علي حمادة
ببدو أن هدنة غزة بين حماس وإسرائيل من أجل إتمام عملية تبادل أسرى ورهائن وإدخال مواد إغاثية الى القطاع تسير بشكل جيد. وثمة توجه لتمديد الهدنة لإنجاز جولة تبادل ثانية. فالطرفان يحتاجان تمديداً وان بدرجات مختلفة. إسرائيل تحتاجها نظرا لشدة الضغوط الأميركية والدولية بسبب الفاتورة الإنسانية الباهظة التي تكبدها المدنيون في غزة. كما ان ضغوط أهالي الرهائن لا تقل وطأة على حكومة بنيامين نتنياهو التي كانت آثرت مواصلة القتال وفقا لتوصيات الجيش الإسرائيلي. لكن اطلاق الرهائن هو احد الأهداف الثلاثة التي حددها مجلس الحرب الإسرائيلي. ومن هنا ضاقت الهوامش امام إسرائيل. والان متى أنجزت الجولة الأولى من التبادل سوف “يتذوق” المجتمع الإسرائيلي طعم اطلاق الرهائن والهدوء الأمني لكي يطالبوا بالمزيد. فتوقف عملية التبادل بعد جولة واحدة سوف يفجر مشكلة كبيرة بين أهالي الرهائن والحكومة وحتى الجيش. لذلك لن نُفاجأ ان جرى الاتفاق على جولة ثانية وثالثة ورابعة!
حماس من ناحيتها بحاجة الى الهدنة والتبادل أولا لالتقاط الانفاس وإعادة تنظيم الصفوف، وتخفيف الضغط العسكري المروع على سكان قطاع غزة، لاسيما أن مسؤولية الغارات الوحشية وسقوط آلاف المدنيين تبدأ حكماً بإلقائها على عاتق الجاني أي إسرائيل. لكن بعدها تبدأ مرحلة الأسئلة الصعبة حول كلفة عملية “طوفان الأقصى” البشرية، الحياتية، المعيشية والإنسانية. وستواجه حماس مناخاً لا يعفي إسرائيل من المسؤولية لكنه يحملها في مكان قسطاً من مسؤولية العواقب الخطيرة والمجازفة بحياة مليوني مواطن. هذه طبيعة العلاقة الجدلية في وعي الجمهور بين الدعم وكلفة الدعم. ومن ناحية أخرى تحتاج حماس للهدنة من أجل إعادة ترميم علاقاتها مع المحور العربي. فالعلاقة مع المحور الإيراني مهما كانت لا تؤمن لها شرعية كافية لمواجهة المرحلة المقبلة. ودعم الفصائل الإيرانية من لبنان الى العراق واليمن تعوزه الشرعية العربية. هذه فصائل مصنفة إيرانية والقضية الفلسطينية تحتاج الى الحاضنة العربية، بدءاً من مصر وانتهاء بدول الخليج العربي التي وحدها تستطيع ان تخرج غزة من الكارثة الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية الاتي ستتركها هذه الحرب. أضف الى ذلك أن أي حل يتعلق بمستقبل غزة يحتاج الى احتضان مصري، اردني، سعودي على قاعدة انه يصعب ان تعود الأمور في غزة الى مرحلة ما قبل 7 تشرين الاول (أكتوبر). بمعنى ان ما سماه الرئيس التركي “الهيكل الأمني” المقبل لغزة سيكون مختلفاً تماماً. قد تهزم حماس في الجولات المقبلة من الحرب، وقد لا تهزم. لكن الأخيرة ستكون على موعد مع الدبلوماسية الإقليمية والدولية، ومع فاتورة كبيرة ستكون ملزمة بالتعامل معها.
بانتظار استكمال جولة التبادل الأولى، وربما الاتفاق على جولة أخرى ستبرد جبهة غزة، لكن نيران حروب أخرى ستبقى مشتعلة لأنها تندرج في لعبة حجز الأماكن على طاولة التفاوض الكبيرة في المنطقة. ايران تحرك الحوثيين، و”حزب الله”، والفصائل العراقية. وحده الحوثي سيواصل تسخين جبهته البحرية معترضا سبيل سفن تجارية على صلة برجال اعمال إسرائيليين دون ان يؤثر حتى الآن على الميدان في غزة. بينما ستُربط جبهة لبنان بالهدنة، ومناوشات الفصائل العراقية بموازين اللعبة مع الولايات المتحدة.
ثمة لعبة كبيرة تجري في المنطقة. وبين جولة وأخرى الكل يتراشق، يناور ويتفاوض تحت الطاولة.
ونحن الآن في مرحلة الحرب بين الحربين.