نائب قائد الجيش الحر لـ”العرب”: مخاوف من اقتتال داخلي بسبب التهميش.
من انقلب على من
فشلت كل الجهود الرامية إلى إعادة الضباط السوريين المنشقين الأوائل إلى صفوف الجيش الذي شرعت الإدارة السورية الجديدة في تكوينه عبر ضم عدة فصائل إليه، رغم أن هؤلاء الضباط كانوا النواة الأولى للجيش السوري الحر الذي واجه نظام بشار الأسد منذ 2011.
وكشف العقيد مالك الكردي، نائب رئيس هيئة أركان الجيش الحر، في تصريحات خاصة لـ”العرب” عن تشكيل لجنة برئاسته من أجل تباحث الأمر مع إدارة العمليات العسكرية. وسعت اللجنة إلى لقاء قائد العمليات أحمد الشرع أو وزير الدفاع الذي تم تعيينه لكن لم تتم الاستجابة للمحاولة.
وقال الكردي “بعد انتظار دام عدة أيام وجدت أن الوضع الآن لا يسمح بذلك، ما جعلني أعود أدراجي وأراقب الأوضاع، رغم أنه كانت لدينا خطة عاجلة لمعالجة الوضع العسكري والسيطرة على المعسكرات وإجراء عمليات صيانة سريعة لها، ودراسة أوضاع الضباط والعسكريين المنشقين، لإجراء تسويات لهم في الرتب العسكرية التي يستحقونها أو لمنح رواتب تقاعدية لمن لا يستطيع الاستمرار.”
مالك الكردي: العقلية الفصائلية الميليشياوية تسيطر على الوضع
مالك الكردي: العقلية الفصائلية الميليشياوية تسيطر على الوضع
وأشار العقيد الكردي إلى ضرورة منح تعويضات لجميع الضباط المنشقين عن الفترة السابقة لأنهم صاروا في وضع حرج بعد 14 سنة شهدت استنزافا لقواهم.
وتقوم قيادة إدارة العمليات بإجراء لقاءات مع بعض قادة الفصائل من الضباط والمدنيين، دون أي لقاء مع قيادات الجيش الحر، ما وصفه الكردي بـ”التجاهل التام والواضح الذي لا يستطيع إنكاره أحد.”
وأعلن الكردي انشقاقه في 29 أغسطس 2011، وكان أحد الأعضاء المشاركين في تشكيل المجلس العسكري المؤقت للجيش السوري الحر، وأسسه العقيد رياض الأسعد في 14 نوفمبر 2011، وتم تعيينه نائبا لقائد الجيش.
واعتبر الكردي أن العقلية الفصائلية الميليشياوية مازالت تسيطر على الوضع العام، وأن الإدارة الجديدة لم تنتقل حتى الآن إلى فكر الدولة، وأي ضابط يقدم نفسه حاليا للعودة إلى العمل بالمؤسسة العسكرية يحتاج إلى تزكية من جانب هيئة تحرير الشام، ولا يتم قبوله بغير هذا الطريق، وفي الغالب يجب أن يكون من محافظة إدلب التي كانت الهيئة تسيطر عليها أو ممن يقيمون فيها ولهم تواصل مع رجال الهيئة، واصفا ذلك بأنه من المشكلات الكبيرة التي تعترض حاليا إعادة بناء الدولة السورية والمؤسسة العسكرية.
وأصدرت إدارة العمليات العسكرية العديد من القرارات في الفترة الماضية لعل أبرزها ضم بعض الفصائل إلى الجيش ومنح رتب عسكرية وصلت إلى رتبة اللواء والعميد لبعض المدنيين وصغار الضباط، ما أثار تساؤلات وجدل حول إمكانية التوافق بين العسكريين والمدنيين ونبذ الاختلافات الفكرية بين الفصائل المسلحة للانضواء تحت راية جيش موحد.
ووصف العقيد مالك الكردي هذه القرارات بأنها تعني “حجز الصفوف الأولى في الجيش لهؤلاء، فبات من الصعب جدا على الضباط، خاصة أصحاب الرتب الكبيرة، أن يكون لهم مكان في المؤسسة العسكرية، التي أصبح هناك خلل كبير في هرم التراتبية بها، وهو ما سنعاني منه كثيرا، وربما يتم تفسيره لدى الضباط المنشقين بأن الإدارة الجديدة ليست في وارد الاستفادة منهم.”
وأضاف لـ”العرب” أنه يتم الاعتماد أحيانا على ضباط من فلول النظام السابق، دون الضباط القدامى المنشقين، ما شكل صدمة كبيرة لهؤلاء، ولا أحد يعرف إلى أين ستصل هذه المرحلة.
