على بعد نحو 100 كيلومتر، عن جنوب شرقي دمشق، تقع مدينة السويداء؛ مركز محافظة تحمل ذات الاسم، التي تصدّرت واجهة المشهد الأمني في الأيام الماضية بعدما تفجّرت مواجهات بين فصائل محلية من المحافظة ومجموعات مسلحة عشائرية، قبل أن تتصاعد الأوضاع مع تدخل وزارتي الداخلية والدفاع وإرسال تعزيزات إلى المنطقة، والإعلان عن بدء دخول مدينة السويداء “لتوفير الحماية للمدنيين وممتلكاتهم”، في وقت لم يكن الوضع الأمني قد استقر حتى ساعات بعد ظهر أمس. وكان الطريق الحيوي الذي يصل السويداء بدمشق الشرارةَ الأولى للأحداث الدامية التي جرت أخيراً، بعدما تعرّضت عصابة مسلحة على طريق دمشق ــ السويداء بين قرية خربة الشياب وموقع الفيلق الأول، للمواطن فضل الله نعيم دوارة من بلدة عريقة واعتدت عليه بالضرب، وسلبت سيارة نقل الخضار خاصته بحمولتها ومبلغ سبعة ملايين ليرة سورية (الدولار يساوي حوالى 10 آلاف ليرة سورية)، قبل أن ترميه على قارعة الطريق وهو يعاني إصابات بالغة لتبدأ بعدها عمليات خطف وخطف متبادل ثم اشتباكات.
يُعتبر طريق دمشق ــ السويداء الشريان الحيوي الأهم للمحافظة
طريق دمشق ــ السويداء مصدر توتر
لكن الطريق نفسه لطالما كان مصدر توتر بين البدو والدروز، حتّى في أيام نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد. وحاولت الحكومة الحالية فرض السيطرة على هذا الطريق وضبط الأمن فيه، إلا أن استمرار حوادث الخطف، على غرار ما جرى مع دوارة، دلل على فشل واضح على هذا الصعيد. وفجّرت هذه الحادثة الموقف كله في المحافظة، فدارت اشتباكات بين مجموعات من الجانبين، قبل أن تقرّر القوات التابعة للحكومة، من وزارتي الدفاع والداخلية، التدخل. ويُعتبر طريق دمشق ــ السويداء الشريان الحيوي الأهم لمحافظة السويداء فهو الطريق الذي يسلكه السكان إلى دمشق وريفها. فالسويداء ترتبط بالعاصمة ارتباطاً وثيقاً، بسبب وجود تجمعات سكانية كبيرة لأبناء الطائفة الدرزية في بعض أحياء العاصمة، مثل باب مصلى وركن الدين، وكذلك تجمعات كبيرة في بلدات جرمانا وأشرفية صحنايا وصحنايا والدير علي.
وأسهم قرب السويداء من دمشق، بالإضافة إلى وضعها كمحافظة نائية تفتقر إلى قدرات وإمكانات اقتصادية ومراكز تعليمية مهمة، كالجامعات والمراكز الطبية، وحتى فرص العمل، لتكون المحافظة شبه التابعة لدمشق في كل شيء. وقد استغل نظام الأسد المخلوع هذا الطريق ليفرض حصاراً اقتصادياً، ويحرم المحافظة من أي فرص للاستثمار والتطور والنهوض، ولا سيما أثناء الحراك السلمي ضده، والذي بدأ منتصف عام 2023 واستمر حتى سقوطه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. كما شجع العصابات التابعة له على التحكّم في هذا الطريق وإذلال الأهالي ومحاصرتهم، خصوصاً في سنوات الثورة، ما جعله عُرضة للانقطاع ومجالاً لأعمال السطو والنهب التي اتسع نطاقها بعد سقوط النظام.
أعمال حرق وتخريب في بلدة الصورة الكبيرة بريف السويداء، 5 مايو 2025 (العربي الجديد)
تقارير عربية
اتفاق السويداء: خروق ليلية في الريف الغربي وطريق دمشق مفتوح جزئياً
تحكم جماعات مسلحة بالطريق
ولطالما تحكمت بالطريق الذي يأتي في مقدمة الطرق الحيوية في جنوب سورية الجماعات المسلحة والخارجة عن القانون، ومارست عليه السطو دون تفريق، مهددةً السلم الأهلي في المحافظة، كما اتخذته هذه الجماعات وسيلة لأعمال انتقامية على خلفيات طائفية. وتبلغ المسافة بين مدينة السويداء ودمشق 100 كيلومتر، تتبع إدارياً لثلاث محافظات (السويداء ودرعا وريف دمشق)، حيث تمتد أراضي ريف السويداء لمسافة 48 كيلومتراً على الطريق وصولاً إلى بلدة الصورة الكبرى، آخر بلدات ريف السويداء الشمالي، لتتداخل أراضيها مع قرى وبلدات براق التابعة لريف درعا الشمالي الشرقي. وتنتشر عدة بلدات في ريف درعا على طريق دمشق ــ السويداء على مسافة نحو 23 كيلومتراً، ابتداء من قرية براق مروراً ببعض القرى مثل بويضان والمطلة وصولاً إلى بلدة المسمية التي يقع فيها الحاجز الشهير على طريق دمشق ــ السويداء. ومن بعد بلدة المسمية يتم الوصول إلى بلدات ريف دمشق الجنوبي، ابتداء من قرية خربة الشياب، وخربة الورد، ونجها، والعدلية وصولاً إلى السيدة زينب.
