدد بتقسيم الأصوات القومية، التي تفضل علاقات أوثق مع الصين وقد يتسبب باحتفاظ الحزب التقدمي الديمقراطي بالسلطة في انتخابات يناير (كانون الثاني).

يتساءل كثر عما إذا كان انتصار آخر للحزب التقدمي الديمقراطي – الذي يرى تايوان دولة مستقلة ذات سيادة – قد يشكل استفزازاً كبيراً جداً لشي.

الشهر الماضي، ردت السلطات الصينية بإعلانها استهداف “فوكسكون” بتحقيقات ضريبية متعددة، في خطوة قد تهدد بدورها شريان الحياة الخاص بـ”أبل”.

من المؤكد أن الرئيس التنفيذي لـ”أبل” تيم كوك سيراقب ببعض القلق احتمال أن تقضم الصين جزءاً من “فوكسكون” وبالتالي جزءاً من الشركة التكنولوجية العملاقة.

وقالت الخبيرة في “فوكسكون” جيني تشان، الأستاذة في جامعة هونغ كونغ للفنون التطبيقية: “إذا انتُخِب غو رئيساً سيسود غموض. يريد شي التأثير في نتيجة الانتخابات التايوانية وأعتقد بأن الحكومة الصينية تستخدم المشكلات الضريبية كذريعة للضغط على غو و”فوكسكون”.

“إن ‘فوكسكون’ رمز من الناحيتين الاقتصادية والسياسية وتريد بكين التأكد من أن أحداً لا يتحدث عن استقلال تايوان.

“هناك قلق من أن يؤدي التوتر العسكري إلى نشوب نزاع أو على الأقل إلى تفاقم للتوتر عبر مضيق تايوان. لذلك، يستحضر ترشيح غو هذه المسائل كلها في لحظة استراتيجية حساسة”.

لم تغب رمزية اختيار الولايات المتحدة والصين لسان فرانسيسكو عن المراقبين لأن نقطة النزاع الرئيسية تدور حول عالم التكنولوجيا الفائقة الذي ساعد غو في إنشائه. تشعر الإدارات الأميركية المتعاقبة بقلق متزايد من تهديد الصين التفوق التكنولوجي للولايات المتحدة، وبالتالي التفوق العسكري.

وقال الأستاذ بنجامين سلوين، من جامعة ساسكس: “الولايات المتحدة سعيدة جداً لأن الصين تنتج بضائع رخيصة وذات تكنولوجيا دانية نسبياً. ما لا يرضي الولايات المتحدة هو ترقية الصين نفسها باتجاه مزيد من أنشطة التكنولوجيا الفائقة.

“تشعر الولايات المتحدة بقلق من أن الريادة التكنولوجية الأميركية على الصين ستتآكل أو حتى يُقضَى عليها في غضون 20 سنة. يريد الأميركيون الحد من قدرة الصين على التقدم كمنافس متطور.

“هذا ينطبق في شكل خاص على أي شيء قد يكون له تطبيق عسكري. من وجهة نظر الولايات المتحدة هذا غير مسموح به.

“لا يمكن للأميركيين قبول أي تحد لكامل طيف الهيمنة الأميركية”.

تسلط طموحات غو الرئاسية الضوء ليس فقط على التوترات بين الغرب والصين، بل أيضاً على العولمة المتفتتة.

لكن حتى لو كان غو البالغ من العمر 73 سنة يقدّر أن الأخطار كبيرة، عندما أعلن ترشحه للرئاسة في أغسطس (آب) من هذا العام، لم يكن إلا متفائلاً.

وقال: “إذا قال الحزب الشيوعي الصيني: ‘إذا لم تستمع إلي، سأصادر أصولك في ‘فوكسكون’، سأقول: ‘نعم من فضلك افعل ذلك!’. لا أستطيع اتباع أوامره؛ لن أخضع إلى تهديد”.