وقال “رغم أن تصريحات قادة الإدارة تؤكد الحرص على استيعاب كل الضباط المنشقين، إلا أن الواقع الفعلي يشير إلى عدم ترجمة هذه التصريحات على الأرض، وهم يعللون ذلك بأنهم يحاولون العمل ضمن إطار هيئة تحرير الشام والعناصر التي يعرفونها ولا يمكن لهم التوسع خارج هذه الدائرة، علما بأن هناك ضباطا يعملون مع الهيئة ولم تتم الاستفادة من طاقاتهم أو منحهم رتبا، وهذا غير مفهوم.”
oo
دعمت تركيا الجيش السوري الحر في مراحله الأولى منذ تأسيسه عام 2011، لكنها انتقلت بعد ذلك إلى مرحلة “الدعم الفصائلي” بشكل واضح، والسبب كما يقول الكردي هو أنهم “يريدون أناسا طيعين وضباطا يمكن أن ينفذوا أجندات تركيا وأهداف التنظيمات المعروفة المقربة منهم. وبالتالي حدث ضغط وتهميش كبير للجيش الحر وقياداته حتى تم إضعافه وتفتيته، وكنت واحدًا ممن تعرضوا للضغوط التركية بشكل كبير.”
وتم إنشاء ما يعرف باسم “الجيش الوطني” من فصائل تابعة لتركيا، وحاول قادة الجيش الحر إصلاح هذا الوضع، “لكن اصطدمنا بحجر العثرة التركي؛ حيث كانت أنقرة تريد هذا الجيش وفق مقاس معين غير مفهوم بالنسبة إلينا.”
وقال نائب قائد الجيش الحر “كنا نتلقى وعودا من تركيا بأنها ستساعدنا على التنظيم، وتدعونا إلى التريث، لكن تريثنا طويلا لنفاجأ بأنها توجهت إلى الدعم الفصائلي وإدارة ظهرها للجيش الحر.”
التهميش امتد حتى إلى فصائل مسلحة شاركت هيئة تحرير الشام في القتال، لذلك يتخوف الجميع من وقوع اقتتال سوري – سوري بسبب السياسة المنتهجة
ويرى العقيد مالك الكردي أن الولايات المتحدة لها دور كبير في إبقاء هيئة تحرير الشام، وربما مساعدتها بدرجة معينة، قائلا “هذا مفهوم بالنسبة إلينا باعتبار أنه يستهدف مواجهة الميليشيات الإيرانية العقائدية بفصيل عقائدي قوي، وكانت الهيئة هي الفصيل العقائدي الأقوى الذي يحقق هذا التوازن.”
وأوضح أن هيئة تحرير الشام هي الحاكم الفعلي لسوريا اليوم، وليس معروفا المآل الذي ستقود البلادَ إليه، وكيف سيكون التعامل الدولي معها، وهناك علامات استفهام كثيرة مازالت تضعنا كسوريين أمام المجهول، ونحاول أن نفهم ما إذا كانت تستطيع أن تنتقل إلى مرحلة الدولة وبناء الدولة كما كان السوريون يحلمون.”
وامتد التهميش حتى إلى فصائل مسلحة شاركت هيئة تحرير الشام في القتال، لذلك يتخوف الجميع من وقوع اقتتال سوري – سوري بسبب السياسة المنتهجة حتى هذه اللحظة.
وأكد الكردي لـ”العرب” أن “تعدد السلاح يثير مخاوف كثيرة بالطبع وقد يكرس انقساما،” داعيا الإدارة الحالية إلى أن تأخذ المخاوف على محمل الجد وأن تتم دراسة الأمر لأن طبْع المجتمع السوري مختلف عن الكثير من طباع المجتمعات العربية الأخرى، بما فيه من تنوع كبير على مستوى الإثنيات والطوائف والعشائر، ويحتاج إلى دراسة متأنية لحكم سوريا بطرق عصرية.”
واعتبر أن “هناك تخبطا في إدارة العمليات في جميع الاتجاهات والقرارات، بسبب ضعف الخبرة والسقوط المفاجئ للنظام وإرث المشاكل الكبيرة التي تواجهها الإدارة في دولة مثقلة بكل شيء؛ فالبنى التحتية مهدمة، وكذلك البنية العسكرية، والمجتمع تراجع كثيرًا عما كان عليه سابقا، والأوضاع المادية متدهورة، ورغم الدعوة إلى التسامح لا تزال هناك جرائم كبيرة لا يمكن تجاهلها، وهذه كلها مشاكل ترخي بظلال ثقيلة على الوضع الحالي.”