يمكن القول إن الفجوة العميقة بين المعارضتين الداخلية والخارجية للجمهورية الإسلامية، عمرها 47 عاماً وهي بعمر هذا النظام السياسي، وكل قضيّة تؤدّي إلى إذكاء نيران الخلاف بين هؤلاء المعارضين.
ايران
أدّى مقطع فيديو جرى تداوله قبل أيام في الفضاء الافتراضي وتظهر فيه المعارضة الإيرانية الناشطة في مجال حقوق الإنسان والفائزة بجائزة نوبل للسلام عام 2023 نرجس محمدي وهي تغني وترقص في السجن، إلى نقاشات ومشاحنات واسعة النطاق، إذ اتهمها بعض المعارضين بتبييض صورة السجون الإيرانية
، وزعموا أنها تتعاون مع الأجهزة الأمنية وتقوّض، بهذا الإجراء، مصداقية المعارضين للنظام، ولا سيما السجناء السياسيين منهم.
وتذهب هذه الفئة إلى أن منح فرنسا محمدي وزوجها وأبناءها الإقامة، وإهداءها مليون دولار قيمة جائزة نوبل للسلام، وتقديم بعض المشاهير بمن فيهم الممثلة الأميركية أنجلينا جولي الدعم لها، لا يمكن أن تكون أموراً طبيعية، بل إن ذلك حصل بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية للجمهورية الإسلامية!
وفي المقابل، يتهمها أنصار إيران بالكذب وتشويه صورة الجمهورية ويقولون إنها تستفيد من إمكانيات سجن إفين الذي يُحتجز فيه السجناء السياسيون في طهران – لتحوّله إلى “حفلات إفين” أو “فندق إفين”، ومع ذلك فهي مستمرة في الدعاية ضد الجمهورية الإسلامية والعمل على إطاحتها. ويرون أن جائزة نوبل للسلام لا تضفي عليها مصداقية لافتين إلى إن بعض السياسيين بمن فيهم مناحيم بيغن (1978) وإسحق رابين وشيمون بيريز (1994) وهم ثلاثة من رؤساء وزراء إسرائيل، فازوا أيضاً بجائزة نوبل للسلام!
ولإثبات مزاعمهم، يذهب الطرفان إلى أنه لا يمكن الغناء والرقص مع الآخرين في سجن غير مناسب لا تُراعى فيه حقوق السجناء. بيد أن الفئة الثالثة، أي الداعمين لنرجس محمدي، يقولون إن هذا الفيديو يعود إلى الفترة التي اختيرت فيها لمنحها جائزة نوبل للسلام، ولهذا السبب احتفلت ورقصت في السجن، لذلك لا يمكن تحت هذه الذريعة تجاهل نشاطاتها وجهودها في الدفاع عن حقوق الإنسان. وهي ثاني امرأة إيرانية بعد المحامية والناشطة في مجال حقوق الانسان شيرين عبادي التي تفوز بجائزة نوبل للسلام. ومنذ أن كانت نرجس محمدي (52 سنة) طالبة جامعية، اعتُقلت وسُجنت مرات عديدة بجرم الدعاية ضد الجمهورية الإسلامية، لكن أهم إداناتها بالحبس تعود إلى عام 2009، عندما حكمت بالسجن لست سنوات، ثم أُخلي سبيلها على خلفية تقرير طبّي عن صحتها. لكنها أدينت مرة أخرى في محكمة ثانية بالسجن لست سنوات عام 2014، وبعد الإفراج عنها عام 2020، أدينت مجدداً، ولا تزال في السجن.
وبدأ الجدل بشأن نرجس محمدي قبل أشهر مع الرسالة التي وجّهتها فائزة هاشمي رفسنجاني من سجن “إفين”. وفائزة هاشمي رفسنجاني هي ابنة آية الله هاشمي رفسنجاني، أحد القادة الرئيسيين للثورة الإسلامية ورئيس إيراني سابق. وقالت رفسنجاني في هذه الرسالة من دون أن تأتي على ذكر نرجس محمدي إنها وجدت في السجن مجموعة من المناصرين لها يقاطعون كل من يعارضها من بين السجناء السياسيين، وإن هؤلاء على النقيض من مزاعمهم بالمناداة بالحرية والديموقراطية، هم غير ملتزمين بهذه المبادئ، حتى قالت إنها قد تتعرض للقتل في السجن بسبب نشر هذه الرسالة. ولقيت رسالة هاشمي ترحيباً لدى الكثيرين بمن فيهم أحمد زيد آبادي الفائز بجائزة القلم الدولية وعباس عبدي اللذان سُجنا لسنوات عديدة في إيران. وبعد أيام من ذلك، أُفرج عن فائزة هاشمي بشكل مشروط.
وبالتالي يمكن القول إن الفجوة العميقة بين المعارضتين الداخلية والخارجية للجمهورية الإسلامية، عمرها 47 عاماً وهي بعمر هذا النظام السياسي، وكل قضيّة تؤدّي إلى إذكاء نيران الخلاف بين هؤلاء المعارضين. وباتت ذريعتها في هذه الأيام، نرجس محمدي، وقبل أسابيع، حصلت بذريعة الإهانة الموجهة إلى قبر الكاتب اليساري الإيراني غلام حسين ساعدي، وفي كل مرة، ثمة ذريعة جاهزة. وتكمن القضية الرئيسية في أن أياً من معارضي الجمهورية الإسلامية ليس مستعداً للاعتراف بالآخر، ويستغلون كل فرصة لتشويه سمعته وإراقة ماء وجهه. وأسهم هذا الواقع في عدم ترسيخ مجموعات وأشخاص المعارضة مكانة وموقعاً لهم داخل المجتمع الإيراني، وعدم تمكّنهم من التأثير على سياسات نظام الحكم بشكل يُذكر. وهؤلاء هم على العكس من الناقدين داخل إيران الذين يطالبون بدلاً من إطاحة الحكم، بإدخال تغييرات تدريجية في إيران بهدف تحقيق التنمية الشاملة، لذلك باتت هذه الفئة تحظى بمكانة واعتبار أكبر لدى الشعب.