يتطلب الأمر رجلاً شجاعاً، أو أحمق كما يقول البعض، لمواجهة الحزب الشيوعي الصيني، ولا سيما منذ عام 2020، عندما استهدف الرئيس شي الأثرياء جداً.

لقد وقعت سلسلة من أصحاب المليارات وأصحاب الملايين الصينيين ضحية لحملة القمع التي شنها شي، سواء بسبب فساد مزعوم أو الفشل في الخضوع إلى الحزب الشيوعي الصيني.

في هذه المرحلة، من المفيد التوقف وفهم خلفية غو.

فر والداه من البر الرئيسي للصين عام 1949 إلى جانب القوات القومية، أو الكومينتانغ، عندما انتصر ماو والشيوعيون بعد حرب أهلية طويلة ودموية.

في تايبيه، عاشت عائلته في ملحق أحد المعابد، لكن أول تبدل في حياة غو طرأ عندما تزوج من زوجته الأولى سيرينا، التي قدمت له عائلتها قرضاً لإنشاء شركته عام 1974.

بدأت الشركة، المعروفة محلياً باسم “هون هاي تكنولوجي”، في صنع أجزاء صغيرة للتلفزيونات وانتقلت إلى البر الرئيسي للصين عام 1988 عندما انفتحت البلاد على الاستثمار الخارجي.

وطرأ التحول الكبير في حياة غو عام 1996 عندما أقنع مايكل ديل، من “ديل كمبيوترز”، بالعمل معه خلال زيارة غير مقررة لمصنعه في غوانغدونغ بجنوب الصين.

تماماً مثل ماو، صاغ غو فلسفته الخاصة ونشر كتابه الأحمر الصغير الذي أكد على الانضباط الحديدي والسرية التي لا هوادة فيها والولاء المطلق للقائد.

ويكتب قائلاً: “يجب أن يتمتع القائد بالشجاعة الحاسمة ليكون دكتاتوراً من أجل الصالح العام”.

ومع ذلك، خارج بوابات المصنع، اتبع غو أسلوب حياة أكثر استهتاراً إلى حد ما، إذ صاغت الصحف التايوانية صورته كفتى لعوب يفضل السيدات الرائدات.

واعد نجمات سينمائيات في هونغ كونغ، وشوهد برفقة عارضات أزياء ومغنيات، بالإضافة إلى اكتسابه سمعة غير مرغوب فيها على صعيد المخاطرة. وشمل ذلك مزاعم صحافية عام 2007، نفاها في ذلك الوقت، ومفادها بأنه تعرض إلى ابتزاز من قبل صديقة سابقة قيل إنها امتلكت شريط فيديو يصورهما وهما يمارسان الجنس معاً.

ترافق ذلك مع قضية قضائية أدت إلى سجن صحافية وصديقها لمحاولتهما ابتزاز مليون دولار (800 ألف جنيه) من غو لكي لا ينشرا كتاباً كانت تكتبه الصحافية عن “فوكسكون”.

بل إن غو اشترى قلعته التشيكية الخاصة، وجددها بتكلفة باهظة، لكنه استمتع بالبقاء في الظل في ما يتعلق بالغرب.

لكن عام 2010، غرق غو و”فوكسكون”، إلى جانب “أبل”، في فضيحة عالمية عندما تبين أن 14 موظفاً من موظفيه قد انتحروا.

واضطر ستيف جوبز، المسؤول الأول عن “أبل”، إلى الدفاع عن “فوكسكون”، لكن على مدار السنتين التاليتين، أثبت سيل مستمر من التقارير إلى حد كبير مزاعم تتعلق بتعرض الموظفين إلى سوء معاملة.

أثناء كوفيد، عانت “فوكسكون” من احتجاجات أطلقها عاملوها على الأجور وظروف العمل وظهرت لقطات عام 2022 للشرطة وهي تضرب موظفين خارج مصنع الشركة في تشنغتشو.

كذلك سلطت الجائحة الضوء على هشاشة سلاسل الإمداد العالمية، إذ طرأت نواقص مزمنة في العديد من البضائع، ما استقطب بدوره العقول في العواصم الغربية.