شهد الطريق أحداثاً دامية منذ سقوط نظام الأسد، سقط فيها عدد من الضحايا المدنيين
وتعتبر هذه الأراضي الممتدة من ريف درعا إلى ريف دمشق امتداداً لبادية ريف دمشق وبادية السويداء الشرقية الممتدة شرقاً إلى حدود العراق وجنوباً إلى حدود الأردن. وتتفرع عن الطريق طرق فرعية، لعل أهمها الذي يصل بين منطقة اللجاة الوعرة في الريف الشمالي لمحافظتي درعا والسويداء، وبين المناطق الحدودية مع الأردن.
أهم مسالك نقل المخدرات
وكانت هذه الطرقات أهم مسالك نقل المخدرات عبر عقود من الزمن، انطلاقاً من بلدات جدل والمسيكة والبستان في منطقة اللجاة التي استقر بها حزب الله اللبناني زمن نظام الأسد، مروراً ببلدات براق والمسيكة وصولاً إلى بلدة القصر في الشمال الشرقي لمحافظة السويداء، وعبرها إلى مناطق الأصفر وبادية الحماد والزلف، فالحدود الأردنية. ويقطن جميع هذه المناطق عشائر ذات طابع بدوي يعمل أبناؤها في تربية الماعز والأغنام والتجارة، فالطبيعة الوعرة لهذه المناطق حالت دون عملهم في الزراعة. ويتراوح عدد السكان القاطنين في القرى والبلدات على طريق دمشق ــ السويداء ضمن النطاق الإداري للأخيرة بين 15 و25 ألف نسمة، غالبيتهم من البدو الرحّل، وتربطهم علاقات قربى ونسب مع عشائر البدو الموجودة في محافظات السويداء ودرعا وريف دمشق.
وكان هذا الطريق قد شهد أحداثاً دامية منذ سقوط نظام الأسد، سقط فيها عدد من الضحايا المدنيين، بينهم عدد من الطلاب الذاهبين الى جامعاتهم في دمشق وبقية المدن السورية، ما دفع الحكومة لوضع بعض الحواجز الأمنية ومرافقة العديد من المركبات العابرة في محاولة لضبط الأمن وتأمين العابرين. إلا أن المسافات الكبيرة وضعف القدرات العسكرية، لم تثمر في حماية العابرين بشكل مثالي. وشهد الطريق أخيراً عدداً من الاعتداءات على التجار العائدين من دمشق إلى السويداء، من قبل مجموعات تمتهن الخطف والسرقة، كان آخرها الاعتداء على التاجر فضل الله دوارة، الذي كان سبب الشرارة لأحداث السويداء الحالية. مع العلم أنه خلال توترات مايو/أيار الماضي توقفت الحركة على طريق دمشق ــ السويداء بعدما تم قطع الطريق وبقيت المحافظة على مدى نحو أسبوع تعاني من عدم دخول الشاحنات إليها. ونصّ اتفاق التهدئة بين السلطة ووجهاء المحافظة يومها على بنود عدة، من بينها أن تأمين طريق دمشق ــ السويداء وضمان سلامته وأمنه، تحت مسؤولية السلطة، وبشكل فوري، إلى جانب رفع الحصار عن مناطق السويداء، جرمانا، صحنايا، وأشرفية صحنايا، وإعادة الحياة إلى طبيعتها فوراً. وبحسب بيان لمشيخة العقل وقتها، فقد تضمنت بنود الاتفاق تفعيل قوى الأمن الداخلي (الشرطة) من أفراد سلك الأمن الداخلي سابقاً، وتفعيل الضابطة العدلية من كوادر أبناء محافظة السويداء حصراً، وبشكل فوري. كذلك نص على “بسط الأمن والأمان على الأراضي السورية كافة”، وأن تأمين طريق دمشق ــ السويداء “تحت مسؤولية السلطة”.
جانب من انتشار الأمن العام في السويداء، 2 مايو 2025 (وكالة الأنباء السورية)
تقارير عربية