ماذا سيحدث إذا غزت الصين تايوان بالفعل؟ ماذا سيحدث إذا قطعت الصين ببساطة الإمدادات، ولا سيما الرقائق الدقيقة الحيوية، التي تهيمن عليها تايوان؟

بفضل خلفيته القومية، ينبغي على غو، في الظاهر، أن يساعد في تخفيف حدة التوتر.

لكن الخبير في تايوان دافيد فيل، الأستاذ في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية، يعتقد بأن ترشيح غو استقطب العقول في كل من بكين وتايوان.

يشير إلى أن الكومينتانغ القومي، الذي يفضل علاقات أوثق مع بكين، وحزب الشعب التايواني الوسطي، أعلنا هذا الأسبوع عن اتفاق انتخابي.

ذلك لأن الحزب التقدمي الديمقراطي الحاكم، الذي تكرهه بكين، يتقدم على الحزبين المنافسين في الاستطلاعات.

وقال فيل: “يُعتبَر تحالف بين الكومينتانغ وحزب الشعب التايواني السيناريو المثالي لبكين، لكن الصينيين قد يقوضونه بالتهديدات العسكرية أو اللفظية في الفترة التي تسبق الانتخابات.

“من المرجح أن الصين تشجعهما على العمل معاً وسيحاول الحزب التقدمي الديمقراطي بالتأكيد تأطير حملته بهذه الطريقة”.

وتعتقد الأستاذة تشان بأن “فوكسكون”، مثل غو، ستتطلب تموضعاً بارعاً ما.

وقالت: “لم تكن ‘فوكسكون’ لتتمكن قط من العثور على بديل أفضل للصين كقاعدة إنتاج، مع سوق استهلاكية قوية، لذلك لن تنقل فجأة التصنيع كله إلى مكان آخر.

“لكن ‘فوكسكون’ تحول الإنتاج إلى الجنوب الشرقي لآسيا والهند وأميركا اللاتينية، وإذا تغيرت الظروف السياسية، فلن ترغب ‘فوكسكون’ في الاعتماد فقط على الصين. في الواقع، على مدى السنوات الـ10 الماضية، كان مسؤولوها يسرعون الانتقال إلى أماكن أخرى لتقليل الأخطار المترتبة على الوجود في الصين إلى حدها الأدنى”.

في يونيو (حزيران) من هذا العام، أكد الرئيس التنفيذي لـ”فوكسكون” يونغ ليو أن بعض العملاء الغربيين طلبوا إدارة منتجاتهم خارج الصين بسبب الضغوط السياسية.

وقال: “نأمل في أن يكون السلام والاستقرار شيئاً يضعه قادة هذين البلدين في اعتبارهم. لكن كشركة، كرئيس تنفيذي، يجب أن أفكر في السؤال التالي: ماذا لو حدثت أسوأ الحالات؟”.

تشير الأستاذة تشان إلى حقيقة غير مريحة تضيع في هذا النقاش.

وقالت: “هل ستحمل الحكومة الصينية ‘فوكسكون’ المسؤولية عن الانتهاكات والاستغلال؟ يبدو أن كل شيء يتعلق بالحقوق السياسية وليس حقوق العاملين.

“لكن ‘أبل’ تعرضت أيضاً إلى خطر بسبب هذه الاحتجاجات. لقد كُشِف أن مسؤوليها عطلوا في الصين أدوات تمكن العاملين من التواصل مع بعضهم بعضاً. لذا، ليست ‘أبل’ نظيفة وأخلاقية مثل الصورة التي تعرضها”.

ولذا، إذا كان المرء محظوظاً بما يكفي للحصول على “آيفون” هدية في عيد الميلاد هذا العام، قد يكون من المفيد التفكير في تكلفته الحقيقية. هي فكرة من غير المرجح أن تعيق بايدن أو شي أو غو.

جرى التواصل مع كل من “أبل” وغو و”فوكسكون” للحصول على تعليق

© The Independent